الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

دعم الصحة النفسية للوالدين: منظور العلاج الوظيفي

 

ترجمة : أ. عبدالله الأحمري

تمثل رحلة الأبوة تجربة استثنائية، لكنها قد تؤثر سلباً على الصحة النفسية.

كمختصين في العلاج الوظيفي، نحن لا نعمل مع الأطفال فحسب، بل مع عائلاتهم أيضاً. نلاحظ كيف يهمل الآباء، وخاصة أولئك الذين يرعون أطفالاً ذوي احتياجات إضافية، صحتهم النفسية.

أهمية دعم الصحة النفسية للوالدين

عندما يشعر الوالدان بالإرهاق أو الإجهاد أو الإنهاك العاطفي، فإن ذلك يؤثر على كل شيء بدءاً من طريقة استجابتهم لطفلهما وصولاً إلى قدرتهما على المشاركة في الحياة اليومية. لا يقتصر دعم الصحة النفسية للوالدين على منع الإرهاق فحسب، بل يتعلق بتمكينهما من أن يكونا حاضرين، ومتقبلين، وواثقين في التفاعلات اليومية.

عندما يحصل الوالدان على الدعم المناسب، يصبحان أكثر قدرة على:
• الاستمتاع باللحظات الصغيرة
• التواصل مع أطفالهم بطرق ذات معنى
• اتخاذ القرارات بوضوح أكبر

كمختصين في العلاج الوظيفي، نأخذ في الاعتبار الصورة الكاملة للحياة الأسرية، بما في ذلك الصحة النفسية والجسدية لمقدمي الرعاية.

 

كيف يدعم أخصائيو العلاج الوظيفي الصحة النفسية للوالدين

يقدم أخصائيو العلاج الوظيفي منظوراً فريداً وعملياً لدعم العائلات. فيما يلي بعض الطرق التي نقدم من خلالها الدعم للصحة النفسية للوالدين:

  1. خلق مساحة لقصة الوالدين
    في جلسات العلاج، نخصص وقتاً لنسأل: “كيف حالك؟” ونستمع بصدق. صوت الوالدين مهم. نادراً ما يجد العديد من الوالدين الوقت أو المساحة للتفكير في تجاربهم الخاصة. من خلال توفير مساحة آمنة لهم للمشاركة، نؤكد على أهمية دورهم وتجربتهم.

الاستماع دون إصدار أحكام يمكن أن يقلل من التوتر ويدعم المعالجة العاطفية. هذه الخطوة البسيطة يمكن أن تساعد الوالدين على الشعور بقدر أقل من العزلة ومزيد من التفهم.

  1. المساعدة في بناء روتينات واقعية ومستدامة

 

تعاني العديد من العائلات التي نعمل معها من محاولة الموازنة بين المواعيد العلاجية، ومتطلبات المدرسة، والمسؤوليات المنزلية، والاحتياجات الفريدة لأطفالهم، كل ذلك أثناء محاولتهم الحفاظ على توازنهم النفسي. يمكن لهذا الأداء المستمر أن يصبح مرهقاً بسرعة، خاصة للوالدين الذين يدعمون طفلاً ذا احتياجات إضافية.

 

نحن كأخصائيي علاج وظيفي نملك موقعاً فريداً لنساعد في بناء روتينات وظيفية مرنة تناسب كل عائلة بشكل فردي. بدلاً من إضافة المزيد من الضغط أو قائمة مهام طويلة، هدفنا هو تقليل التوتر ودعم رفاهية العائلة من خلال التخطيط والتعديل المدروس.

 

نعمل مع العائلات لإنشاء روتينات تشمل:

 

  • لحظات للراحة والتعافي للوالدين، مثل وقت الهدوء، تمارين التنفس، أو فترات راحة مهيكلة. حتى فترات الراحة القصيرة يمكن أن تدعم التنظيم العاطفي.

 

  • فرص للحركة واللعب للطفل، مصممة وفقاً لاحتياجاته الحسية، مرحلته النمائية، واهتماماته.

 

  • أنشطة مشتركة هادفة تعزز التواصل والفرح، مثل الطهي معاً، سرد القصص، المشي في الطبيعة، أو اللعب المناسب حسياً.

 

الأهم من ذلك، أن هذه الروتينات يتم تشكيلها مع العائلة. نأخذ في الاعتبار ما هو واقعي بناءً على قيمهم، مستويات طاقتهم، بيئتهم، وقدراتهم. هذا النهج التعاوني القائم على نقاط القوة يُكرّم هوية كل عائلة ويعزز الاستدامة على المدى الطويل.

