
كيف يمكن أن يساعد تدخل تحليل السلوك التطبيقي في معالجة الحواس؟
ترجمة: أ. شروق السبيعي
تُعتبر تحديات معالجة الحواس من المشاكل الشائعة التي تواجه الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد (ASD). تظهر هذه التحديات على شكل فرط الحساسية أو نقصها تجاه المحفزات المختلفة مثل الأصوات، والملمس، والأضواء، والحركات. بالنسبة للعديد من الأطفال، يمكن أن يصبح التنقل في بيئات الحياة اليومية — سواء كانت الفصول الدراسية الصاخبة، أو متاجر البقالة المزدحمة، أو الأماكن العامة الأخرى — تجربة مرهقة وصعبة. قد تؤدي هذه المحفزات الحسية المبالغ فيها إلى مشاعر الإحباط، والنوبات العصبية، أو حتى الانسحاب الاجتماعي، مما يؤثر على قدرتهم على المشاركة والتفاعل بشكل طبيعي.
وفي هذا السياق، يبرز تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) كأحد التدخلات الفعالة التي تقدم استراتيجيات منهجية ومنظمة لمعالجة هذه التحديات الحسية. يعمل هذا التدخل على مساعدة الأطفال في التعرف على المحفزات التي تسبب لهم الانزعاج، وتطوير مهارات التعامل معها بشكل تدريجي، من خلال تطبيق عدت استراتيجيات مثل التعريض التدريجي والتعزيز الإيجابي. كما يركز تدخل تحليل السلوك التطبيقي على تعليم مهارات الإدارة الذاتية والتواصل، مما يمكن الأطفال من التعبير عن احتياجاتهم الحسية وطلب الدعم عند الحاجة.
من خلال هذه الاستراتيجيات، يُمكن للأطفال تحسين قدرتهم على التحكم في ردود أفعالهم الحسية، مما يعزز شعورهم بالثقة والاستقلالية، ويسهم في نجاحهم وتكيفهم في مختلف البيئات الحياتية، سواء كانت منزلية، مدرسية، أو مجتمعية.
فهم تحديات المعالجة الحسية
تشير المعالجة الحسية إلى الطريقة التي يستقبل بها الدماغ المحفزات الحسية من البيئة، ويفسرها، ثم يستجيب لها. وقد يواجه بعض الأطفال خللاً في هذا النظام يؤدي إلى تفاعل مفرط أو محدود مع المحفزات، مما يُسبب لهم تحديات في:
– معالجة الأصوات: قد يُغطي بعض الأطفال آذانهم عند سماع أصوات عالية، بينما قد لا يُبدي آخرون أي استجابة للأصوات التي عادةً ما تلفت الانتباه.
– تحمل القوام: قد يشعر الأطفال بعدم القدرة على تحمل بعض الأقمشة أو الأطعمة أو الأسطح.
– إدارة المحفزات البصرية: تُشكل الأضواء القوية أو الأماكن المزدحمة مصدرًا زائدًا للتحفيز لدى بعض الأطفال.
– تنظيم الحركة: قد يسعى الأطفال إلى الحركة المفرطة (مثل الدوران أو القفز) أو يتجنبونها تمامًا بسبب عدم الراحة.
قد تؤثر تحديات المعالجة الحسية بشكل مباشر على قدرة الأطفال على أداء الأنشطة اليومية بكفاءة، كما قد تعيق تواصلهم وتفاعلهم الاجتماعي، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على عملية التعلم. وفي مواجهة هذه التحديات يقدم تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) مجموعة من الاستراتيجيات المنظمة والمدعومة بالأدلة العلمية، التي تهدف إلى مساعدة الأطفال على تطوير المهارات التكيفية للتعامل مع المحفزات الحسية المختلفة. من خلال هذه الاستراتيجيات، يتم تعزيز قدرة الأطفال على بناء المرونة النفسية والعاطفية، مما يمكّنهم من مواجهة التحديات الحسية بشكل أكثر فاعلية وثقة، وبالتالي تتحسن جودة حياتهم اليومية ويمكنهم التفاعل مع المحيطين بهم.
كيف يُسهم تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) في معالجة تحديات المعالجة الحسية؟
يركز تدخل تحليل السلوك التطبيقي على تحديد السلوكيات القابلة للقياس، وتحديد أسبابها، وتطبيق استراتيجيات فعّالة لتعزيز التغيرات الإيجابية. إليك كيف يُمكن أن يكون تدخل تحليل السلوك التطبيقي فعالاً بشكل خاص في معالجة تحديات المعالجة الحسية:
1. التقييم الفردي
يختلف تعامل كل طفل مع المعالجة الحسية، ويبدأ أخصائيون تحليل السلوك التطبيقي بإجراء تقييم شامل لفهم المحفزات والاستجابات الحسية الفريدة لدى كل طفل. يشمل التقييم مراقبة السلوكيات، ومقابلة الوالدين و مقدمي الرعاية، واستخدام أدوات مثل قوائم التحقق الحسية لتحديد التحديات.
