الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد يُظهرون نشاطًا بدنيًا مرتفعًا وسلوكًا خاملًا أقل

 

ترجمة: أ. جنا الدوسري 

 

اضطراب طيف التوحد (ASD) هو مجموعة من الاضطرابات النمائية العصبية التي تتّسم بوجود صعوبات اجتماعية وسلوكية، وضعف في التواصل اللفظي وغير اللفظي، إضافة إلى سلوكيّات واهتمامات نمطية ومتكررة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، بلغ معدل انتشار اضطراب طيف التوحد عالميًا في عام 2022 حوالي حالة واحدة لكل 36 شخصًا.

ولا يزال السبب الدقيق لاضطراب طيف التوحد غير معروف، إلا أنّه يُرجّح أن يكون نتيجة تفاعل عدة عوامل متداخلة، تشمل العوامل الجينية والوراثية فوق الجينية، والعوامل المناعية والبيئية، إضافة إلى اضطرابات أيضية معينة . كما تُعدّ اختلالات الميتوكوندريا، والالتهاب العصبي، وفرط نشاط الغلوتامات من أكثر العوامل ارتباطًا بشدة أعراض اضطراب طيف التوحد.

تشير دراسات متزايدة إلى أن الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. يعانون من ضعف في المهارات الحركية لا يُلاحظ غالبًا لدى أقرانهم من النمو النمطي (TD). وتشمل هذه الصعوبات ضعف المهارات الحركية الكبرى والدقيقة ، مما قد يحدّ من مشاركتهم في الأنشطة الرياضية والبدنية المختلفة. ويمكن أن تؤدي المستويات المنخفضة من النشاط البدني، وضعف اللياقة، وتأخر المهارات الحركية خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين المشخصين باضطراب طيف التوحد إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والانفعالية والمشكلات المصاحبة الأخرى. كما أظهرت بعض الدراسات وجود علاقة بين شدة الإعاقات الحركية والاجتماعية لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد، مما يشير إلى أن الصعوبات الاجتماعية قد تكون أيضًا سببًا في قلة مشاركتهم في الأنشطة البدنية.

ويُعدّ النشاط البدني (PA)—وخاصة النشاط متوسط إلى عالي الشدة (MVPA)—عاملًا مهمًا في تعزيز الصحة وجودة الحياة لدى الأطفال عمومًا، بما فيهم الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. ومؤخرًا، ازداد الاهتمام بدراسة العلاقة بين الخصائص الاجتماعية والمعرفية لاضطراب طيف التوحد وبين النتائج الصحية البدنية . وقد كشفت دراسات سابقة أن الأداء السلوكي للأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. يتحسن بعد ممارسة النشاط البدني، وأن النشاط البدني قادر على تقليل حدوث السلوكيات النمطية لديهم. ويُعتقد أن النشاط البدني يُحدث تغييرات مهمة في بنية الدماغ ووظائفه وإدراكه لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. فممارسة التمارين البدنية لفترات طويلة تُسهم في إحداث تغييرات في مناطق الدماغ المسؤولة عن الحركة مثل المخيخ والقشرة الحركية، إضافة إلى أجزاء من الحُصين المهمة للتعلم والذاكرة والملاحة .

وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد يُظهرون عادةً انخفاضًا في النشاط البدني نتيجة الصعوبات الاجتماعية والسلوكية. وقلة فرص ممارسة الرياضة قد تؤثر سلبًا على سلوك الطفل، وتزيد احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السمنة، وهي شائعة لدى هذه الفئة . كما وُجد أن العمر والجنس قد يؤثران في نتائج انخفاض النشاط البدني. وقد تبين أن النشاط البدني متوسط إلى عالي الشدة يحقق فوائد في الجوانب الفسيولوجية والمعرفية والنفسية والاجتماعية والسلوكية للأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد.

ومع أهمية تأثير النشاط البدني على الجوانب الإدراكية لدى هذه الفئة، فإن التقييم الدقيق لمستويات النشاط البدني يُعدّ أمرًا أساسيًا لفهم أنماط النشاط لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. وقد استخدمت دراسات سابقة أجهزة قياس تعتمد على مقياس التسارع، إضافة إلى استبيانات ذاتية لتقييم مستويات النشاط البدني. إلا أن أجهزة قياس التسارع تُعد أكثر دقة لتقييم أنواع مختلفة من الأنشطة البدنية في البيئات الطبيعية.

ويُعد جهاز ActiGraph (GT3X+) أحد أكثر الأجهزة استخدامًا في بحوث النشاط البدني، حيث يقوم بقياس حركة الجسم الكلية وأنشطة اللعب الحر، بما في ذلك الجلوس، الوقوف، المشي، صعود الدرج، الجري، وركوب الدراجة. ويتميز بقدرته على قياس اتجاه الحركة والحركات غير الناضجة لدى الأطفال، مما يجعله مناسبًا لتقييم النشاط البدني والسلوك الخامل لدى ذوي الإعاقات.

ويُعرَّف النشاط متوسط الشدة (3–5.99 METs) بأنه 2690–6166 وحدة/دقيقة، والنشاط عالي الشدة (6 METs) بأنه 6167 وحدة/دقيقة فأعلى. أما النشاط منخفض الشدة فيُقاس بعدد الدقائق التي تتراوح فيها القيم بين 200 و2690 وحدة/دقيقة .

