
التعلق عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد
ترجمة: أ. شروق السبيعي
يشكل عدد أقل من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد علاقات آمنة مقارنة بأقرانهم غير المشخصين به: حيث يُظهر 47-53% من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد علاقات آمنة، مقارنة بنحو 65% من الأطفال غير المشخصين به” (وليامز، 2020).
أنماط التعلق
وفقًا لنظرية التعلق، فإن أنماط التعلق لدينا تنشأ من التجارب المبكرة مع مقدمي الرعاية الأساسيين لنا، وهي الطريقة التي نكون بها أفكارنا الداخلية حول الذات والآخرين وعلاقتنا بهم. ومن ثم، تشكل هذه الأنماط نموذجًا للعلاقات المستقبلية وتعكس التأثيرات المحتملة للصعوبات العاطفية في مرحلة الطفولة على حالتنا النفسية والرفاهية في مرحلة البلوغ.
هناك أربعة تصنيفات لأنماط التعلق: التعلق الآمن، والتعلق المتذبذب، والتعلق التجنبي، والتعلق غير المنظم.
- التعلق الآمن:
الأطفال الذين يمتلكون نمط التعلق الآمن يستطيعون طلب الرعاية والراحة من مقدمي الرعاية دون وجود شكوك بشأن تلبية احتياجاتهم. وبفضل استجابة مقدمي الرعاية المستمرة لاحتياجاتهم، يكتسبون الثقة التي تنعكس في توقعاتهم من العلاقات الأخرى. (إليوت، بدون تاريخ).
- التعلق غير الآمن:
التعلق المتذبذب:
- يحاول الأطفال الذين لديهم تعلق متذبذب جذب انتباه مقدمي الرعاية لهم. وبسبب الاستجابات غير المنتظمة من مقدمي الرعاية لهم، فإنهم يعانون من انخفاض احترام الذات ويعتقدون أنهم لا يستحقون الاهتمام إلا إذا بذلوا جهدًا للحصول عليه (إليوت، بدون تاريخ).
التعلق التجنبي:
- يميل الأطفال الذين لديهم نمط تعلق تجنبي إلى دفع احتياجاتهم العاطفية بعيدًا، حيث تم تجاهل محاولاتهم السابقة للحصول على اهتمام من مقدمي الرعاية أو عدم الاستجابة لها. (إليوت، بدون تاريخ). وهذا يؤدي إلى خوف من الرفض أو الاعتقاد بأن احتياجاتهم غير مهمة، وقد يمتد هذا إلى علاقاتهم الأخرى، حيث يرفضون العاطفة والتفاعل من الأشخاص المقربين لهم.
تعلق غير منظم:
- الأطفال الذين يمتلكون نمط تعلق غير منظم يظهرون سلوكيات غير متسقة وغير نمطية. ويحدث ذلك نتيجة لوجود مقدمي رعاية لا يستجيبون لاحتياجاتهم مهما كانت محاولاتهم (إليوت، غير محدد). في كثير من الأحيان، يكونون مقدمي الرعاية هم أيضًا مصدر للضيق، مثل الوالد المسيء. ونتيجة لذلك، لا يتعلم الأطفال كيفية تنظيم مشاعرهم من خلال التفاعل مع الآخرين.
في الحالات الخطيرة، يمكن تشخيص المشاكل المتعلقة بالتعلق كاضطراب تعلق. عادة ما تتطور هذه الاضطرابات بعد صعوبات في العلاقات الشخصية المبكرة، مثل التجارب التي تتعلق بالإهمال أو الإساءة، والحصول على رعاية غير كافية، والتغيير المتكرر لمقدمي الرعاية (كامبرا، 2023؛ كوفلان، 2018؛ ميد، 2023). مثل هذه الحالات تخلق حالة من عدم اليقين التي تعرقل عملية التعلق وتؤدي إلى تراجع شعور الأطفال بالأمان في علاقاتهم.
