الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

دور المصاداة في تطور لغة الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد

دور المصاداة في تطور لغة الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد

دور المصاداة في تطور لغة الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد

ترجمة: أ. شروق السبيعي 

المصاداة (Echolalia) هي ظاهرة لغوية يتم فيها تكرار كلمات أو عبارات نطق بها الآخرون، وتُعد المصاداة جزءًا طبيعيًا من تطور لغة الأفراد في مراحلهم المبكرة، حيث تساهم في مساعدتهم على اكتساب أنماط الكلام وتنمية مهارات التواصل.

إلا أن استمرار المصاداة بعد المرحلة المتوقعة من النمو اللغوي، أو ظهورها في مراحل عمرية متأخرة، قد يُشير إلى وجود اضطراب عصبي أو نمائي، مثل اضطراب طيف التوحد (ASD).
تتناول هذه المقالة أنواع المصاداة المختلفة، ووظائفها المحتملة في التواصل، ودورها في تطور لغة الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد.

ما هي المصاداة؟

يُشير مصطلح “المصاداة” إلى تكرار الكلمات أو العبارات التي ينطق بها الآخرون. تُعد المصاداة جزءًا من تطور لغة الأفراد الصغار؛ ومع ذلك، إذا استمرت حتى مرحلة البلوغ أو ظهرت في مرحلة لاحقة من الحياة، فقد تُشير إلى وجود حالة مرضية كامنة أو تأخر في النمو.

ما هي أنواع المصاداة؟

يمكن تصنيف المصاداة بشكل منهجي إلى نوعين أساسيين: المصاداة التفاعلية (أو الوظيفية)، والمصاداة غير التفاعلية.

1. المصاداة التفاعلية

يتميّز هذا النوع من المصاداة بمحاولة الأفراد التفاعل والتواصل مع الآخرين من خلال تكرار العبارات التي يسمعونها. ومن الأمثلة على ذلك:

تكرار التحية: على سبيل المثال، قد يرد الأفراد بعبارة “مرحبًا، كيف حالك؟” عندما يحييهم فرد آخر بنفس هذه العبارة.

إتمام الروتين المتكرر: عند حث الأفراد على إنهاء مهمة ما، قد يعبرون عن الموافقة أو التشجيع بقول “عمل رائع!” أثناء إتمام المهمة، حيث سمعوا هذه العبارة التشجيعية سابقًا.

تقديم معلومات جديدة: عند سؤالهم عن تفضيلاتهم للغداء، قد يردد الأفراد لحنًا من إعلان عن لحوم الغداء للتعبير عن رغبتهم في تناول شطيرة.

الطلب: عندما يرغب الأفراد في الحصول على الغداء، قد يرددون عبارة ‘هل تريد الغداء؟’ التي سمعوها سابقًا.

2. المصاداة غير التفاعلية 

على النقيض من المصاداة التفاعلية، تشير المصاداة غير التفاعلية إلى ترديد الكلمات أو العبارات لأغراض غير تواصلية في المقام الأول، وغالبًا ما تستخدم كوسيلة للتحفيز الذاتي أو لتهدئة النفس. ومن الأمثلة على ذلك:

ترديد عبارات غير مرتبطة بالسياق: على سبيل المثال، قد يُكرر الأفراد عبارة “إلى ما لا نهاية وما بعدها!” من فيلم “قصة لعبة” بشكل متكرر خلال اليوم، خاصةً عند شعورهم بالسعادة أو الحماس.

الكلام المرتبط بالمثيرات: قد يقوم الأفراد بغناء لحن إعلاني مرتبط بمنتج معين عند رؤية ذلك المنتج.

التدريب المُسبق على العبارات: قد يُردد الأفراد عبارات بصوت منخفض لأنفسهم قبل الرد على المحادثة، مستخدمين ذلك كوسيلة للتدريب أو التحضير.

الإرشاد اللفظي أثناء أداء المهام: قد يقوم بعض الأفراد بوصف كل خطوة لفظيًا أثناء تحضير شطيرة، كطريقة لتسهيل أداء المهمة.

