ترجمة: أ. عبدالله الأحمري
نحن ندمج حواسنا (البصر، الصوت، الشم، اللمس، التذوق، التوازن، والإحساس بأجسادنا في الفراغ) لفهم العالم من حولنا. ومع ذلك، قد يواجه بعض الأطفال واليافعين ذوي اضطراب طيف التوحد صعوبة في تصفية المعلومات الحسية، مما قد يجعلها تصل إلى درجة تكون فيها غير مريحة، و/أو مؤلمة.
على الجانب الآخر، يسعى بعض الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد بنشاط إلى البحث عن الأحاسيس الحسية لتهدئة أنفسهم، أو لتخفيف القلق، أو غالبًا لمجرد المتعة والاسترخاء. تُعرف تجربة المنبهات الحسية بشكل مختلف عن عامة الناس غير ذوي اضطراب طيف التوحد بـ “اختلافات المعالجة الحسية.
كما أبرزت الأبحاث، وكذلك ملاحظاتي السريرية الشخصية على مر السنين، أن العديد من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، أو أولئك ذوي اختلافات المعالجة الحسية، غالبًا ما يعانون من صعوبات متزامنة في الوضعية، والتنسيق، والتخطيط الحركي.
عندما نفتقر إلى “المرشحات” اللازمة لاستبعاد المعلومات غير ذات الصلة، يمكن أن يتسبب ذلك في الحمل الحسي الزائد ويؤدي إلى انهيار (Meltdown). حيث تتراكم المدخلات الحسية واحدة تلو الأخرى دون أن يتم تصفيتها بشكل مناسب. كما قال لي أحد الطلاب: “لا أستطيع مواصلة القراءة لأن عيني ممتلئتان في الوقت الحالي”.
عندما يعاني شخص من الحمل الحسي الزائد، قد يُساء تفسير سلوكه على أنه اضطراب سلوكي. كما قد يؤدي الحمل الحسي الزائد إلى الانسحاب أو الانغلاق الكامل. إن ضمان حصول الطالب ذي اختلافات المعالجة الحسية على الفرص الحسية المناسبة والتكيفات البيئية طوال يومه، من شأنه أن يزيل الحواجز أمام التعلم ويذهب بطريقة ما نحو تحسين صحته النفسية.
يُعد أخصائيو العلاج الوظيفي عناصر أساسية في هذه العملية. حيث يساعد تقديم النصح والتدخلات التي تستهدف كل حاسة على جعل الجهاز العصبي للطفل أكثر تنظيمًا. يمكن أن يقلل هذا من قلق الطفل وإرهاقه، ويحسن انتباهه وأداءه.
يعمل أخصائيو العلاج الوظيفي على تعزيز والحفاظ على تطوير المهارات التي يحتاجها الأطفال ليكونوا وظيفيين في البيئة المدرسية وما بعدها. على سبيل المثال لا الحصر:
- رعاية الذات (مثل ارتداء الملابس، وتناول الوجبة، وإدارة احتياجات استخدام المرحاض، والعناية بالنظافة الشخصية)
• الإنتاجية (مثل التنظيم الانفعالي، ومستويات اليقظة، والمشاركة، والكتابة اليدوية، والمهارات التنظيمية)
• الترفيه (مثل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء، والانتماء إلى مجموعة، والمشاركة في الهوايات/اللعب، والمهارات الحركية لحصص التربية البدنية).
يتمتع الاطفال بمجموعة فريدة من الاحتياجات الحسية، وهذه الاحتياجات ستتغير تبعاً للحالة المزاجية، والبيئة، والتدخلات العلاجية.
بالنسبة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، يعمل أخصائي العلاج الوظيفي على تطوير مهارات الكتابة اليدوية، والمهارات الحركية الدقيقة، ومهارات الحياة اليومية. إلا أن الدور الأكثر جوهرية يتمثل أيضاً في تقييم واستهداف اختلافات المعالجة الحسية لدى الطفل. يُعد هذا الأمر مفيداً لإزالة الحواجز التي تعترض التعلم ومساعدة الطلاب على أن يصبحوا أكثر هدوء وتركيزاً.