2. استراتيجيات تقليل التحسس
بالنسبة للأطفال الذين يعانون من حساسية مفرطة تجاه بعض المحفزات، غالبًا ما يتم استخدام استراتيجية التعريض التدريجي أو إزالة الحساسية. على سبيل المثال، قد يبدأ الطفل الذي يعاني من الأصوات العالية بالاستماع إلى تسجيلات منخفضة الصوت في بيئة منظمة ومراقبة، ثم يتم زيادة الصوت تدريجيًا عند شعوره بالراحة. تساعد هذه الاستراتيجية المُنتظمة على تقليل القلق وبناء القدرة على التحمل مع مرور الوقت.
3. استراتيجيات التعزيز
يستخدم تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) استراتيجية التعزيز الإيجابي لتشجيع السلوكيات المرغوبة. على سبيل المثال، إذا تمكن الأطفال من تحمل تحدٍّ حسي مثل ارتداء ملابس جديدة، فقد يحصلون على الثناء أو لعبة مفضلة أو مكافأة أخرى. مع مرور الوقت، يساعد هذا التعزيز الأطفال على ربط التجارب الحسية بنتائج إيجابية.
4. تعليم مهارات الإدارة الذاتية
يواجه العديد من الأطفال الذين يعانون من تحديات في المعالجة الحسية تحديات في إدارة انفعالاتهم النفسية. ويعمل أخصائيو تحليل السلوك التطبيقي (ABA) مع هؤلاء الأطفال على تنمية مهارات الإدارة الذاتية، مثل ممارسة التنفس العميق، واستخدام الأدوات الحسية كألعاب التململ أو سماعات تقليل الضوضاء، بالإضافة إلى تعلّم طلب فترة استراحة عند الشعور بالإرهاق. تساعد هذه الاستراتيجيات الأطفال على التعامل مع التجارب الحسية بطريقة أكثر وعيًا وتحكمًا.
5. تعزيز التواصل
بالنسبة للأطفال الذين يواجهون صعوبة في التعبير عن احتياجاتهم الحسية، يركّز تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) على تنمية مهارات التواصل. سواء كان ذلك من خلال اللغة اللفظية، أو تدريبهم على نظام تبادل الصور، أو الأجهزة المساعدة، يتعلم الأطفال التعبير عن احتياجاتهم والدفاع عن أنفسهم من خلالها، مما يُسهّل على الوالدين ومقدمي الرعاية والمعلمين تلبية هذه الاحتياجات بفعالية.
6. تدريب الوالدين ومقدمي الرعاية
من ركائز تدخل تحليل السلوك التطبيقي إشراك الوالدين ومقدمي الرعاية في العملية. يقدّم الأخصائيون التدريب والموارد اللازمة لتمكينهم من تطبيق الاستراتيجيات الحسية في المنزل، والمدرسة، والمجتمع. ويُساعد هذا الدعم المتواصل في مختلف البيئات على تعزيز التقدّم وتحقيق نتائج أفضل، كما يُعزّز ثقة الوالدين ومقدمي الرعاية في التعامل مع التحديات الحسية.
قصص النجاح في المعالجة الحسية
أثبت تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) فعاليته الكبيرة في تحسين المعالجة الحسية لدى الأطفال. فعلى سبيل المثال، يمكن للطفل الذي كان يتجنب الذهاب إلى ساحات اللعب بسبب الأصوات المرتفعة أن يتعلم، من خلال استراتيجية التعريض التدريجي واستراتيجية التعزيز الإيجابي، التفاعل مع أقرانه في أنشطة اللعب كالأراجيح والزلاقات. وبالمثل، قد يرفض بعض الأطفال تناول أطعمة معينة بسبب حساسيتهم تجاه ملمسها، لكن باستخدام استراتيجية تقليل التحسس المدروسة، يمكنهم تدريجيًا توسيع نطاق خياراتهم الغذائية. وتعكس هذه النجاحات مدى قدرة الأطفال على التكيّف مع التحديات الحسية والمشاركة في أنشطتهم اليومية بثقة وطمأنينة.
المرجع:
How ABA Therapy Can Help Sensory Processing
https://www.risingaboveaba.com/autism-blog/how-aba-therapy-can-help-sensory-processing