أنماط أسر الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد في رحلة التدخل
بقلم الأستاذ: محمد الغامدي, BCABA
أنماط أسر الأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد
لا نميل دائمًا إلى وضع تصنيفات وقوالب، ولكن في الحقيقة (من زاوية مختص) الأنماط تتكرر، وهي منطقية وبديهية في حد ذاتها عندما نتمعّن في قراءتها.
إذا كنت مختص، قد يفيدك هذا التفصيل في معرفة نوعية الأسرة التي تتعامل معها، معرفتك لنوعية الأسرة التي تتعامل معها سيُساعدك على قدر المستطاع في تلبية احتياجاتهم.
إذا كنت فرد من أسر ذوي اضطراب طيف التوحد، ربما هذا التصنيف سيُساعدك على مواجهة نفسك، والتحدث معها بكل صدق، وفهم الأسباب التي تستدعي وجودك في نمطٍ ما، هل هي أسباب منطقية؟ هل تستطيع تغييرها؟
تم تقسيم الأنماط الأربعة التالية حسب مشاركة الأسر في عملية التدخل أم لا، وأساليبهم في المشاركة في عملية التدخل، فمن هذا المنطلق بإمكاننا أن نقول أن هناك أربعة أنماط أساسية، وهي:
- الأسرة التي تشارك في عملية التدخل، ومتقبلة.
- الأسرة التي لا تشارك في عملية التدخل، ومتقبلة
- الأسرة التي تشارك في عملية التدخل، غير متقبلة
- الأسرة التي لا تشارك في عملية التدخل، غير متقبلة.
لكل نمط خصائص، واحتياجات، يجب أن تُفهم وتُلبى على قدر الاستطاعة، حتى لا يتم قطع العلاقة بين مقدم الخدمة والأسرة ذاتها، ومع ذلك لا نقول أن قطع العلاقة هو أمر سلبي بحد ذاته، ولكن قد يستفيد الفرد (متلقي الخدمة) أو قد يكون في طريقه للاستفادة، ولكن قطع الخدمة عليه بشكل مفاجئ يضيع من وقته، ولا يُعد أمرًا مُثمرًا بحد ذاته. ولذلك سنبحر في الحديث قليلًا عن هذه الأنماط.
النمط الأول: الأسرة المشاركة، والمتقبلة.
وهي الأسرة التي تشارك في التدخل العلاجي، والخطة، والأهداف، ولا تغيب عنه، وفي ذات الوقت هي متقبلة للخدمة التي تُقدم لها فيما يخص الخطة والأهداف ومقدم الخدمة ذاته. بالطبع هذا النمط يُعد من أفضل الأنماط بالنسبة للفرد المشخص باضطراب طيف التوحد أو الاضطرابات النمائية الأخرى ذات الصلة، حيث أنه بالعادة ستكون أسرته والأخصائي على نفس الصفحة منذُ البداية، ويسيرون مع بعض يدًا بيد في هذه الرحلة، من خصائص هذه الأسرة هي المشاركة المتقبلة والمستمرة تجاه طفلهم، وكذلك الاستفسار بشكل مستمر عن المواقف التي تواجهها، عن طريق محادثة الأخصائي، تصوير الفيديوهات… إلى آخره.
النمط الثاني: الأسرة غير المشاركة، والمتقبلة.
وهي الأسرة التي لا تشارك في عملية التدخل، وإن شاركت قد تكون نوعية المشاركة محدودة، ولكنها متقبلة للخدمة المقدمة لفردهم. السؤال هنا، ما الذي يجعل أسرة متقبلة لطفلها، وموقفها إيجابي إتجاهه، وإتجاه عملية التدخل، وإتجاه الإخصائي، ومع ذلك تدخلهم يكون محدود للغاية في عملية التدخل؟ هناك عدة احتمالات واردة سنقوم بسردها:
الاحتمال الأول: حالة الفرد لا تستدعي التدخل بسبب تحسنه.
