
لعب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو اللعب المناسب
ترجمة: أ. شروق السبيعي
“هل يلعب أطفالكم بألعابهم بشكل مناسب؟”
يبدو أن هذا سؤال شائع يُطرح على الآباء إذا كان أطفالهم يخضعون لتقييم اضطراب طيف التوحد، وفي هذا السياق، فإن اللعب “بشكل مناسب” يعني “اللعب بالألعاب تمامًا كما يلعب الأطفال الطبيعيين بألعابهم”، بالإضافة غالبًا ما يتم الضغط على الآباء بشدة لجعل “الاستخدام المناسب للألعاب” نوعًا من الأهداف النمائية أو محاولة جعل أطفالهم يستخدمون ألعابهم بطريقة محددة باستخدام التلاعب بالسلوك بـ «التدخلات».
الحقيقة هي (وسأكون صريحًا للغاية هنا) أن هذا النوع من التفكير مغلوط تمامًا، إنه نسخة أخرى من خطوط التفكير التي تقول “إنهم مختلفين، وبالتالي فهم سيئين” و”إنهم لديهم اضطراب طيف التوحد وبالتالي فهم سيئين”، ويظهر التحيز هنا أيضًا عندما يرتبط الاختلاف تلقائيًا بالمصطلح السلبي “غير مناسب.
أنا آسف، ولكن من الذي يحق له التمييز بأن أي تغيير في طرق اللعب العادية “غير مناسب” ؟ أعزائي القراء أنا هنا لأخبركم أن اللعب عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو اللعب المناسب.
إن وضع الألعاب في صفوف هو اللعب المناسب.
إن تدوير عجلات سيارة صغيرة الحجم بدلاً من دحرجتها على الأرض هو اللعب المناسب.
إن تنظيم الحيوانات المحشوة بدلاً من إقامة حفلات شاي وهمية معهم هو لعب مناسب.
إن الاهتمام باللعب الحسي اللمسي باستخدام حوض من الرمل بدلاً من التظاهر بالمعارك باستخدام الدمى المتحركة هو اللعب المناسب.
عندما كنت طفلاً صغيراً، يمكن أن تجعلني نموذجاً للعب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، كنت أرتب ألعابي في صفوف وأتفاعل مع بيئتي بطريقة حسية استكشافية بشكل واضح فأحدق في الأضواء وما إلى ذلك، كنت أفضل كثيراً أن أصنع نماذج مصغرة (أو “تركيبات” كما أسميها) من الديناصورات المطاطية بدلاً من الانخراط فيما قد يسميه الطبيب النفسي “اللعب التخيلي”، لقد كتبت سابقاً القليل عن أشكال لعب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، ولكن ليس على هذه المقالة بل في مقالة كتبتها لمجلة Love and Autism، وفيها كتبت قليلاً عن السبب وراء لعب العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بطرق مختلفة، وعن أهمية تبني الاختلافات في أنماط لعب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، وقلت:
- لقد رأيت مؤخرًا على تويتر وأماكن أخرى أشخاصًا يتحدثون عن “أهمية” التأكد من أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد “يلعبون بالطريقة الصحيحة” أو “يهتمون بالأشياء الصحيحة.
- وعلى الرغم من أنهم ليسوا مشخصين باضطراب طيف التوحد، فإنهم يصرون على أنه لا ينبغي السماح للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بترتيب ألعابهم أو ممارسة اهتمامات محددة في أماكن ضيقة، يبدو أن الحجة على ذلك ليست أكثر من “إنه ليس بوسع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أن يفعلوه، وبالتالي فلا بد أن هذا خطأ ويضر تطورهم.
- إن هذا النوع من التفكير ينبع من فكرة مفادها أن ما هو طبيعي هو الصحيح تلقائياً بالنسبة لجميع الناس، وأن الانحراف عن القاعدة أمر سيئ، ومع ذلك فإنهم يتجاهلون تماماً الغرض الذي تحمله هذه الأفعال المتكررة بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.
- ولكن بصراحة، ما الفرق الذي سيحدثونه إذا كانوا الأطفال يرتبون ألعابهم في صفوف؟ أعتقد أنه لا توجد طريقة موضوعية للعب، وربما ترتيب الألعاب في صفوف يلعب دورًا مهمًا في مساعدة الأطفال على التعامل مع العالم.
- نحن بحاجة إلى التوقف عن اعتبار اللعب المتكرر مرضًا، أقول يجب أن تكونون سُعداء عندما يقوم طفلًا ما بترتيب ألعابه أو يكرر كلماته أو يلوح بيديه أو يركز بعمق على اهتماماته.
- لا يوجد شيء خاطئ على الإطلاق في هذه الأمور لمجرد أنها لا تتوافق مع المعايير الطبيعية.