ما هو النظام الحسي؟
النظام الحسي (يُعرف أيضاً النمط الحسي للحياة) هو خطة أنشطة يومية مُصممة خصيصاً. يهدف إلى تضمين أنشطة حسية على مدار اليوم اليقظ للاطفال لتحسين التركيز والانتباه وضمان شعور الطفل بأنه “في حالة مثالية” (منظم) طوال اليوم. فكما يحتاج الجسم إلى الطعام المناسب موزعاً بشكل متوازن على مدار اليوم، فإنه يحتاج أيضاً إلى أنشطة للحفاظ على مستوى استثارته في المستوى الأمثل.
عندما تنخفض مستويات الاستثارة بشكل كبير، يمكن تحفيزها من خلال أنشطة مثل:
• الرقص
• الغناء
• الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.
أما إذا ارتفعت المستويات بشكل مفرط وأصبح الشخص في حالة فرط استثارة، فقد تساعد الأنشطة المريحة مثل:
• الذهاب لنزهة مشياً
• القراءة
• الاستماع إلى الموسيقى.
يمكن لأخصائي العلاج الوظيفي المؤهل استخدام تدريبه المتقدم ومهاراته التقييمية لوضع نظام حسي فعال للاطفال، لتنفيذه على مدار اليوم. يهدف هذا إلى تحسين الصحة النفسية العامة ونوعية الحياة.
ما هي المشكلات التي يهدف النظام الحسي إلى معالجتها؟
يمكن أن تكون تأثيرات النظام الحسي فورية ومتراكمة معاً. فهي تساعد في إعادة هيكلة الجهاز العصبي للطالب بمرور الوقت، مما يجعله أكثر استعداداً لتحمّل المواقف المختلفة ويمتلك المهارات اللازمة للسيطرة على احتياجات تنظيم ذاته.
يساعد التدريب والإرشاد وتعليم استراتيجيات التنظيم الذاتي الجميع على التعرف على السلوكيات والعواطف، والتكيف بنجاحه واستخدام استراتيجيات لتلبية متطلبات أي موقف. وهذا بدوره يمكن أن يمنع الإنهاك / الانهيار ويقلل من التوتر والقلق والإرهاق.
يسمح ذلك للأطفال بالتركيز على المهمة المطروحة بدلاً من أن يصرف انتباهه إلى منبهات مثل:
• احتكاك بطاقة القميص الداخلية برقبته
• ضوضاء خارجية
• التعرض للاصطدام في الممر.
الدوائر الحسية
“تُعد مشاركة الطفل في دائرة حسية حركية قصيرة بمثابة تهيئة له ليقوم بفاعلية بما سيقدم عليه خلال يومه. فبعض الإشارات السلوكية مثل التململ، وضعف التركيز، والاتصال الجسدي المفرط، أو الخمول، قد تشير إلى أن الطفل يواجه صعوبة في الانخراط في عملية التعلّم” – هوروود (2009).
عادة ما يوصي أخصائيو العلاج الوظيفي ببدء اليوم بما يُعرف بالدائرة الحسية: وهو برنامج أنشطة حسية حركية يساعد الأطفال على تحقيق حالة “الاستعداد للتعلم”. تُعد الدوائر الحسية سلسلة من الأنشطة المصممة خصيصاً لتنشيط جميع الحواس. وهي طريقة رائعة لشحن الأطفال بالطاقة أو لتهدئتهم استعداداً لليوم.
تتضمن كل جلسة ثلاثة عناصر رئيسية:
- أنشطة التنبيه (مثل الدوران، والقفز على الكرة الرياضية، والقفز بالحبال، والقفز على شكل نجمة) لتحفيز الجهاز العصبي المركزي في الجسم استعداداً للتعلم.
• أنشطة التنظيم (مثل الموازنة على لوح متذبذب، والدحرجة على شكل جذع، واللعب بالكرات) والتي تتطلب من العقل والجسم العمل معاً.
• أنشطة التهدئة (مثل تمارين العضلات الثقيلة والضغط العميق، دفع الحائط، تمارين الضغط، استخدام الأثقال) لتعزيز الإحساس بالجسم في الفراغ وزيادة القدرة على تنظيم المدخلات الحسية ذاتياً.
يصبح الأطفال أكثر تنظيماً وهدوءاً وتركيزاً بعد هذه الأنشطة، مما يقلل من قلقهم ويزيد من فرصهم لتحقيق النجاح والازدهار في البيئة المحبطة التي نعيش فيها الآن.
المرجع:
Why is occupational therapy important for autistic children
https://www.autism.org.uk/advice-and-guidance/professional-practice/occupation-therapy





