الأعراض المبكرة لاضطراب صعوبات التعلم
ترجمة: أ. شروق السبيعي
حاولت ابنتي البالغة من العمر أربع سنوات كتابة رقم خمسة فهي تريد أن تصنع بطاقة معايدة لصديقتها، فتقول: “لا، هذا ليس صحيحاً…” وتتذمر بخطوطها المتعرجة على الصفحة، وفي المحاولة السادسة يسيطر عليها شعور الإحباط، فتصرخ قائلة: “لا أستطيع أن أفعل هذا!”، وتلقي بقلمها على الأرض “رقم خمسة صعب للغاية!”
هذا الأمر غير معتاد بالنسبة لطفلة في مرحلة ما قبل المدرسة بدأت للتو في تعلم الأرقام والحروف (ولا تزال تسقط على الأرض أحيانًا من الضيق إذا انقطعت الموزة إلى نصفين عن طريق الخطأ) ولكن لا يسعني إلا الشعور بقليل من القلق.
عندما كنت طفلة، كنت اواجه صعوبة في الكتابة وصعوبة في الحساب، وعندما رأيت ابنتي تعاني، تساءلت كيف سأعرف ما إذا كان لديها اضطراب صعوبات التعلم، عندما يواجه الأطفال من مشاكل في التعلم، يمكن أن يكون التدخل المبكر مفيدًا للغاية، ولكن كيف يمكن للآباء معرفة ما إذا كان عليهم القلق، ومتى؟
ما هو اضطراب صعوبات التعلم؟
يتم تشخيص اضطراب صعوبات التعلم عندما يواجه الأطفال مشكلة كبيرة في مهارة أكاديمية معينة أو مادة معينة، مثل: الرياضيات أو القراءة، يتم تعريف اضطراب صعوبات التعلم من خلال الفجوة بين ما هو متوقع من الناحية النمائية أن يكونون الاطفال قادرين على القيام به وما هو بالفعل قادرين عليه، على سبيل المثال: الطفل الذي لا يواجه أي مشكلة في مواكبة أقرانه في أماكن أخرى ولكنه متأخر كثيرًا في القراءة.
على الرغم من أن بعض الاضطرابات، مثل: اضطراب طيف التوحد، يمكن تشخيصه وغالبًا ما يتم تشخيصه أثناء مرحلة ما قبل المدرسة والسنوات الدراسية المبكرة للأطفال، ولكن اضطراب صعوبات التعلم لا يصبح واضح عادةً إلا عندما يكبرون الأطفال قليلاً، عندما تتاح لهم فرصة التعليم الرسمي.
يرجع هذا جزئيًا إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتعليم المبكر، تتطور مهارات الأطفال بسرعة مختلفة، فالطفل الذي يبدو متأخرًا عن أقرانه في تكوين الحروف أو قراءة الكلمات القصيرة قد يحتاج فقط إلى القليل من الوقت للحاق بأقرانه، إن بعض الأطفال متقدمون قليلاً أو متأخرون عن الأطفال الآخرين، ومثل البالغين يكون لدى الأطفال المختلفين نقاط قوة ونقاط ضعف مختلفة، قد يتفوق طفل واحد في العد ولكنه يواجه صعوبة في كتابة اسمه، بينما قد يقرأ طفل آخر الكلمات الأساسية في وقت مبكر ولكنه يواجه صعوبة في الأرقام، ومع تطورهم ونضجهم تتساوى قدراتهم عادةً.
ومع ذلك، هذه الصعوبات الموجودة عند بعض الأطفال في التعليم المبكر قد تشير إلى صعوبات أكاديمية مستقبلية، ورغم أن الأطفال قد يكونون صغارًا جدًا بحيث لا يمكن تشخيصهم رسميًا في مرحلة ما قبل المدرسة ومرحلة الروضة المبكرة، فإن الدعم والتدخل المبكر إذا لزم الأمر يمكن أن يكون لهما فوائد كبيرة، تشرح الدكتورة داريانه بادالي، أخصائية علم النفس العصبي السريري في معهد تشايلد مايند، أن هناك بعض الأعراض التي يمكن للآباء الانتباه لها خلال سنوات التعليم المبكر لدى الأطفال.
