ترجمة : أ. نوره الدوسري
تلعب الصداقات دورًا مهمًا في حياة الأطفال والمراهقين. وتساهم هذه العلاقات في دعم النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال بطرق متعددة، مثل: إدارة المشاعر، الاستجابة لمشاعر الآخرين، الاستماع، حل المشكلات، التعامل مع الخلافات، مشاركة الأدوار والوقت، وتطوير مهارات التواصل. وتزداد أهمية الصداقة بشكل أكبر بعد الانتقال إلى مرحلة المراهقة، حيث يبدأ المراهقون بقضاء وقت أطول مع أقرانهم ووقت أقل مع أسرهم. ولا تعزز الصداقات المهارات الاجتماعية والعاطفية فحسب، بل تُضفي أيضًا شعورًا بالمتعة والراحة. وعندما يتمكّن الأطفال من تكوين الصداقات والحفاظ عليها، فإن ذلك يساهم في تعزيز احترام الذات والثقة بالنفس والكفاءة الاجتماعية، وهي جميعها عناصر محورية في نمو الأطفال وشعورهم بالانتماء داخل مجموعة الأقران.
يؤثر تكوين الصداقات والانتماء إلى مجموعة من الأصدقاء على الصحة النفسية العامة، والتحصيل الدراسي، والسلوكيات العامة، وتقدير الذات. وباعتبار أن التواصل الاجتماعي حاجة إنسانية أساسية، فإن عدم تلبية هذه الحاجة قد يؤدي إلى زيادة التوتر بطرق متعددة، منها القلق والاكتئاب، نتيجةً للرفض أو الإقصاء أو العزلة. ويمكن أن يؤثر الشعور بالنبذ على جودة حياة الأطفال عمومًا، مما يلفت انتباه الوالدين والمعلمين إلى تغيّرات سلوكية مقلقة، وقد يدفعهم إلى طلب مساعدة مختص نفسي لتحديد الحاجة إلى تدخل علاجي مناسب.
من الجوانب الأساسية في القدرة على بناء الصداقات والحفاظ عليها امتلاك الأدوات والمهارات الاجتماعية الضرورية لتنمية هذه العلاقات. ومع ذلك، يواجه العديد من الأطفال والمراهقين المشخّصين باضطراب طيف التوحد صعوبات اجتماعية تجعل من هذا الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لهم. ولهذا فهم بحاجة إلى دعم من الكبار المهمين في حياتهم، مثل الوالدين، ومقدّمي الرعاية، والمعلمين، لتطوير مهارات اجتماعية مختلفة، مثل: بدء المحادثات، والمشاركة في الأنشطة الجماعية مع الأقران، وفهم تعابير الوجه ولغة الجسد، والتكيّف مع البيئات الاجتماعية الجديدة، والتعامل مع اختلاف وجهات النظر، والعثور على أشخاص يشاركونهم الاهتمامات نفسها، وإبداء المرونة خلال الأنشطة التشاركية، والقدرة على فهم ما قد يفكر به أو يشعر به الآخرون.
يمكن للأطفال والمراهقين المشخّصين باضطراب طيف التوحد أن ينجحوا في تكوين الصداقات والحفاظ عليها وتحقيق القبول بين أقرانهم مثل أقرانهم من الأطفال غير المشخصين، لكنهم بحاجة إلى توفير الفرص اللازمة لذلك. ولهذا السبب، توجد استراتيجيات يمكن للوالدين ومقدّمي الرعاية والمعلمين استخدامها لدعم تطوير هذه الصداقات.
نصائح للوالدين ومقدّمي الرعاية:
- عرّفوا أطفالكم على القصص الاجتماعية واستخدموها قدر الإمكان.
يستفيد العديد من الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد من الأدلة البصرية، خصوصًا عند تعلّم مهارة جديدة. تُعدّ القصص الاجتماعية وسيلة فعّالة لتعليم الأطفال كيفية التصرف بشكل مناسب في مواقف معيّنة. فكتابة سيناريوهات مرسومة لأسلوب سير المحادثات يساعد الأطفال على فهم أساسيات الحديث مع صديق.
مورد مقترح: كتاب “The New Social Story Book” يحتوي على أكثر من 150 قصة اجتماعية تُعلّم المهارات الاجتماعية اليومية للأطفال والبالغين المشخّصين باضطراب طيف التوحد وأقرانهم.