وقد يكون هذا احتمال وارد للغاية، حيث أنه لا توجد تفاصيل دقيقة تستدعي الانتباه من قبل الأسرة، خصوصًا لو حالة الفرد كانت مستقلة، في مدرسته على سبيل المثال، أو في عمله، أو في جلسات السلوك أو التخاطب التي يتلقاها، حيث أن التحسن والتطور بالنسبة إليهم يسير بوتيرة هم متقبلين لها.
الاحتمال الثاني: حالة الفرد لا تستدعي التدخل بسبب تقبّل الأسرة لحالته.
وقد يكون هذا الاحتمال واقعي بالنسبة للعديد من الأسر الذين تقبلوا حالة فردهم، وتقبلوا أن الجوانب الأساسية التي كانوا يأملون في تغييرها هي في الأساس صعبة أو مستحيلة التغيير، ولذلك استقروا على أن فردهم يستقبل الخدمات، ولكن هذه الخدمات قد لا تؤدي إلى شيء جديد بالنسبة إليهم، ومع ذلك لا يميلون إلى إيقاف هذه الخدمات، خوفًا من الانتكاسة، أو بسبب عدم وجود مكان آخر يثقون فيه ليرسلون الفرد إليه.
النمط الثالث: الأسرة غير المشاركة، وغير المتقبلة.
وهي الأسرة التي لا تشارك في عملية التدخل، أو صنع القرار، أو اختيار الأهداف أو الخطة السلوكية، وفي ذات الوقت هي غير متقبلة للخدمة المقدمة لفردها، وهناك أشكال عدة لعدم القبول ومنها:
- عدم تقبل الأسرة للفريق.
- عدم تقبل الأسرة لفردهم.
- عدم تقبل الأسرة للأخصائي المسؤول عن الحالة.
- عدم تقبل الأسرة للتدخل المستخدم.
هذا النوع من الأسر قد يميل في أحيان كثيرة إلى مفاجأة مقدمين الخدمة، في مواقف متعددة، يكون السبب هو لأن الأسرة لم تكن تشارك في عملية التدخل أو عملية القرار، ولكن قد تخرج هذه الأسرة من صمتها لتبين المدى الذي وصل إليه وهو لعدم تقبلها للوضع الراهن، وهذا ما يجعل المختص يسأل السؤال التالي:”منذ متى كان لديهم هذا الشعور؟ ولماذا لم يشاركونه؟”.
بالعادة يواجه المختصين صعوبة في مساعدة هذا النوع من الأسر، والسبب يعود إلى غيابهم، وعدم وجود القدرة على التواصل، قد يطلب المختص الاجتماعات مع الأسرة، ولكن قد يكون الرد هو التأجيل، وقد تستمر الأسرة في التأجيل المستمر إلى أن يُطفأ سلوك الإخصائي ويتوقف عن المحاولة. وبعد مدة تفاجئه الأسرة مرة أخرى إما برسالة صوتية أو برسالة كتابية في دفتر التواصل أم في إيميل رسمي أو عن طريق الواتس اب، مفاد هذه الرسالة بأنهم غير متقبلين للوضع تمامًا. يُريد الإخصائي تحسين هذا الوضع وأن يصل إليهم ليحولهم من أسرة “غير مشاركة وغير متقبلة” إلى أسرة “مشاركة ومتقبلة” أو على أقل تقدير “أسرة غير مشاركة ولكن متقبلة” ولكن قد يجد صعوبة بالغة في ذلك، وإن حدث وحقق مبتغاه ونجح في الاجتماع معهم ليُنصت إليهم ويُلبي طلباتهم، قد يعودون مرة أخرى بعد ذلك إلى الغياب، والكثير من الأخصائيين يستشعرون هذا النوع من الغياب، الغياب المشحون والذي يستمر بالشحن حتى يحدث الانفجار القادم.