يمكن أن تبدو اضطرابات التعلق مشابهة لاضطراب طيف التوحد، حيث تشترك في العديد من الأعراض نفسها. في الواقع، وجدت دراسة أن 67٪ من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يستوفون أيضًا المعايير التشخيصية لاضطراب التعلق (كامبرا، 2023). بعض الأمثلة على الأعراض المشتركة تشمل: (1) مشاكل في المهارات الاجتماعية والتواصل، (2) السلوكيات المتكررة والتحفيزية، و (3) صعوبات في تنظيم المشاعر (مشروع التعلق، 2023؛ ميد، 2023). الفرق الرئيسي هو أن اضطراب طيف التوحد هو حالة تستمر مدى الحياة، في حين أن أنماط التعلق يمكن أن تتغير عندما ينتقلون الأطفال إلى بيئة أكثر أو أقل تكيفًا. وبالتالي، لا يزال هناك دائمًا وقت للعمل على تعزيز العلاقة مع أطفالكم.
التعلق عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد.
الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد معرضون لخطر أكبر للتشخيص بالتعلق الغير آمن (كامبرا؛ مشروع التعلق؛ ميد، 2023). وبشكل أكثر تحديدًا، ذكر مشروع التعلق (2023) أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أكثر عرضة للتعلق غير المنظم، وأن السمات القوية لهذا الاضطراب تزيد من احتمالية تشخيص الأطفال بالتعلق غير الآمن. إذن، هل لا يزال هؤلاء الأطفال قادرين على إقامة علاقة آمنة مع مقدمي الرعاية؟ نعم، يمكنهم ذلك!
يحدث تدمير العلاقات العاطفية بسهولة أكبر عند الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد حيث أنهم غالبًا لا يستطيعون فهم مشاعرهم الخاصة أو التواصل حول احتياجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجه الأطفال صعوبة في التفاعل الاجتماعي، مثل صعوبة في التواصل البصري، والسلوكيات المتكررة، والعجز في القدرة على التفاعل مع الآخرين، مما يشكل تحديًا لمقدمي الرعاية في التعامل مع هذه المواقف. هذه العوامل تجعل من الصعب على مقدمي الرعاية أن يفهموا احتياجات أطفالهم بدقة وأن يلبوها بالشكل المناسب. أخيرًا، فإن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد يكونون أكثر عرضة للتعرض لأحداث قد تكون صادمة أو مؤلمة، مما يزيد من خطر تعرضهم لاضطرابات التعلق (جيانوتي ودي فالكو، 2021).
قد يظهر الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والذين لديهم تعلق آمن أمان تعلقهم بشكل مختلف عن أقرانهم غير المشخصين بالاضطراب، ولكنهم يستفيدون بنفس القدر. على سبيل المثال، لقد وُجد أن نمط التعلق يتنبأ بشكل أفضل بمهارات اللعب لدى الأطفال الصغار ذوي اضطراب طيف التوحد مقارنة بمستوى التشخيص لديهم – مما يبرز فوائد التعلق الآمن في تعزيز التفكير الخيالي ومهارات اللعب (أوبين، 2023؛ مشروع التعلق، 2023). كما أن الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين لديهم تعلق آمن يمتلكون مهارات لغوية أفضل ويتواصلون بشكل أكثر فعالية، و يكونون قادرين على تنظيم مشاعرهم، وقدرات أكبر على حل المشكلات. وهم أكثر انتباهاً للاحتياجات العاطفية لدى الآخرين، وهذه القدرة على إظهار التعاطف تمكنهم من امتلاك مهارات اجتماعية أفضل وبناء علاقات أقوى مع الأشخاص من حولهم (أوبين، 2023؛ مشروع التعلق، 2023).
بناء علاقات آمنة مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد
- أنظروا إلى الداخل!
مقدمو الرعاية الآمنون يرعون أطفالًا آمنين. مقدمو الرعاية الذين يظهرون أنماط تعلق آمن يضربون مثالًا للسلوكيات المرغوبة في العلاقات، ويمكنهم خلق بيئة إيجابية أفضل لأطفالهم. وفقًا لمشروع التعلق (2023)، قد يلعب نمط تعلق مقدمي الرعاية دورًا كبيرًا في شدة أعراض الأطفال وقدرتهم على التفاعل مع الآخرين. لذا، بينما قد يكون لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد استجابات مختلفة قليلاً لأنماط التربية، لا يمكن إغفال أهمية الرعاية المستمرة والاستجابة لاحتياجاتهم!
