الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

من الإنكار إلى التمكين

من الإنكار إلى التمكين

من الإنكار إلى التمكين

بقلم أ. خلود العمودي

أخصائية نفسية و أم لطفلتين من ذوي الإعاقة

عند الحديث عن عالم الأمومة تتنوع التجارب وتختلط الخبرات وتأتي التجربة الشخصية دومًا لتكون سيدة الموقف، لا بأس فالأمومة من أخص تجارب المرأة التي تعيشها بكل وجدانها وكيانها، وتختلف هذه التجارب باختلاف الأطفال وشخصياتهم.

أن يكون لديك طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ليس بالأمر السهل تقبله أو استيعابه، قد نصاب لفترة بالصدمة يليها الإنكار ثم التقبل، تجربة مررت بها في حياتي كانت ولازالت هي السبب في صقل شخصيتي وهي السبب في كوني الشخص القوي اليوم. 

بعد تشخيص طفلتي الأولى بتعقد في شرايين المخ، كان خبرًا كالصاعقة كنت أفكر كيف أستطيع تحمل هذه المسؤولية على عاتقي، كانت طفلتي حينها بعمر السنتين كانت تعاني من ضعف شديد في الحركة، كنت ابحث حينها عن عيادات ومراكز وأماكن تساعدني للتطوير وتنمية قدراتها  كنت ازور بعض العيادات بالمستشفيات وبعدها اتجهت لدور الرعاية ومراكز التأهيل، حينها لم يكن لدي الخبرة فيما تحتاجه طفلتي حتى تتطور وتتقدم، كنت ابحث عن بصيص أمل يساعدها على أن تكون أقرب للطفل الطبيعي وتستطيع أن تعيش حياتها.

 بعدها أنجبت طفلة أخرى كانت تعاني من نقص في المادة البيضاء في المخ ويؤثر على عضلات الجسم والمهارات. قررت بعد ذلك الحاق الطفلتين بمراكز التأهيل لمساعدتهم في تطوير مهاراتهم الحركية واللغوية.

وفي فترة البحث فُوجئت بقلة إمكانيات المراكز وعدم جاهزيتها وهنا كانت الصدمة، تعرضت طفلتي الكبرى للضرب في أحد المراكز، فهذه الفئة يزداد احتمال تعرضهم للأذى الجسدي والنفسي وحتى اللفظي.

 تدهورت حالتي النفسية لفترة، كنت احتاج للتوجيه في تلك الفترة ومعرفة طرق التعامل مع الطفلتين كنت اقرأ وابحث كثيرًا في طرق تدريبهم وتأهيلهم ولكن لم أكن أعرف تطبيق الاستراتيجيات وطرق التعامل مع احتياجاتهم ومتطلباتهم، كنت لا استطيع التصرف مع نوبات الغضب والرفض. 

كانت تلك السنوات من أسوأ سنوات حياتي حيث انقطعت حياتي الاجتماعية بسبب عدم معرفتي بطرق التعامل معهم، وكنت لا أحتمل نظرات الاستغراب أو الشفقة حين أكون برفقتهم، كان الأمر جدًا صعب في تحمل هذه المسؤولية وحدي.

ومن هنا كانت بداية قصتي بقرار إكمال دراستي الجامعية وتطوير نفسي لمساعدتهم  على مواجهة الحياة. 

تخرجت من الجامعة وقررت أن أعمل جاهدة على نفسي، وتدربت في العديد من المراكز وكنت في فترة التدريب أحاول أن أطبق ما اتعلمه.

حصلت بعد ذلك على التصنيف المهني وقررت العمل في مكان أستطيع أن أكون متواجدة معهم بسبب خوفي من هذه المراكز، ومن هنا بدأت أحاول البحث عن مكان ، وفعلًا وجدت مركز مناسب عملت لمدة سنة، كان الكادر متخصص وكانت الإدارة متابعة جيدة للحالات وكان همي الأكبر أن يكون المكان على قدر من الأمانة.

بعدها قررت تسجيل الطفلتين معي بنفس المكان، ساعدني المكان كثيرًا على تطوير نفسي وقدراتي وتطوير أطفالي ومهاراتهم. 

في ذلك الوقت كانت طرق التدريب بسيطة جدًا لكنها تأخذ الجهد الكبير في التطبيق ولكن كنت أرى أبسط تطور في المهارة إنجاز كبير في حياتهم، إذ كانت حالتهم الصحية والعقلية تعتبر شديدة وكان التطور والتقدم جدًا بطيء، بدأت ابنتي الكبرى تتحسن في الحركة والتفاعل وأصبحت الأخرى كذلك، كنت سعيدة جدًا بالتطور، بعدها استعدت قوتي وثقتي في مواجهة المجتمع. 

في تلك الفترة كانت المراكز بسيطة وطرق التدريب فيها قائم على النطق واللغة والتدريب على المهارات وتعديل السلوك القائم على المشكلة وحلها، ولكن الآن تطور العلم وأصبحت طرق التدريب متطورة ومتقدمة بشكل أكبر، أصبح أغلب المتخصصين والإدارات يقومون بالتطوير المهني.

  استمر عملي في هذه المنشأة لمدة سبع سنوات قمت فيها بتطوير نفسي مهنيًا، ومساعدة تطوير الطفلتين من ناحية اللغة وتطوير مهارات الحياة اليومية، كان الدافع الأساسي تقديم الدعم والمساندة للطفلتين.

من هذا المنطلق كان هذا دافع كبير لي في توجيه ومساعدة أي أم بحاجة للدعم والمساندة النفسية وذلك لإحساسي بمعاناة كل أم،  سخرت نفسي لهذا العمل جاهدة في أن أكون جزء من تطور وتحسن أطفالهم من ذوي الإعاقة، كنت ولازلت أحاول دعم  الأمهات و لأنني كنت في مرحلة من المراحل بحاجة للدعم والتوجيه، فأحاول أن أكون أكثر تفهمًا للأسر التي تحتاج للمساعدة أو التقبل.

قدمت العديد من الورش والمحاضرات في دعم الأسر ومعرفة احتياجاتهم النفسية، والتعامل مع الضغوط النفسية التي تمر بها كل أم لطفل من ذوي الإعاقة.

ولا زلت أقدم الدعم لكل أم وطفل وفي الوقت الراهن نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التوعية والإعلام وإحداث نقلة نوعية في طريقة التعامل مع هذه الفئة ومراعاة احتياجاتهم، وتسليط الضوء على كل ما يخصهم من تعزيز حماية حقوقهم في المجتمع.

والآن أعمل جاهدة للحصول على رخصة مشرف توحد QASP، لتكون مساعد لي على التطوير من نفسي ودعم الأسر وتوعية المجتمع.