
التأتأة واضطراب طيف التوحد
ترجمة: أ. شروق السبيعي
اضطراب طيف التوحد هو مصطلح نسمع عنه كثيرًا في دوائرنا الاجتماعية وحتى في الشاشات.
على الرغم من العديد من المنشورات المثيرة للجدل، والآراء والأحكام، يمكننا أن نفخر بالقول إن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد قد لا يكونون نمطيين عصبيًا، لكنهم موهوبون ومميزون بشكل لا يصدق بطرقهم الخاصة.
هل هناك علاقة بين التأتأة واضطراب طيف التوحد؟
اضطراب طيف التوحد ليس مرضًا، بل هو اضطراب ضمن طيف التوحد. حتى اليوم، لا يعرف أطباء الأعصاب وأطباء النفس الكثير عن أسباب اضطراب طيف التوحد. إنه ليس وراثي أو يحدث بسبب إصابات خارجية أثناء الطفولة. وفقًا للباحثين، يُعتبر اضطراب طيف التوحد (ASD) نوعًا من الاضطرابات النمائية الشاملة (PDD).
يتميز اضطراب طيف التوحد بمجموعة من الأعراض والتأثيرات التي غالبًا ما تكون مزيجًا من الإيجابي والسلبي. قد يكون بعض الأطفال والبالغين ذوي اضطراب طيف التوحد متميزين في مجالات مثل الرياضيات والفنون والإبداع، بينما يواجهون في الوقت نفسه صعوبات في التواصل، وبناء العلاقات، والالتزام بالقواعد الاجتماعية.
وبالمثل، يعاني العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أيضًا من اضطرابات في الطلاقة، مثل التأتأة. تظهر التأتأة على شكل تكرار أو توقف أو تمديد في الكلمات. على سبيل المثال، قد يبدو أن كلمة مثل “كوب” تتحول إلى “ك-ك-وب” بسبب التكرار أو “كووووب” بسبب التمديد.
عادةً ما تقتصر التأتأة عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد على بداية المقطع الأول من الكلمات ذات المقاطع الفردية أو المقطع الثاني من الكلمات الأطول. ولا يُعتبر التكرار في الحروف الأخيرة أمرًا شائعًا في هذا النوع من التأتأة.
كم عدد الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين لديهم تأتأة؟
قد تكون العلاقة بين اضطراب طيف التوحد والتأتأة طويلة المدى. للأسف، لا توجد بيانات موضوعية تحدد بدقة مدى انتشار التأتأة بين الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. ومع ذلك، قدمت الأبحاث الحديثة للمجتمع العلمي أدلة على وجود علاقة معقدة بين اضطراب طيف التوحد والتأتأة، والتكدس الكلامي، و/أو عدم القدرة على نطق الكلمات في نهاية الكلام.
وفقًا لدراسات نشرتها كاثلين سكالير سكوت (2013)، فإن التأتأة، بالإضافة إلى اضطرابات الطلاقة الأخرى شائعة لدى الأطفال ذوي متلازمة أسبرجر. ذكر شريبرغ وآخرون (2001) أن 67 من أصل 100 طفل ذو متلازمة أسبرجر لديهم صعوبات في الطلاقة الكلامية مقارنة بـ 40 من أصل 100 طفل ذو اضطراب طيف التوحد عالي الأداء. ومع ذلك، لا يمكن لأي دراسة حاليًا تحديد عدد الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين لديهم تأتأة بشكل قاطع.
هل التأتأة علامة أو عرض من أعراض اضطراب طيف التوحد؟
العديد من الأطفال والبالغين ذوي اضطراب طيف التوحد لديهم اضطراب الطلاقة مثل التأتأة. من المهم أن نتذكر أن التأتأة ليست شكلًا من أشكال اضطراب طيف التوحد، ولا تعتبر علامة على وجود اضطراب طيف التوحد في معظم الحالات.