الأعراض المبكرة لاضطراب صعوبات التعلم
توضح الدكتورة بادالي: “عند الأطفال الأصغر سنًا، لا يظهر عليهم صعوبات في التعلم كما هو الحال بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، لأن المهام المطلوبة منهم قليلة للغاية، ومع ذلك هناك بعض المشاكل المحددة التي قد تشير إلى أن الأطفال يواجهون صعوبة من بعض المهارات المبكرة المحددة.”
التحكم في المهارات الحركية الدقيقة: “قد تظهر مشاكل التحكم في المهارات الحركية الدقيقة في وقت مبكر، قد تجد الأطفال يكافحون من أجل تعلم كيفية مسك قلم التلوين بشكل صحيح، أو يواجهون صعوبة في استخدام الأدوات أو يتجنبون حتى التلوين أو رسم الأشكال لأن ذلك صعب عليهم جسديًا” كما تقول الدكتورة بادالي “إن اكتشاف هذه المشاكل في وقت مبكر يمنح الآباء الفرصة بطلب الدعم مثل: العلاج الوظيفي لتعزيز هذه المهارات حتى لا تصبح عائقًا أمام التعلم لاحقًا”.
مشاكل اللغة: يمكن أن تكون مشكلة فهم اللغة أو استخدامها علامة على أن الأطفال قد يتم تشخيصهم باضطراب صعوبات التعلم اللفظي، تقول الدكتورة بادالي: “هناك وظائف مختلفة للغة يمكن أن تتأثر”، يمكن أن يواجه الأطفال من مشاكل في اللغة الاستقبالية، مما يعني أنهم يجدون صعوبة في فهم الكلمات التي يسمعونها أو يقرؤونها، أو قد يواجهون صعوبة في اللغة التعبيرية، مشكلة في استخدام الكلمات للتعبير عن أنفسهم، يمكن أن يواجه الأطفال أيضًا من مشاكل في كليهما، تقول: “إذا كانوا الأطفال يواجهون من مشكلة في فهم اللغة المنطوقة أو التعبير عن أنفسهم فقد يكون التدخل مفيدًا”.
مهارات القراءة المبكرة: على الرغم من أن معظم الأطفال بالكاد يقرؤون الكلمات الأساسية خلال سنوات ما قبل المدرسة، إلا أنهم يبنون المهارات التي تشكل اللبنات الأساسية للقراءة بطرق أخرى، تقول الدكتورة بادالي: “هناك الكثير من الألعاب بالأصوات مثل: ألعاب التناغم أو مطابقة الكلمات والأصوات، خلال هذا الوقت، إذا كانوا الاطفال يواجهون صعوبة حقًا في التقاط الأصوات أو لا يفهمون القافلة، فيجب ملاحظتهم عن قرب”.
المهارات الحسابية: كما تقول الدكتورة بادالي “عندما يبدأ الأطفال في تعلم العد، إذا لم تكن الأرقام سهلة بالنسبة لهم أو يبدو عليهم لا يفهمون أساسيات العد، مثل: ترتيب الأشياء، فقد يكون هذا أمرًا يستحق المتابعة، وتوضح أيضًا أن المشاكل المتعلقة بالأرقام قد تصبح واضحة بشكل خاص في الصف الأول: “إذا لم يكن الطفل بحلول نهاية الصف الأول مدركًا حقًا للمفهوم الأساسي للجمع، فسيكون هذا بالتأكيد مسببًا للقلق”.
المؤشرات السلوكية: إذا لاحظتم أطفالكم يشعرون بالإحباط أو الإنزعاج بشكل متكرر أثناء قيامهم بنشاط معين، مثل: رسم الأشكال أو بناء المكعبات، فقد يكون ذلك إشارة على أن المهارات المطلوبة لهذا النوع من التعلم تشكل صعوبة بالنسبة لهم، تقول الدكتورة بادالي: “إذا كان هناك شيء لا يرغب الأطفال بالقيام به أو ينزعجون بشدة عندما يُطلب منهم القيام به، فربما يكون ذلك لأنه صعب”، وتقول إن السؤال يصبح: لماذا يكون الأمر صعبًا؟ “هل لأنهم لم يتعلموا هذه المهارة؟ أم لأن الأطفال يواجهون صعوبة في التركيز، أو لأن المهمة نفسها صعبة؟”
أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه: هناك إشارة سلوكية آخرى يستحق النظر فيها خلال السنوات المبكرة وهي أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، رغم أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يُعتبر اضطرابًا سلوكيًا، إلا أنه يؤثر بشكل كبير على كيفية تعلم الأطفال، كما يكون لدى العديد من الأطفال ذوي اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه اضطراب صعوبات التعلم أيضًا، كما تلاحظ الدكتور بادالي “بالرغم أنه من المحتمل لن نقوم بتشخيص مثلاً اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ولكن في مرحلة ما قبل المدرسة إذا كان لديكم أطفال يقفزون على الجدران ولا يستطيعون الجلوس ساكنين، بعد موافقتكم قد ينتهي الأمر بهؤلاء الأطفال إلى تشخيصهم باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وقد يستفيدون من التدخل السلوكي
ما يمكن على الآباء فعله
بالنسبة للأطفال الذين يواجهون صعوبات في التحكم في الحركات الدقيقة، أو اللغة الاستقبالية أو التعبيرية، يحصلون على مساعدة مخصصة.