ليس هناك تدخل واضح بإمكاننا أن نقدمه للأخصائي فيما يخص هذه الأسرة، غير أن نقول له حاول أن تتوقع هذا الانفجار وأن تتقبله، وأن تسعى جاهدًا لتحويلهم إلى أسرة مشاركة. وبالنسبة للأسرة التي لا تشارك ولا تتقبل، نقول بأن التواصل هو أنفع التدخلات في هذا الموقف، التواصل الصادق، قد تميل الأسرة إلى عدم التواصل في أحيان كثيرة، ربما لأنها تشعر بأنه سيتم الاستخفاف بمشاعرها أو بأفكارها، أو بسبب أنه تظن بأنه سيتم مواجهتها بعدم الصدق وعدم الأمانة، يجب على الأسر أن تتحدث عن هذه الأمور ولا تكبتها.
النمط الرابع: الأسرة المشاركة، وغير المتقبلة.
الأسرة التي تشارك في عملية التدخل، وفي ذات الوقت غير متقبلة له. هناك العديد من التعقيدات في هذا الموقف، بالنسبة للأخصائيين قد يشعرون بالضغط اتجاه هذا النوع من الأسر، ويعود هذا الشعور بالضغط لعدة أسباب ومنها:
- بسبب عدم تقبل الأسرة لخطط الأهداف ومحاولة تغييرها.
- بسبب عدم تقبل الأسرة لخطط السلوك، ومحاولة تغييرها.
- بسبب عدم تقبل الأسرة للبيئة ومحاولة تغييرها.
لا بد أن يعي الأخصائي بأن الأسرة هي الوصي القانوني على الفرد وليس هو، وإن قامت الأسرة على سبيل المثال باقتراح هدفٍ ما، غير مناسب من وجهة نظر الأخصائي، عليه بكل بساطة بأن يوضح لهم مخاوفه وقلقه اتجاه هذا الهدف، على سبيل المثال بكلمات مثل: هذا الهدف ممتاز بحد ذاته ولكن قد لا يكون هذا هو التوقيت المناسب لتدريب الفرد عليه.
يكون علاج هذا الموقف بالعادة هو بإشراك الأسرة في عملية التدخل بشكل أقوى، وليس بمقاومتها، مقاومة الأسرة في موقف كهذا سيكون صعب، من الجيد بأن يتم الاقتراح على الأسرة دورة في تصميم الأهداف، دورة في التقييمات، وكذلك إشراك الأسرة في عملية التقييم، في عملية تسجيل خط الأساس على الأهداف المقترحة، وكذلك دمجهم في عملية التدريب على هذه الأهداف. الأسرة مع الوقت قد تستشعر المخاوف التي كان ينبهها الأخصائيين عليها، وقد لا تستشعر ذلك، ولكن مقاومتهم لن تفيد، على عكس ذلك حيث أن إشراكهم في عملية التدخل سيفيدهم أكثر. ومع كثرة المشاركة قد يحدث أن يظهر القبول، قد تلاحظ الأسرة مع الوقت أن العملية هي عملية تعاون وليس تنافس.
في النهاية، نريد أن نذّكر الأخصائيين بأن عملية التدخل قد تكون صعبة بسبب عدم وجود القدرة على التعميم، والتعامل مع أسرة غير مشاركة، لا ينبئنا بأن التعميم قريب، ولذلك ممارسة بعض التذكير من فترة لأخرى مع أسرة غير مشاركة، هو أمر حميد.
ونريد أن نذكّر الأسرة كذلك بأن الأخصائيين قد لا يكتمل عملهم دون مشاركتكم، ودون توجيهكم، وفي حالة كان هناك عدم تقبل اتجاه أي شيء يتعلق بمقدم الخدمة أو بنوع الخدمة التي يقدمها، يجب أن تختار الأسرة، إما بأن تشارك هذا الشيء، أو بأن تبذل ما بوسعها بأن تجعله لا يؤثر على قراراتها.