عندما تشعر الروتينات اليومية بأنها قابلة للتحقيق ومتوازنة، فإن ذلك يقلل من الشعور بالإرهاق ويساعد على منع الاجهاد. كما يدعم ذلك وجود بيئة منزلية أكثر هدوءاً وترابطاً، وهو أمر حيوي لدعم الصحة النفسية للوالدين وتعزيز جودة الحياة لجميع أفراد الأسرة.

  1. تعزيز الرعاية الذاتية كضرورة وليس خياراً

 

لا تحتاج الرعاية الذاتية إلى أن تكون مبالغاً فيها. نحن ندعم الوالدين لتحديد لحظات صغيرة وهامة لإعادة الشحن خلال يومهم:

 

  • استراحة قهوة هادئة قبل اصطحاب الأطفال إلى المدرسة
  • الاستماع إلى الموسيقى أثناء أداء المهام المنزلية
  • الخروج للحظات لاستنشاق هواء نقي

 

الهدف هو إعادة تصور الرعاية الذاتية كوقود ضروري وليس كرفاهية. نحن ندرك أن إيجاد الوقت صعب، ولكننا نساعد أيضاً في ابتكار طرق إبداعية لجعلها قابلة للتحقيق.

 

  1. تعليم استراتيجيات التنظيم العاطفي

 

العديد من الأدوات التي نستخدمها لمساعدة الأطفال على التنظيم يمكن أن تكون فعالة للوالدين أيضاً. يشمل دعم الصحة النفسية للوالدين:

 

  • تمارين التنفس والتأريض لتقليل التوتر
  • الحركة الجسدية لتخفيف الضغط
  • استراتيجيات حسية لإعادة ضبط وتهدئة الجهاز العصبي

 

نساعد الوالدين في العثور على الاستراتيجيات التي تناسب تفضيلاتهم ووضعهم. على سبيل المثال:

 

استخدام أنشطة الضغط العميق (مثل البطانيات الموزونة)

 

ممارسة الحركة الإيقاعية (مثل المشي أو الرقص)

 

كوسائل لإعادة التوازن العاطفي.

 

  1. تعزيز الوعي العاطفي والتنظيم المشترك

 

يبدأ دعم الصحة النفسية للوالدين غالباً بمساعدتهم على تطوير وعي عاطفي أعمق. كأخصائيي علاج وظيفي، نعمل جنباً إلى جنب مع الوالدين لاستكشاف كيفية ظهور استجاباتهم للتوتر في الحياة اليومية، وما يشعرون به في أجسادهم، وكيف يتفاعلون، وما المحفزات الأكثر شيوعاً في رحلتهم الأبوية.

 

من خلال بناء هذا الوعي، يبدأ الوالدان في التعرف على إشارات جهازهم العصبي، مثل:

  • توتر الكتفين
  • تسارع الأفكار
  • الحاجة إلى الانعزال أو رفع الصوت

 

ويصبحان قادرين على الاستجابة مبكراً باستخدام استراتيجيات لإعادة الضبط. لا يدعم هذا الوالدين فحسب، بل يحسن مباشرة قدرتهما على التنظيم المشترك مع طفلهما في اللحظات الصعبة.

 

  1. توجيه الوالدين نحو الدعم المجتمعي

 

لا يُعد أخصائيو العلاج الوظيفي بديلاً عن المتخصصين في الصحة النفسية، لكننا غالباً ما نكون نقطة اتصال موثوقة للعائلات، حيث يرانا الأهالي بانتظام ويشعرون بالأمان للحديث معنا. هذا يمكننا من توجيه وربط الوالدين بدعم إضافي عند الحاجة.

 

قد يعني دعم الصحة النفسية للوالدين مساعدتهم على إدراك أنهم ليسوا مضطرين لتحمل كل شيء بمفردهم. يمكننا المساعدة من خلال استكشاف أنواع الدعم التي قد تكون مفيدة وتقديم توجيهات واضحة وعملية نحو:

 

  • مجموعات الدعم المحلية أو عبر الإنترنت لمشاركة التجارب وبناء شبكة داعمة
  • المختصين في الصحة النفسية مثل الأطباء النفسيين أو المستشارين
  • الخدمات المجتمعية مثل الرعاية المؤقتة، برامج دعم الأسرة، أو شبكات الدفاع عن الحقوق

 

  1. دعم المناصرة و تقليل الإرهاق

 

بالنسبة للعديد من الوالدين، وخاصة أولئك الذين يتعاملون مع التشخيصات أو دعم المدارس أو إجراءات التأمين، فإن العبء النفسي هائل. يمكن لأخصائيي العلاج الوظيفي:

 

  • تبسيط المعلومات المعقدة إلى خطوات قابلة للتنفيذ، مثل شرح التقارير بلغة واضحة، أو إنشاء خطط زمنية مرئية، أو إعداد قائمة مهام محددة.