قد يعاني الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أيضًا من خطاب غير منظم بسبب اضطرابات الطلاقة المتعددة، أو إعادة التفكير، أو التوقفات أثناء الحديث. كل طفل لديه مزيج مختلف من هذه الأعراض ويختلف مستوى وعيه بها من طفل لآخر.
تشخيص التأتأة لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد
فقط المتخصصين في تطور الأطفال يمكنهم تشخيص اضطراب طيف التوحد. نظرًا لأنه اضطراب معقد وله علامات وأعراض متنوعة على نطاق واسع، يمكن أن يتم التشخيص بين عمر سنتين و ثماني سنوات. قد يحدث ظهور مفاجئ للتأتأة عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بسبب الضغوط النفسية أو التغيرات في البيئة و/أو الصعوبات الاجتماعية.
يمر الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بمشاكل متعددة في التواصل والتفاعل الاجتماعي. لذلك، من الصعب ملاحظة اضطرابات الطلاقة مثل التأتأة حتى يصلوا إلى سن المدرسة. التفاعل بين اضطراب طيف التوحد واضطرابات الطلاقة الكلامية يعد مجالًا بحثيًا حديثًا.
أخصائيو اضطرابات النطق واللغة، الذين لديهم أيضًا معرفة باضطراب طيف التوحد لدى الأطفال، هم المرشحون المثاليون لتشخيص وعلاج اضطرابات الطلاقة الكلامية لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. يجب أن تساعد خبرتهم وتقييماتهم المبنية على المعرفة في التمييز بين اضطرابات الطلاقة الأخرى التي قد تؤثر على الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وبين التأتأة.
ما الذي يجب أن تعرفه عن طفلك ذو اضطراب طيف التوحد والتأتأة؟
بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، قد يكون من الصعب عليهم التعبير عن الكلمات الصحيحة دون التأتأة. كما أن وجود اضطراب في الطلاقة مثل التأتأة يجعل التواصل أمرًا شاقًا للعديد من الأطفال والبالغين ذوي اضطراب طيف التوحد. حتى أذكى العقول قد تستغرق وقتًا طويلاً، قد يصل إلى أكثر من دقيقة، للتفوه بكلمة واحدة فقط. كما وصفه طفل ذو اضطراب طيف التوحد والتأتأة في السادسة من عمره: “الكلمات عالقة على شريط لاصق في عقلي.
قد يواجه الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة صعوبة في التعبير عن أنفسهم، ولكنهم لا ينبغي أن يتعرضوا أبدًا للإحباط أو قلة الصبر أو الاستياء أو الغضب من الآخرين. في معظم الحالات، يعرف الأطفال تمامًا ما يريدون قوله، لكنهم يواجهون صعوبة في نطق الكلمات أو معالجة الكلام.
التأتأة هي إعاقة بالفعل، ولكن عندما تكون مصحوبةً باضطراب طيف التوحد، قد تعرقل التطور العاطفي عند الأطفال وتؤثر عليهم بشكل سلبي. فهي تعرقل حياتهم الاجتماعية وقدرتهم على تكوين علاقات هادفة والحفاظ عليها في المستقبل. كما أن التصورات الخاطئة عن اضطراب طيف التوحد والتأتأة يمكن أن تجعل الأطفال ينغلقون أكثر على أنفسهم، مما يؤثر على جودة حياتهم بشكل عام.
علاج التأتأة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة
يختلف علاج التأتأة حسب احتياجات الأطفال، وهو أمر ينطبق بشكل خاص على الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. تؤثر التأتأة بشكل أكبر على مهارات التواصل والاجتماعية لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. لذلك، فإن العلاج أمر بالغ الأهمية. ونظرًا لأن مراقبة النفس والتفاعل الاجتماعي يمكن أن يكونا في غاية الصعوبة لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، فإن الأخصائين غالبًا ما يركزون على أدوات الطلاقة أثناء التفاعلات الاجتماعية.