ما هو سبب المصاداة؟

عادةً ما تختفي المصاداة (Echolalia) بحلول سن الثالثة، لكن في حال استمرارها بعد هذا السن، فقد يدل ذلك على وجود سبب يعزز هذا السلوك. ويمكن أن تستمر المصاداة لأسباب متعددة، وفيما يلي تفصيل لبعض العوامل المسببة لها:

  • اضطراب طيف التوحد (ASD): بالنسبة للعديد من الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد، تُعد المصاداة جزءًا من طريقة تعلمهم للكلام. فقد يكررون ما يسمعونه كوسيلة لفهم اللغة قبل أن يتمكنوا من استخدامها بشكل مستقل وهادف. يمكن اعتبار ذلك نوعًا من “التدريب”.
  • الاضطرابات العصبية: في بعض الأحيان، قد تسهم الاضطرابات مثل إصابات الدماغ، أو السكتات الدماغية، أو متلازمة توريت، في زيادة المصاداة. فهذه الاضطرابات قد تؤثر على قدرة الدماغ في معالجة اللغة أو التحكم في الكلام، مما يؤدي إلى تكرار العبارات.
  • تأخر في النطق أو الإدراك: عندما يواجه الأفراد صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عن أنفسهم، قد يلجأون إلى تكرار ما يقوله الآخرون. 
  • القلق الاجتماعي أو التوتر: قد يستخدم بعض الأفراد المصاداة عندما يشعرون بالقلق أو التوتر في المواقف الاجتماعية. وقد تكون هذه وسيلتهم للتواصل أو لطلب الانتباه، خاصةً إذا لم يكونوا متأكدين من كيفية التعبير عن أنفسهم بطريقة مختلفة.

وعلى الرغم من أن المصاداة قد تكون جزءًا طبيعيًا من تطور اللغة، إلا أنها قد ترتبط أيضًا بعوامل أخرى. وإذا كانت هناك مخاوف بشأن استمرارها، يُنصح الأهل بالحصول على دعم مثل علاج النطق أو غيره من التدخلات المناسبة، مما يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا في تطوير مهارات التواصل.

دور المصاداة في تطور لغة الأفراد المشخص باضطراب طيف التوحد 

تعد المصاداة شائعة لدى الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد وقد تلعب دورًا مهمًا في تطور اللغة لديهم.

1. تطور اللغة في المراحل المبكرة

يتم ملاحظة المصاداة بشكل متكرر في المراحل الأولى من تطور اللغة. إذ يقوم الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد بتكرار الكلمات أو العبارات التي يسمعونها كوسيلة للتدرب واكتساب أنماط اللغة، تمامًا كما يفعل الأفراد الطبيعيين من خلال التمتمة.

2. المعالجة والفهم

تُستخدم المصاداة من قِبل العديد من الأفراد المشخّصين باضطراب طيف التوحد كوسيلة لمعالجة وفهم اللغة، حيث يُساعد تكرار العبارات المسموعة على تعزيز فهمهم لتركيب الجمل ومعاني الكلمات.

3. وسيلة للتواصل

تُعتبر المصاداة أيضًا وسيلة فعالة للتواصل؛ فعلى سبيل المثال، إذا سمع الفرد سؤالًا مثل: “هل أنت جائع؟” ثم كرّر نفس العبارة، فقد يكون ذلك تعبيرًا عن رغبته في الطعام وليس مجرد تقليد للكلام. وغالبًا ما يشجع الأهل هذا النوع من التعبير عندما يفهمون ما يحاول الأفراد إيصاله فعليًا.

4. بناء لغة وظيفية

مع مرور الوقت، قد تتحول المصاداة إلى كلام وظيفي أكثر وعفوي. ومع اكتساب الأفراد مهارات لغوية أكثر تقدمًا، يبدأون في استخدام العبارات المكررة بطريقة أكثر ملاءمة للسياق.

5. التفاعل الاجتماعي

تُساعد المصاداة في تسهيل التفاعل الاجتماعي. من خلال استخدام عبارات مألوفة من الوسائل التكنولوجية أو الحياة اليومية، يمكن للأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد بدء المحادثات أو التفاعل مع الآخرين. ومن المهم أن يعمل الأخصائيين على تشكيل هذا النمط من الكلام ليصبح أكثر فاعلية في التواصل.

