الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

جذع الدماغ له علاقة باضطراب طيف التوحد

جذع الدماغ له علاقة باضطراب طيف التوحد

جذع الدماغ له علاقة باضطراب طيف التوحد

ترجمة: أ. شروق السبيعي

يتحكم جذع الدماغ بالوظائف المختلفة مثل: التنفس والإحساس والنوم – والتي يمكن أن تتغير جميعها في اضطراب طيف التوحد.

يواجه بعض الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من صعوبة في تنسيق حركاتهم ويواجه البعض الآخر من اضطرابات حسية، حيث تبدو الأصوات اليومية عالية بشكل لا يطاق، ويواجه البعض الآخر من معدل ضربات قلب غير طبيعية أو دورات نوم مضطربة وترتبط كل هذه السمات المتباينة ظاهريًا بمنطقة صغيرة تسمى بجذع الدماغ.

يعد جذع الدماغ أحد أول مناطق الدماغ التي تتشكل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وهي فترة زمنية يُعتقد أنها حاسمة في ظهور اضطراب طيف التوحد، تقع منطقة جذع الدماغ بين الدماغ والحبل الشوكي، ويعمل كمركز نقل للمعلومات الحركية والحسية وينسق الجهاز العصبي اللاإرادي والذي يتحكم بالوظائف اللاواعية الحيوية مثل التنفس والنبض والنوم، يعمل جذع الدماغ أيضًا كمركز يربط بين مجموعة متنوعة من مناطق الدماغ الأخرى المتضمنة في اضطراب طيف التوحد.

يقول روجر جو ، محاضر علم النفس السريري في جامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت: “إذا اعتقدنا أن (اضطراب طيف التوحد) هو حالة من الاتصال غير الطبيعي، فإن المنطقة التي تتجمع فيها العديد من الاتصالات أو تنتقل من خلالها فقد نرى فيها بعض التشوهات.

وعلى الرغم من هذا المنطق، فإن العديد من الباحثين كانوا متشككين في البحث عن تفسيرات لاضطراب طيف التوحد في سطح القشرة الدماغية، وهي منطقة في الدماغ التي تنظم العمليات المعرفية المعقدة، كما يقول جوناثان ديلفيلد-بات، مدير مختبر الابتكار في اضطراب طيف التوحد في جامعة ستراثكلايد في اسكتلندا.

ويقول: “لقد ركز علم الأعصاب على القشرة الدماغية ووظائفها، كما تم إجراء قدر هائل من العمل على المخيخ أيضًا، ويضيع جذع الدماغ في المنتصف”.

ويعد جو وديلفيلد بات من بين مجموعة صغيرة من الباحثين في مجال اضطراب طيف التوحد الذين يحققون فيما إذا كان تطور الاضطرابات في جذع الدماغ يمكن أن يؤدي إلى تشوش الروابط المهمة وتسببها، أو على الأقل تساهم في ظهور بعض سلوكيات اضطراب طيف التوحد.

إن اختبار هذه النظرية أمر صعب لأن حجم جذع الدماغ الصغير وموقعه في آخر الرأس يجعل دراسته أمرًا صعبًا، لكن التحسينات في استراتيجيات التصوير والبرمجيات تمنح الباحثين لمحات أكثر عن المنطقة، إضافة إلى ارتباطها باضطراب طيف التوحد، تكشف الدراسات عن وجود اضطرابات في الوظائف الجسدية التي يتحكم فيها جذع الدماغ مثل: معدل ضربات القلب والتنفس ودورة النوم والاستيقاظ لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.

صور غير واضحة :

إن النظريات حول دور جذع الدماغ في اضطراب طيف التوحد ليست جديدة، ففي أوائل ستينيات القرن العشرين، افترض الباحث برنارد ريملاند في الولايات المتحدة أن جزءًا من جذع الدماغ الذي يقوم بتصفية الإدراك الحسي يشارك في بعض السمات السلوكية لاضطراب طيف التوحد، مثل: الحساسيات الحسية، وكانت هذه أول نظرية قائمة على الدماغ حول سبب اضطراب طيف التوحد، لكن ريملاند لم يختبرها قط وسرعان ما تم نسيانها، (أثار ريملاند الجدل لاحقًا من خلال الترويج لنظرية اللقاح في اضطراب طيف التوحد والعلاجات مثل: العلاج بالاستخلاب، والعلاجات والتي لا تدعمها الأدلة).

في الثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أشارت نحو اثنتي عشرة دراسة أجريت على أنسجة المخ بعد الوفاة والتصوير المقطعي إلى وجود تشوهات هيكلية في جذع الدماغ لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، لكن التشوهات التي وصفتها الدراسات اختلفت وكانت متناقضة في بعض الأحيان.

تقول بريتاني ترافيرز، الأستاذة المساعدة في علم الحركة بجامعة ويسكونسن ماديسون، إن بعض التناقضات ربما نشأت جزئيًا على الأقل بسبب جذع الدماغ يصعب التقاطه في صور الدماغ، فهو محاط بالأوعية الدموية الرئيسية والسائل النخاعي، و يكونون في حركة مستمرة بسبب التنفس والدورة الدموية مما يسبب “تشوش” في الصور، كما أن المنطقة صغيرة جدًا بحيث تكون هناك حاجة إلى عمليات مسح طويلة للكشف عن أي تفاصيل، وتحتوي على أنواع متعددة من الأنسجة المختلطة معًا في تنظيم مكثف ومعقد، علاوة على ذلك، تقول ترافيرز: “لم يكن أحد يهدف على وجه التحديد إلى تصوير جذع الدماغ لفترة طويلة”، لذلك غالبًا ما كانت برامج المسح تشوه المنطقة، وتقطعها عند الحافة أو تشوه شكلها.

ومع ذلك، بدأت العديد من الدراسات المنشورة على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك في التركيز على جذع الدماغ وتشير إلى أن حجمه أو مساره النمائي يتغير عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، أفاد فريق بحثي العام الماضي أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين في سن ما قبل المدرسة قد يكون لديهم جذع دماغي متضخم، وأيضًا خاصة الأطفال ذوي الإعاقة العقلية، في مرحلة الطفولة المتأخرة بين سن 8 و 12 عامًا قد يظهر عليهم نمط مختلف، يكون لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد جذع الدماغ أصغر من أقرانهم الطبيعيين، على الرغم من أن جذع الدماغ لديهم ينمو بحلول سن 15 عامًا، وفقًا لدراستين نشرت في عامي 2009 و 2013.

غالبًا ما تتوافق هذه التغيرات في الحجم مع شدة سمات اضطراب طيف التوحد، أظهرت دراسة أجريت عام 2009 أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد في مرحلة ما قبل المراهقة والذين لديهم جذع دماغي غير المعتاد يكون لديهم أيضًا مزيد من الحساسية الحسية تتعلق بتذوق الطعام والملمس، وبشكل عام الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين لديهم جذع دماغ صغير تظهر لديهم سمات اضطراب طيف التوحد واضحة أكثر، وفقًا لبيانات غير منشورة جمعتها ترافيرز.

قد تتغير المادة البيضاء في جذع الدماغ – الألياف العصبية التي تربط مناطق الدماغ – بين الأطفال والشباب من ذوي اضطراب طيف التوحد، فإن أولئك الذين لديهم مادة بيضاء أكثر سوءًا في جذع الدماغ تظهر لديهم أيضًا سمات اضطراب طيف التوحد أكثر حدة وقوية والسيطرة ضعيفة، مما يشير إلى وجود صلة بين جذع الدماغ ومشاكل الحركة في اضطراب طيف التوحد، تشير أدلة أخرى إلى أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد لديهم مادة بيضاء قليلة في جذع الدماغ مقارنة بالأطفال العاديين، وهو ما يتوافق مع الأداء الضعيف في اختبارات المهارات الحركية.

الصوت والنوم :

إن الأدلة المؤكدة على تغير الوظائف الجسدية الأساسية والتلقائية لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد تسلط الضوء أيضًا على جذع الدماغ الذي يتحكم في هذه العمليات، على سبيل المثال: تشير عدد من الدراسات إلى أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وأقرانهم الطبيعيين لديهم أشكال مختلفة في معدل ضربات القلب، وقد يعكس تباين معدل ضربات القلب قدرة الأطفال على التعرف على الإشارات الاجتماعية، كما وجد ذلك احدى الفريق، وبالمثل تظهر دراسات متعددة أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يواجهون صعوبة في النوم والاستمرار في النوم، وتشير دراسة أجريت على الفئران إلى أن صعوبات التنفس التي تظهر لدى الأطفال ذوي متلازمة ريت، وهي حالة وراثية مرتبطة باضطراب طيف التوحد، قد تكون مرتبطة بمسارات مختلفة في جذع الدماغ.

