الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

هل يمكن أن يتجاوز الإنسان اضطراب طيف التوحد؟ المفاهيم الخاطئة وكيفية تقديم الدعم

 

ترجمة: أ. نوره الدوسري

كثير من الناس يطرحون هذا السؤال: هل يمكن للطفل أو الشاب من ذوي اضطراب طيف التوحد أن يكبر ويصبح “طبيعيًا”؟ الإجابة المختصرة هي: لا. اضطراب طيف التوحد ليس مرضًا مؤقتًا يختفي مع الوقت، بل هو اختلاف عصبي في طريقة عمل الدماغ يستمر مدى الحياة.

لكن هذا لا يعني أن حياة ذوي اضطراب طيف التوحد تبقى ثابتة بدون تغيّر. بالعكس، مع النمو والتقدّم في العمر، تتطور المهارات، وتظهر طرق جديدة للتكيف، وقد يصبح الشخص أكثر قدرة على فهم نفسه والعالم من حوله.

التغيّرات العصبية عبر العمر

كل إنسان — سواء كان من ذوي اضطراب طيف التوحد أو لا — يمر بتغيّرات في نمو الدماغ. التطوّر العصبي لا يحدث دفعة واحدة ولا بنفس الشكل عند الجميع. هناك مناطق في الدماغ تنمو بسرعة في فترة معينة، بينما مناطق أخرى تتطور لاحقًا. هذا يعني أن نمو الإنسان غير متزامن، وهو أمر طبيعي.

بالنسبة لذوي اضطراب طيف التوحد، فإن هذه التغيّرات قد تُترجم أحيانًا إلى تحسن في بعض السلوكيات أو المهارات، أو ظهور طرق جديدة للتعامل مع الصعوبات.

كيف يمكن أن يتغير اضطراب طيف التوحد بمرور الوقت؟

اضطراب طيف التوحد موجود على “طيف”، أي أن شدّته وأعراضه تختلف من شخص لآخر. لذلك لا يمكن مقارنة شخص بآخر، حتى لو كانا يحملان نفس التشخيص.

مع مرور الوقت، قد يكتسب بعض الأشخاص مهارات جديدة في التواصل أو التفاعل الاجتماعي. مثلًا:

  • قد تتغير طرق الـ stimming (السلوكيات المتكررة مثل تحريك اليدين أو إصدار أصوات) بحيث تصبح أكثر ملاءمة للمواقف الاجتماعية.
  • قد يكتسب الشخص استراتيجيات جديدة تساعده على تهدئة نفسه عند التوتر.
  • قد يصبح أكثر وعيًا بكيفية قراءة المواقف أو التعبير عن مشاعره.

من ناحية أخرى، إذا لم يحصل الشخص على الدعم الكافي، قد يحدث العكس تمامًا:

  • قد يصبح أكثر قلقًا.
  • قد ينغلق على نفسه.
  • قد تزداد صعوبة التواصل مع المجتمع.

التوقعات الخاطئة وخطر “إخفاء الهوية”

أحد أكثر المفاهيم الخاطئة ضررًا هو الاعتقاد أن الشخص يمكن أن “يتجاوز اضطراب طيف التوحد” أو يتخلّص منه. هذا التوقع يضع ضغطًا كبيرًا على الطفل أو الشاب، فيشعر بأنه مضطر لإخفاء نفسه الحقيقية أو تقمّص سلوكيات “طبيعية” لكي يُرضي من حوله.

هذه العملية تُسمى masking أو “الإخفاء”، حيث يحاول الشخص إخفاء سلوكياته الطبيعية (مثل stimming أو الحديث بطرق خاصة) حتى لا يتعرّض للنقد أو التمييز. المشكلة أن هذا الإخفاء مرهق جدًا نفسيًا، وقد يؤدي لاحقًا إلى القلق أو الاكتئاب.

هل يختفي التشخيص مع الوقت؟

تشخيص اضطراب طيف التوحد، عندما يكون دقيقًا وصحيحًا، لا يختفي. فهو ليس شيئًا مؤقتًا. لكن طريقة ظهوره قد تختلف مع مرور السنوات.

  • بعض الأشخاص قد يُظهرون تحسنًا كبيرًا في التواصل لدرجة أن الآخرين قد لا يلاحظون اختلافهم.
  • آخرون قد يظلون يواجهون تحديات واضحة حتى مع الدعم.
  • في جميع الحالات، الشخص يظل من ذوي اضطراب طيف التوحد، لكنه يتغير مثل أي إنسان آخر ينمو ويتطور.

دور الدعم والتدخل المبكر

هنا تأتي النقطة الأهم: الدعم المناسب يحدث فرقًا هائلًا.

  • العائلة: عندما تقدم الحب غير المشروط وتتفهم احتياجات الطفل، ينعكس ذلك إيجابًا على ثقته بنفسه.
  • المدرسة: توفير بيئة مرنة ومراعاة أساليب التعلم المختلفة يساعد الطفل على النجاح أكاديميًا واجتماعيًا.
  • العلاج والدعم المهني: مثل العلاج السلوكي، علاج النطق، والعلاج الوظيفي. هذه التدخلات لا “تشفي” من اضطراب طيف التوحد، لكنها تساعد على تنمية المهارات الأساسية للتكيف.

من دون هذا الدعم، قد يجد الشخص صعوبة متزايدة في مواجهة الحياة اليومية، وقد يصبح أكثر انعزالًا. أما عندما يُتاح له ما يحتاجه، يمكنه الازدهار وبناء حياة مليئة بالإنجازات والعلاقات.

كيف يمكن أن نقدّم الدعم بشكل عملي؟

إليك بعض الطرق:

  1. تقبّل الاختلاف: لا تتوقع من الطفل أن يتصرف مثل الآخرين. أعطه الحرية ليكون على طبيعته.
  2. التركيز على نقاط القوة: بعض الأطفال بارعون في مجالات معينة كالرياضيات أو الفن أو الحفظ. دعم هذه المواهب يمنحهم شعورًا بالإنجاز.
  3. توفير الروتين والاستقرار: ذوي اضطراب طيف التوحد غالبًا يحتاجون إلى روتين يومي واضح يشعرهم بالأمان.
  4. تعليم مهارات التكيف: مثل كيفية التعامل مع التوتر أو طلب المساعدة عند الحاجة.
  5. الدعم النفسي المستمر: لأن التحديات العاطفية والقلق شائعة جدًا عند المراهقين والبالغين منهم.

الخلاصة

القول بأن الشخص يمكن أن “يتجاوز اضطراب طيف التوحد” أو “يشفى منه” هو اعتقاد خاطئ. هذا الاضطراب جزء أساسي من هوية الإنسان العصبية، ولا يختفي مع التقدم في العمر.

لكن الخبر الجيد أن الأمر لا يعني الفشل أو العجز. مع الدعم، والتفهم، والتدخل المبكر، والتقبل، يمكن لذوي اضطراب طيف التوحد أن يزدهروا، ويطوروا مهاراتهم، ويعيشوا حياة كاملة وغنية مثل أي شخص آخر.

الأمر لا يتعلق بمحاولة جعلهم “طبيعيين”، بل بمساعدتهم على أن يكونوا أنفسهم وأن يجدوا مكانًا آمنًا في هذا العالم.

المرجع: 

Can You Grow Out of Autism? Common Misconceptions and How to Offer Support:

https://psychcentral.com/autism/can-you-grow-out-of-autism