6. التنظيم الذاتي

قد يستخدم بعض الأفراد المصاداة كاستراتيجية لتنظيم مشاعرهم أو سلوكهم. فمثلًا، يمكن أن يُساعد تكرار العبارات المطمئنة بعض الأفراد على تهدئة أنفسهم عند الشعور بالقلق أو التحفيز الزائد، كما يستخدمونها كتذكير للإجراءات التي ينبغي عليهم القيام بها في مواقف معينة.

كيفية التعامل مع المصاداة 

في حال كانت المصاداة تُسبب صعوبات في حياة الأفراد، فهناك عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد في تقليلها أو توجيهها لتكون أكثر فاعلية:

1. علاج النطق: يعمل أخصائيي النطق والتخاطب على تعليم الأفراد استخدام الكلمات بشكل هادف ومناسب، ومساعدتهم على الانتقال من التكرار إلى استخدام اللغة بطريقة فعّالة.

2. تعليم التواصل الوظيفي: الهدف هنا هو تمكين الأفراد من التعبير عن ما يحتاجونه فعلًا، بدلاً من تكرار كلام الآخرين. وقد يشمل ذلك استخدام كلمات أو إشارات مباشرة وعملية، بالإضافة إلى ربط الكلمات بالصور، أو الإشارات، أو الاستراتيجيات المساعدة.

3. النمذجة والتشجيع: سواء من قِبل الأهل أو المعلمين أو مقدمي الرعاية، فإن تقديم نموذج لفظي مناسب (ببطء ووضوح) ومنح الأفراد وقتًا للرد، يُساعد في تطوير استخدامهم للغة. كما يُعدّ تعزيز أي محاولة للتواصل الهادف (حتى لو لم تكن مثالية) أمرًا مهمًا في تحفيزهم على الاستمرار.

4. تدريبهم على المهارات الاجتماعية: إذا كانت المصاداة مرتبطة بالقلق الاجتماعي أو صعوبات التفاعل، فإن التدريب على المهارات الاجتماعية يمكن أن يكون فعّالًا. ويشمل ذلك تدريبهم على فهم الإشارات الاجتماعية، وتدريب على مهارة المحادثة، و لعب الأدوار.

5. تقليل القلق: إذا كانت المصاداة تحدث بسبب التوتر أو القلق، فإن التعامل مع المسببات يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. من خلال خلق بيئة هادئة، واستخدام استراتيجيات الاسترخاء، أو تقديم الدعم الإضافي في المواقف الصعبة.

6. استخدام الوسائل البصرية: يستجيب بعض الأفراد بشكل جيد للوسائل البصرية مثل الصور، والإشارات، أو الكلمات المكتوبة، والتي يمكن أن تُساعدهم على التعبير بطريقة أكثر استقلالية، دون الاعتماد على التكرار اللفظي.

من المهم تذكّر أن تغيير المصاداة إلى كلام تواصلي فعّال يتطلب وقتًا وصبرًا، ولكن مع الدعم المناسب، يمكن للأفراد تطوير مهاراتهم اللغوية والتعبيرية بشكل ملحوظ.

الخاتمة

تلعب المصاداة دورًا مهمًا في تطور لغة الأفراد، خاصة الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد، حيث قد تستمر لديهم لفترة أطول مقارنةً بالآخرين. وتُعد المصاداة التفاعلية وسيلة للتواصل والتفاعل الاجتماعي، أما المصاداة غير التفاعلية، فتلعب دورًا في تحفيز الذات أو تهدئتها.

من خلال الفهم الكامل للمصاداة وتقديم الدعم المناسب، يتمكن الأهل والمختصين من مساعدة الأفراد على تطوير اللغة الوظيفية، وفهمهم للغة، وتعزيز مهاراتهم الاجتماعية.

المرجع: 

Echolalia: Understanding Its Role in Language Development for Individuals with Autism

https://www.motivity.net/blog/echolalia-role-in-language-development-for-autism