إن اللعب مهم في الواقع من الناحية النمائية، فـ اللعب أثناء الطفولة يلعب دوراً مهماً في التطور الإدراكي، فهو لا يقتصر على تقديم الترفيه للأطفال فحسب، لذا من المهم ألا يتم توقيف اللعب الطبيعي أو محاولة “إعادة تشكيله” بحيث يتماشى بشكل أكبر مع اللعب الطبيعي، يتبع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد مسارات نمو مختلفة ويتفاعلون مع العالم بشكل مختلف سواء على المستوى الاجتماعي أو على المستوى الحسي، لذا فمن المتوقع أن يستمتع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في أشكال اللعب التي تناسب بشكل أفضل احتياجاتنا العصبية، ولا يوجد أي دليل على الإطلاق يمكنني أن أجده على أن عدم اللعب ضمن معيار طبيعي محدد وضيق للغاية للعب يضر التطور الطبيعي، والواقع أن العكس قد يكون صحيحاً فمن المعروف جيداً أن اللعب الحر مهم لنمو الأطفال ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا لا ينطبق أيضاً على الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يلعب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بشكل مختلف لأن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لديهم احتياجات ادراكية مختلفة، وبالتالي فإن أسلوب اللعب المختلف يقدم المدخلات والخبرات المختلفة اللازمة لأدمغة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، إن أسلوب اللعب الحر لدى العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يمثل احتياجاتنا المختلفة ولا ينبغي التدخل فيه، ومن الممكن أيضًا أن يكون أسلوب لعبنا طريقة للتعامل تلقائيًا مع عالم صاخب ومربك وغير منظم لا يلبي احتياجاتنا، وبالتالي فإن التدخل في أسلوب لعبنا أو محاولة تغييره قد يعني أيضًا محاولة التخلص من طريقة مهمة للتعامل.
إن العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يتعرضون لمعاملة شديدة القسوة و التحليل المفرط و مقارنتهم بمعايير “الوضع الطبيعي” التي لا يستطيع معظم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أن يصلوا إليها، ويخبرهم الأخصائين بأن كل ما يفعلونه بشكل طبيعي خاطئ، وأنهم “يصححون” طرق لعبهم ويراقبون وقت لعبهم (لأن عدم إظهار الاهتمام الكافي بلعبة ما “سيئ” على ما يبدو، وايضًا إظهار الاهتمام الزائد بلعبة ما “سيئ”)، ويخضعون لمجموعة من التدخلات المكثفة حيث تُبذل كل محاولة لجعلهم يتظاهرون ويفعلون نشاطًا معينًا باستخدام لعبة معينة في كل مرة لأن هذه هي الطريقة “المفترض” أن تتم بها الأمور، وأي طريقة أخرى ليست مناسبة، بصراحة لا ألوم الآباء الذين وضعوا أطفالهم في هذا الموقف في البداية لأن هذا النموذج من “التدخل المبكر” يتم فرضه بشدة على العديد من الآباء الخائفين والمربكين من قبل “متخصصين” ظاهريًا يخبرونهم أن هذا هو الأفضل لأطفالهم، ولكن هذا هو السبب وراء وجودي هنا، لتقديم الرواية المعاكسة بأن اللعب الطبيعي عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو اللعب المناسب، ولا يوجد أساس للقول بأن مجرد كونه مختلفًا يعني أنه “غير مناسب”، أيها الآباء يرجى السماح لأطفالكم ذوي اضطراب طيف التوحد بقضاء وقت للعب الحر حقًا حيث يُسمح لهم باللعب واستكشاف العوالم وفقًا للشروط التي تم تحديدها من قبل الأعصاب الخاصة بهم، إن محاولة فرض نموذج نمطي طبيعي للعب لن يؤدي إلا إلى إحباط أطفالكم وإجهادهم على المدى القصير وربما يحرمهم حتى من احتياجاتهم النمائية الضرورية على المدى الطويل، إذا كان اللعب آمنًا ويستمتع به الأطفال فهو مناسب، اللعب عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو اللعب المناسب.
و كإضافة أخيرة، أود أن أضيف أن مجرد عدم مشاركة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في “اللعب التخيلي” الطبيعي لا يعني أنهم يفتقرون إلى الخيال أو انهم لا يستخدمون خيالهم، فـ الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ليسوا ببساطة نسخ “متعطلة” من الأطفال غير المشخصين باضطراب طيف التوحد، فنحن لدينا أعصاب مختلفة ونرى العالم بطرق مختلفة تمامًا، غالبًا ما يُستنتج خطأً أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يفتقرون إلى الخيال لأن الطريقة التي يلعبون بها لا يُنظر إليها على أنها خيالية، لكن هذا يفشل في تفسير حقيقة أن ما قد يراه الأطفال ليس نفس ما يراه الأطفال غير المشخصين باضطراب طيف التوحد، من المهم التفكير من منظور اضطراب طيف التوحد بدلاً من التفسير من خلال عدسة غير مشخصة باضطراب طيف التوحد لفهم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بشكل حقيقي ودعمهم على أفضل وجه.
المرجع:
https://speakingofautismcom.wordpress.com/2020/06/17/autistic-play-is-appropriate-play/