- الأطفال حتى الأطفال الصغار جدًا الذين يواجهون من مشاكل في الحركة الدقيقة، قد يستفيدون من أخصائي علاج وظيفي، يمكن لأخصائي العلاج الوظيفي العمل مع الأطفال لتحسين قدرتهم على المسك وتقوية العضلات وتنسيق حركة اليد والعين ومساعدة الأطفال على بناء مهاراتهم الاجتماعية وتنظيم الذات.
- إذا لاحظتم أن أطفالكم يواجهون من مشاكل في الكلام أو اللغة، أو تأخر في الكلام، حددو موعدًا مع الطبيب الخاص بهم، قد يطلب طبيب أطفالكم إجراء اختبار سمع وفحص حلق أطفالكم وردود أفعالهم لاستبعاد أي أسباب أخرى قبل اقتراح الخطوات التالية، إذا يبدو أن التدخل المبكر ضروري، فقد تتم إحالة أطفالكم إلى أخصائي أمراض النطق واللغة (SLP) والذي سيساعدهم في العمل على التواصل.
يمكن أيضًا أن تكون مشاكل اللغة والحركة من أعراض اضطراب طيف التوحد (خاصة عندما تتواجد الصعوبات الاجتماعية مع هذه المشاكل) ، والذي على عكس اضطراب صعوبات التعلم، “يمكن أن يكون تشخيصهم بدقة أثناء الطفولة المبكرة”، كما تقول الدكتور بادالي “ويمكن أن يكون الاكتشاف والتدخل المبكر مفيدًا للغاية”، إذا لاحظتم على أطفالكم انتم أو معلم أطفالكم أو الطبيب الخاص بهم بعض الأعراض المبكرة لاضطراب طيف التوحد، فقوموا بتحديد موعدًا لـ تشخيصهم من قبل متخصص.
ما يمكن على الآباء فعله في المنزل
إن مساعدة أطفالكم على التعلم خارج الفصل الدراسي أمر أساسي، إن الأنشطة البسيطة مثل: القراءة أو العد أو الرسم معًا، يمكن أن تساعد الأطفال على ممارسة المهارات في بيئة التوتر فيها منخفض، تقول الدكتورة بادالي: “إن تخصيص الوقت لبناء متعة القراءة من خلال السماح لأطفالكم باختيار الكتب التي تقرؤونها معًا يمكن أن يساعد، أو حتى مجرد مساعدتهم على التعود على فهم الكتاب، هنا العنوان، هنا القصة”، وأيضًا “ممارسة الرياضيات تكون بسيطة مثل: عد التفاح أثناء صنع الفطيرة معًا”.
وتوضح الدكتورة أن الهدف من ذلك هو جعل التعلم يبدو طبيعي أكثر وأقل صعوبة، “كل الممارسات جيدة”، لكنها تنبه أن الآباء يجب أن يكونوا حذرين حتى لا يرهقون أطفالهم، “إنكم تريدون حقًا التعامل مع التعلم بطريقة ممتعة وحماسية بدلاً من أن يكون عمل، وهو ما قد يأتي بنتائج عكسية ويجعل الأطفال يشعرون بأنهم أقل تفاعل وليس أكثر”.
تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال
قد تؤدي الاختلافات في التعلم إلى تدمير ثقة الأطفال بأنفسهم، إذا كنتم تشكون في أن أطفالكم يواجهون من صعوبات في المدرسة، فإن تعزيز ثقتهم بأنفسهم قد يكون بمثابة مساعدة كبيرة سواء تم تشخيصهم باضطراب صعوبات التعلم أو لا.
المرجع:
https://childmind.org/article/early-signs-of-learning-challenges/