النشاط البدني مرتفع الشدة لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد

قد يكون من المثير للاهتمام دراسة العلاقة بين زيادة النشاط البدني مرتفع الشدة لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد مقارنة بالأطفال ذوي النمو النمطي، وبين الاختلال في توازن النواقل العصبية المثيرة والمثبِّطة، والإجهاد التأكسدي، والالتهاب العصبي، باعتبارها عمليات مرضية مرتبطة بفرط النشاط في اضطراب طيف التوحد.

فالأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد يمتلكون عادة مستويات أعلى بكثير من الغلوتامات—النواقل العصبية المثيرة—ومستويات أقل من الـ GABA—وهو الناقل العصبي المثبِّط الرئيسي.

في الظروف الطبيعية، يتم استقلاب الغلوتامات أو امتصاصه من خلال الخلايا الدبقية النجمية عبر نواقل الغلوتامات. وعند اضطراب هذه المسارات كما في حالة اضطراب طيف التوحد، يتراكم الغلوتامات ويفرط في تنشيط مستقبلات NMDA. تعمل هذه المستقبلات كقنوات لعنصر الكالسيوم (Ca2+)، ويمنعها عنصر المغنيسيوم (Mg2+) من العمل إلا عند إزالة الاستقطاب عن غشاء الخلية.

في اضطراب طيف التوحد، يكون الغشاء في حالة إزالة استقطاب مزمنة، مما يؤدي إلى خروج المغنيسيوم وبقاء القناة مفتوحة لمرور الكالسيوم لفترات أطول، وهذا يؤدي إلى موت الخلية بسبب الجذور الحرة أو بسبب إرهاق الميتوكوندريا الذي ينتج عنه المزيد من الجذور الحرة.

كما أن العوامل الالتهابية، وزيادة الإجهاد التأكسدي، وانخفاض مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) وغيرها من عوامل النمو، كلها تؤثر بشكل مشابه في دوائر الغلوتامات لدى مرضى التوحد، سواء كان مصدرها مركزيًا أو طرفيًا. وعندما تتضرر الميتوكوندريا ويزداد تسرب الإلكترونات، يزداد إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية.

ومن الناحية النظرية، قد يكون ارتفاع النشاط البدني لدى مرضى اضطراب طيف التوحد. مرتبطًا بفكرة أن الدماغ يستخدم المستويات المرتفعة من الغلوتامات كمصدر للطاقة للتخلص من كميته الزائدة. وتدعم هذه الفرضية حقيقة أن مضادات مستقبلات NMDA تقلل نفاذية القناة وتمنع دخول الكالسيوم، مما يوفر حماية عصبية، ويحد من السُمّية الغلوتاماتية، وقد يُحسّن أعراض فرط النشاط .

النشاط البدني مرتفع الشدة واضطرابات النوم لدى الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد

تُعد اضطرابات النوم من أكثر المشكلات المصاحبة شيوعًا لدى الأطفال المشخصين اضطراب طيف التوحد، إذ تصل إلى 80% مقارنة بـ 20–40% من الأطفال ذوي النمو النمطي. وتشمل هذه الاضطرابات: الأرق، اضطرابات الساعة البيولوجية، صعوبة بدء النوم، النوم المتقطع، وكثرة الاستيقاظ.

وقد وجدت معظم الدراسات التي استخدمت تقييمات موضوعية (مثل أجهزة تتبع النشاط) أو ذاتية (كالاستبيانات) أن أطفال اضطراب طيف التوحد يملكون مؤشرات نوم أقل جودة من أقرانهم.

وفي محاولة لربط زيادة النشاط البدني العالي الشدة بمشكلات النوم لدى المشخصين باضطراب طيف التوحد، وجد الباحثون أن الأطفال الذين يمارسون نشاطًا بدنيًا أكثر من المعتاد يعانون من:

  • ضعف في بداية النوم
  • مقاومة وقت النوم
  • وتأخر الاستيقاظ

كما أشارت تقارير إلى أن النشاط البدني القليل أو المفرط له تأثير سلبي على جودة النوم وكميته. ورغم أن نمط الحياة الخامل غالبًا ما يُشار إليه كسبب لهذه المشكلة، إلا أن تأثير الإفراط في النشاط البدني لم يُدرس بشكل كافٍ، مما يدعم احتمال تأثير النشاط البدني المفرط سلبًا كما ظهر لدى المشاركين في الدراسة مقارنة بالمجموعة الضابطة [55].

ويرتبط ذلك أيضًا بفكرة العلاقة بين زيادة النشاط البدني، وفرط السمية الغلوتاماتية كأحد خصائص الدماغ لدى المصابين بالتوحد، واضطرابات النوم كأحد المشكلات المصاحبة، كما دعمت ذلك دراسة Bell وآخرين [56] التي أثبتت العلاقة بين السمية الغلوتاماتية واضطرابات النوم في نماذج الفئران المصابة بـ EcoHIV.

الخلاصة

أظهرت النتائج الأساسية أن الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد أكثر نشاطًا بدنيًا وأقل خمولًا مقارنة بأقرانهم ذوي النمو النمطي.

ومع ذلك، يجب تفسير هذه النتائج بحذر بسبب صغر حجم العينة.

لذلك، هناك حاجة إلى دراسات أكبر وبعينات أوسع لاستكشاف الدور المحتمل لمشاركة الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد. في النشاط البدني على تحسين الإدراك ووظائف الدماغ.

 

المرجع:

Children with Autism Spectrum Disorder Exhibit Elevated Physical Activity and Reduced Sedentary Behavior

https://www.mdpi.com/2076-3425/13/11/1575?utm_source=chatgpt.com