يلعب جذع الدماغ دورًا في تنسيق الحركة، ويزعم بعض الباحثين أن خلل وظيفته قد يساهم في حدوث مشاكل حركية لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يظهر لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد تغيرات في حركات العين تسمى حركات العين السريعة، مما يشير إلى وجود مشاكل في دمج المعلومات الحسية والحركية في جذع الدماغ، ويظهر لديهم تسارع وتباطؤًا غير طبيعيين عندما يؤدون حركات بسيطة، مثل: تأرجح اليد ذهابًا وإيابًا، يشير هذا إلى الاختلاف في جزء من جذع الدماغ يسمى الزيتونية السفلى، والذي يدمج التوقيت الفرعي للحركات.

إن جزءاً آخر من جذع الدماغ يسمى الأكيمة العلوية، وهو يلعب دوراً رئيسياً في الانتباه البصري، فهو يتلقى المعلومات من شبكية العين وينظم الانتباه إلى الوجوه والحركة الطبيعية وردود الأفعال تجاه المحفزات العاطفية، ويزعم بعض الباحثين أن تعطيل هذا الجزء قد يكون سبباً في ظهور الصعوبات في أداء هذه الوظائف لدى أطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.

بالإضافة إلى ذلك، يساهم جذع الدماغ في معالجة الأصوات، فقد أظهرت دراسات متعددة على مدى العقود الخمسة الماضية أن استجابة جذع الدماغ للصوت تميل إلى أن تكون أصغر وأبطأ عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، أو عند الرضع الذين تم تشخيصهم لاحقًا بهذه الحالة، ونتيجة لذلك يقول راندي كوليزا مدير التشريح في كلية ليك إيري للطب العظمي في إيري، بنسلفانيا، “قد تستغرق معالجة أصوات الكلام وقتًا أطول، وقد يكون مسارها مختلفًا بعض الشيء عند طفل ذو اضطراب طيف التوحد”، ويقول إن هذا التأخير قد يساهم بدوره في ظهور صعوبات في التواصل.

كما وجد كوليزا وفريقه أن أدمغة أطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بعد الوفاة تحتوي على عدد أقل من الخلايا العصبية السمعية في جذع الدماغ، وخاصة في بنية تسمى النواة العلوية، مقارنة بالتحكم، وأفادوا في عام 2013 أن الاستجابة للصوت المعروفة باسم المنعكس السمعي والتي يتحكم فيها جذع الدماغ، تحدث بشكل أبطأ عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ويتم تحفيزها بمستويات منخفضة، يمكن أن يساهم هذا الاختلاف المنعكس في فرط الحساسية للأصوات، ويمكن استخدامه أو غيره من استجابات صوت جذع الدماغ لفحص الرضع لإستكشاف اضطراب طيف التوحد.

تشير هذه النتائج إلى أجزاء كثيرة من جذع الدماغ، ولكن أغلب دراسات التصوير لم تتناول سوى جذع الدماغ ككل حتى الآن، وتقول ديلفيلد-بات: “أعتقد أن أحد التحديات الرئيسية في الوقت الحالي هو تحديد الموقع الدقيق للاضطرابات في جذع الدماغ”.

وتتعاون ترافيرز مع متخصصين في التصوير في جامعة ويسكونسن لتطوير برامج تصوير جديدة لإلقاء نظرة أكثر تفصيلاً على الهياكل الأصغر داخل جذع الدماغ، وتقول ترافيرز : “آمل أن نكون في هذه النهضة لدراسة جذع الدماغ، ربما ننظر إلى الوراء بعد 5 أو 10 سنوات من الآن ونقول: “يا إلهي، لقد فتح جذع الدماغ الأبواب حقًا”.

المرجع: 

https://www.thetransmitter.org/spectrum/brains-center-of-automatic-body-functions-has-autism-links/