- كونوا مستجيبين واهتموا.
تعرفوا على أطفالكم جيدًا حتى تتمكنوا من توقع احتياجاتهم وتكونوا موجودين لدعمهم عند الحاجة. إذا لم تتمكنوا من تلبية احتياجاتهم على الفور:
- اعترفوا بمشاعرهم واحتياجاتهم بدلاً من تجاهلها.
- قوموا بشرح السبب الذي قد يدفعهم إلى ضرورة الانتظار للحصول على شيء.
- ضعوا حدودًا بطريقة متعاطفة ومحبّة إذا كان هناك شيء لا يمكنكم تقديمه لهم في الوقت الحالي.
وتذكروا أيضًا أن تكونوا حاضرين وتخصصوا وقتًا نوعيًا غير مشروط لأطفالكم، خاصة عندما يتفاعلون معكم. يشمل ذلك – ولكن لا يقتصر على – منحهم التواصل البصري، والتواصل معهم بشكل متكرر حتى لو لم يكونوا قادرين على التعبير بالكلمات، وإظهار الاهتمام بأنشطتهم، واللعب معهم (أوبين، 2023). اكتشفوا طرقكم الخاصة للتواصل معهم إذا كانت مهارة التواصل تشكل تحديًا!
- كونوا ثابتين.
الثبات في طريقة استجابتكم ووجودكم مع أطفالكم أمر مهم. جزء من ذلك يشمل الوفاء بوعودكم ومعرفة كيفية تنظيم مشاعركم حولهم (أوبين، 2023). على سبيل المثال، إذا ارتكبتم خطأ، فإنه من المقبول الاعتراف بخطأكم؛ بدلاً من تفريغ غضبكم عليهم بسبب الكبرياء. من خلال ذلك، تمنحونهم الثقة فيكم كأشخاص موثوقين في حياتهم.
- تذكروا أن كل سلوك هو وسيلة تواصل.
غالبًا ما تبدو السلوكيات غير مرغوب فيها – مثل رمي الأشياء، والبكاء، وما إلى ذلك – على أنها في الحقيقة طلبًا للاهتمام (أوبين، 2023). يواجه الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد صعوبة في التعبير عن أنفسهم، وحتى البالغون منهم قد يواجهون نفس الصعوبة، فإن التواجد في مثل هذا الموقف يسبب مشاعر الإحباط. البقاء منفتحين ومستجيبين لوجهة نظر أطفالكم سيساعدكم في فهم سلوكياتهم بشكل أفضل!
- تشجيع بناء العلاقات مع الآخرين.
العلاقات الاجتماعية تقدم العديد من الفوائد، بما في ذلك مشاعر الراحة والقرب والفرح التي تدعم الرفاهية العاطفية. وهذا ينطبق أيضًا على الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد الذين قد لا يعرفون كيفية بناء العلاقات. تشجيعهم على القيام بذلك منذ سن مبكر سيساعدهم على أن يكونوا أكثر تعاطفًا ووعيًا بالآخرين، مما يؤدي إلى حياة أكثر إرضاءً (أوبين، 2023).
الخاتمة
قد يستجيب الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بطرق فردية للغاية لمحاولات مقدمي الرعاية لبناء العلاقات. قد تكون لديهم أيضًا متطلبات مختلفة لبناء علاقة آمنة! لذلك، فإن قدرة مقدمي الرعاية على فهم أطفالهم والتفاعل بحساسية مع احتياجاتهم سيكون هذا أمرًا في غاية الأهمية في كل موقف على حدة.
كمقدمي رعاية، سيسهم وجود شبكة دعم قوية في تحسين تجربتكم بشكل كبير. تذكروا أن تكونوا رفقاء بأنفسكم وتقبلوا أنه من الطبيعي ارتكاب الأخطاء. فهذا سيساعدكم على التعامل مع الوضع من منظور إيجابي!
المرجع:
https://www.healisautism.com/post/attachment-children-autism