- وفّروا فرصًا لأطفالكم للقاء الأقران، مثل ترتيب مواعيد للعب.
ساعدوا أطفالكم على التفاعل مع أطفال آخرين يشاركونهم الاهتمامات ونقاط القوة، من خلال مجموعات اللعب أو الأندية المدرسية أو الأنشطة بعد المدرسة. يمكن سؤال الطفل عمّن يرغب أن يكون صديقًا له في المدرسة، كما يمكن التواصل مع المعلم لمعرفة ما إذا كان هناك أطفال يُظهرون اهتمامًا بالطفل أو لديهم اهتمامات مماثلة. قد يتطلّب الأمر جهدًا أكبر من الأهل لإنجاح هذه اللقاءات، لكنها استثمار هام في التطور الاجتماعي للطفل. - ركّزوا على جودة الصداقات، وليس عددها.
حتى لو كان لطفلكم صديق واحد فقط، فإن ذلك يُعدّ إنجازًا كبيرًا. شجّعوا على استمرار تلك العلاقة، فهي قد تشكّل الأساس لعلاقات مستقبلية أخرى. لا تقارنوا بين تجاربكم أو تجارب أطفال آخرين وبين تجربة طفلكم الخاصة. - علّموا أطفالكم معنى الصداقة.
رغم أن هذا المفهوم يبدو بديهيًا، فإنه من الضروري أن يفهم الأطفال دور الصديق، والغرض من الصداقة، والدور الذي يؤديه فيها. ناقشوا معهم أفكارهم عن الصداقة، وكيف يعرفون أن شخصًا ما صديقهم، وما الصفات التي يمتلكونها كأصدقاء جيدين. احرصوا على أن تكون اللغة واضحة ومباشرة وخالية من المفاهيم المجردة.
نصائح للمعلمين:
- طوّروا معارفكم بأنفسكم.
يشمل ذلك التعرّف على الخصائص التي تسهم في القبول الاجتماعي وتكوين الصداقات، من خلال الدورات التدريبية، أو الاستشارة مع مختصين نفسيين مؤهّلين، أو قراءة كتب ومواد موثوقة، أو التعاون مع زملاء معلمين. يمكن لهذه المعرفة أن تساعدكم على فهم أعمق لاضطراب طيف التوحد وتحدياته الاجتماعية. - أنشئوا مجموعات اجتماعية أثناء الغداء.
تتيح هذه المجموعات فرصًا للأطفال للتواصل مع أقرانهم في بيئة أصغر داخل المدرسة. يمكن من خلالها تعليمهم مهارات تحديد الاهتمامات المشتركة، والمشاركة في محادثات ذات مغزى. يمكن للمعلمين أو المرشدين الاجتماعيين تنسيق هذه المجموعات بهدف دعم مهارات اجتماعية قابلة للتعميم على بيئات أخرى. - شجّعوا على الأنشطة الجماعية.
احرصوا على إشراك الطلاب في مجموعات لعب أو أنشطة تعليمية تشاركية. يمكن أيضًا تنظيم مجموعات ثنائية أو ثلاثية داخل الفصل لتعزيز التواصل الاجتماعي. - أنشئوا نظام “الرفيق الإيجابي”.
عند إقران الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد بزملاء واثقين اجتماعيًا، فإن ذلك يساعدهم على تعلّم كيفية تكوين الصداقات، والتفاعل في أوقات الفراغ، والامتثال للقواعد الاجتماعية. يمكن تطبيق هذا النظام أثناء التنقل في الممرات، أو وقت الاستراحة، أو في الفترات غير المنظمة.
والأهم من ذلك كله، أن يجعل الوالدان والمعلمون دعم الأطفال في السياقات الاجتماعية ممتعًا.
إذا شعروا الأطفال أن تكوين الصداقات عمل شاق، فسيميل إلى تجنّب التفاعل. لذا، قدّموا الدعم بشكل ممتع ولعبوي ما أمكن، لأن تكوين الصداقات ليس سهلًا دائمًا، وقد يكون مرهقًا بشكل خاص للمشخّصين باضطراب طيف التوحد.
المراجع :
Strategies to Help Children with Autism Spectrum Disorder Build Friendships