 

  • دعم تحديد الأولويات من خلال مساعدة الوالدين على تحديد ما هو الأكثر أهمية لطفلهم وعائلتهم في الوقت الحالي، والتركيز على المجالات الأكثر تأثيراً.

 

  • المشاركة في المناصرة إلى جانب العائلات في الفرق متعددة التخصصات أو المدرسية، من خلال حضور الاجتماعات، أو كتابة خطابات الدعم، أو تدريب الوالدين على التعبير عن احتياجاتهم بثقة.

 

من خلال تقليل العبء المعرفي والعاطفي، نساعد الوالدين على الشعور بمزيد من السيطرة والقدرة على المشاركة في الحياة اليومية. عندما تصبح المناصرة جهداً مشتركاً وليست مسؤولية فردية، يشعر الوالدين بانخفاض القلق، وتحسن الثقة، ووضوح أكبر في اتخاذ القرارات، مما ينعكس إيجاباً على بيئة المنزل الداعمة لنمو الطفل وتطوره.

 

اقتراحات عملية للوالدين

 

إذا كنتَ أحد الوالدين تقرأ هذا، إليك بعض التوجيهات التي يمكنك التفكير فيها:

 

  • ما الشيء الصغير الذي يمكنني القيام به اليوم لدعم صحتي النفسية؟
  • من يمكنني طلب المساعدة منه هذا الأسبوع، سواء كانت مساعدة كبيرة أم صغيرة؟
  • متى كانت آخر مرة قمت فيها بشيء من أجل نفسي فقط؟

 

ذَكّر نفسك: دعم طفلك يعني دعم صحتك النفسية أيضاً.

 

حتى التغييرات الصغيرة، عند تطبيقها باستمرار، يمكن أن تُحدث تحولات ملحوظة في الطاقة، والصبر، والفرح.

 

اقتراحات للمتخصصين في الرعاية الصحية

 

إذا كنتَ أخصائي علاج وظيفي أو متخصصاً في مجال صحي آخر:

 

  • خصص مساحة للسؤال عن تجربة الوالدين خلال جلستك
  • اعترف بتحدياتهم بتعاطف واحترام
  • ابْنِ روتينات وخطط علاجية تأخذ في الاعتبار احتياجات مقدم الرعاية

 

خواطر ختامية

دعم الصحة النفسية للوالدين ليس رفاهية، بل هو أساس لرفاهية الأسرة بأكملها. في العلاج الوظيفي للأطفال، لا نركز فقط على المهارات أو الأهداف الفردية بمعزل عن السياق. نحن ندرك أن الأطفال ينمون و يزدهرون في إطار العلاقات، والروتينات، والبيئات التي يشكلها الأشخاص من حولهم – خاصة مقدمي الرعاية.

يذكرنا منظور التأكيد على التنوع العصبي أنه لا توجد طريقة واحدة “صحيحة” للوجود، أو الأبوة، أو التكيف. لكل عائلة قيمها، واحتياجاتها، وإيقاعاتها الخاصة. دورنا كأخصائيي علاج وظيفي ليس فرض توقعات مثالية، بل الشراكة مع العائلات لخلق استراتيجيات مستدامة وشفافة تُكرم هويتهم، وثقافتهم، ونقاط قوتهم.

عندما نركز على الصحة النفسية للوالدين ومقدمي الرعاية دون إصدار أحكام، نعزز روابط أقوى، ومشاركة أكثر معنى، وشعوراً بالوكالة للجميع في المنزل. لأنه عندما يشعر مقدم الرعاية بالدعم، تستفيد الأسرة بأكملها.

كمختصين في العلاج الوظيفي، نحن في موقع فريد للاستماع بعمق، والرد بتمعن، والسير جنباً إلى جنب مع العائلات بطرق تبني الثقة، والتواصل، والأمل.

 





 

المرجع :

Supporting Parents Mental Health: An OT’s Perspective

https://www.kidlinkeducation.com.au/pages/blog?p=supporting-parents-mental-health-an-ots-perspective