الأدوات التقليدية لعلاج التأتأة – كيفية تقديم الأخصائي لهذه الأدوات يعتمد على أعمار الأطفال ومستوى فهمهم. الأطفال الذين لديهم مستوى أعلى من الفهم قد يستفيدون أكثر من الاستراتيجيات المعروضة على شكل صور أو نصوص مكتوبة. أما الأطفال الذين لديهم مستويات فهم أقل فيمكنهم الاستفادة من استراتيجيات أبسط وأقل وصفًا، مع الاعتماد على خيالهم في محاكاة نماذج الأخصائي. على سبيل المثال، يستخدم العديد من أخصائيين الأطفال الصلصال أو السلايم المرن لتمثيل الكلام المطول. تصوّر التأتأة بطريقة مرحة وملموسة قد يساعد الأطفال على التغلب على أعراض التأتأة إلى حد كبير. الممارسة المتكررة هي المفتاح للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة لاكتساب طلاقة أكبر في الكلام.
مساعدات لتنظيم الأفكار – الإشارات البصرية والتنظيمات مثل برامج الخرائط البصرية عبر الإنترنت يمكن أن تساعد الأطفال على جمع وتنظيم أفكارهم. ينبغي أن تكون المهارات المكتسبة حديثًا واضحة في التواصل اليومي. ومرة أخرى، الممارسة هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على قدرة الأطفال في هيكلة أفكارهم وجملهم.
إضافة المزيد من التوقفات – يمكن أن يساعد إضافة التوقفات الأطفال على:
- جمع أفكارهم.
- ممارسة التنفس العميق.
- تطبيق أدوات الطلاقة (البداية السهلة، أو التحدث الممدود).
ما ينبغي على آباء الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة أن يتذكرونه
يلعب الآباء دور مهم في تطوير النمو العاطفي للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة. طريقة دعمك لطفلك أثناء محادثاته وأنشطته اليومية ستحدد مستوى ثقته أثناء التعامل مع العالم الخارجي.
إليك بعض النقاط التي يجب أن تتذكرها أثناء الحديث مع طفلك:
- لا تكمل كلمة أو جملة عن طفلك.
- حافظ على تعبيرات وجه إيجابية ومشجعة.
- استمع بصبر ورد في الأماكن المناسبة.
- لا تُظهر الإحباط أو الغضب.
- لا تستعجل طفلك في إنهاء حديثه.
- لا تفترض أنه لا يفهم ما تحاول أن تقوله.
- لا تغمر طفلك بالكثير من المعلومات دفعة واحدة.
- مارس التحدث بالتناوب أثناء الحديث.
- عدم مقاطعة الطفل أثناء حديثه هي مهارة اجتماعية أساسية يجب على كل شخص اكتسابها. إنها تظهر احترامًا للمتحدث.
ما الذي أتمنى أن يعرفه الجميع
يجب أن يتم الاستماع إلى الأطفال الذين لديهم صعوبة في الكلام بنفس الطريقة التي يتم الاستماع بها إلى الآخرين. اضطراب طيف التوحد يجعل من الصعب تشخيص الأطفال الذين يميلون إلى الانعزال، مقارنةً بالأطفال غير المشخصين به. ومع ذلك، فهذا لا يعني أنه لا يوجد إمكانية للأطفال للتحدث بطلاقة أكبر في المستقبل.
يجب أن نتذكر أن اضطراب طيف التوحد شائع جدًا. فحوالي 222 من كل 10,000 طفل في الولايات المتحدة، و106من كل 10,000 في كندا، و23 من كل 10,000 في الهند تم تشخيصهم باضطراب طيف التوحد. اضطراب طيف التوحد ليس أمرًا جيدًا أو سيئًا؛ إنه ببساطة اضطراب يجعل الأطفال متميزين!
يمكن لعلاج النطق أن يسهم بشكل كبير في مساعدة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والتأتأة على تجاوز صعوبات النطق التي يواجهونها، ويساهم في خلق مجتمع أكثر قبولًا وشمولية.
المرجع: