ترجمة : أ. نوره الدوسري
المقدمة
اضطراب طيف التوحد هو حالة نمو عصبي متنوعة تتميز بظهور مبكر لصعوبات التواصل الاجتماعي والتبادلي، إضافة إلى نطاق محدود من الاهتمامات والسلوكيات المتكررة. يبلغ معدل انتشار اضطراب طيف التوحد حوالي 1% من السكان، ويكون أعلى بين الذكور بنسبة وسطيّة 4.2 ذكور لكل أنثى. يتميز اضطراب طيف التوحد بتنوعه الظاهري والوراثي، وبالتالي يختلف مستوى الشدة بشكل واسع حسب معدل الذكاء، الوظائف التكيفية، والاضطرابات العصبية المصاحبة أو المشكلات السلوكية المصاحبة. يميل الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد إلى تطوير مشاكل طبية ونفسية أكثر من عامة السكان، ربما بسبب وجود آليات ممرضة مشتركة مرتبطة بالأنماط السريرية المختلفة.
تُعد الاضطرابات النفسية المصاحبة شائعة جدًا بين المشخصين باضطراب طيف التوحد، حيث يعاني حوالي 70% من وجود اضطراب واحد على الأقل، و41% لديهم اضطرابان أو أكثر. تتأثر شدة الأعراض بشكل كبير بحدة أعراض اضطراب طيف التوحد والاضطرابات النفسية والطبية المصاحبة. تشمل الاضطرابات النفسية الأكثر شيوعًا القلق، الاكتئاب، اضطرابات طيف الفصام، اضطراب الوسواس القهري، اضطرابات الأكل، اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، والإعاقة الذهنية.
حتى الآن، لا يوجد علاج دوائي أثبت فعاليته في تقليل أعراض اضطراب طيف التوحد الأساسية، ولم يتم تطوير أي دواء يستهدف الأعراض الجوهرية لاضطراب طيف التوحد. على مدى العقود الأخيرة، جُربت عدة أدوية في تجارب عشوائية محكمة دون أن تُظهر فرقًا مقارنةً بالدواء الوهمي، مثل: الأوكسيتوسين، البالوفابتان، الميمانتين، الفلوكستين، والبويميتانيد. في الممارسة السريرية، يُستخدم العلاج النفسي الدوائي بشكل واسع لمعالجة الأعراض المصاحبة، حتى وإن كانت الأدلة على فعاليته وقابليته للتحمل محدودة في بعض الحالات. في الولايات المتحدة، يتلقى حوالي 60% من المشخصين باضطراب طيف التوحد أدوية نفسية، من بينهم ثلثهم يتلقى أكثر من دواء في نفس الوقت. الأريبيبرازول والريسبيريدون هما الدواءان الوحيدان المعتمدان من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لأعراض اضطراب طيف التوحد.
اختلال تنظيم العاطفة، الانفعالية والعدوان
اختلال تنظيم العاطفة والانفعالية شائع بين الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد، وقد يظهر على شكل عدوان نحو الذات أو الآخرين، نوبات غضب، تقلبات مزاجية سريعة، ويؤثر على الأداء التكيفي العام، لدى الأطفال والبالغين. بسبب ضعف الوعي العاطفي، وانخفاض الكفاءة في اللغة العاطفية، والمرونة المحدودة، والحساسية العالية للتغيرات البيئية، يكون الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد عرضة بشكل خاص لاختلال تنظيم العاطفة. قد يظهر حوالي 68% من المشخصين باضطراب طيف التوحد سلوكيات عدوانية أو إيذاء الذات، وفقًا لتقارير أولياء الأمور. يمكن أن تؤدي الانفعالية والعدوان إلى آثار شخصية واجتماعية كبيرة، مثل ضعف الأداء الوظيفي، زيادة الضغط الأسري، والحاجة لوضع الأفراد في مرافق متخصصة.
مضادات الذهان غير التقليدية
أظهرت الميتا-تحليلات أن الأريبيبرازول والريسبيريدون هما الأكثر فعالية في الحد من الانفعالية والعدوان، مع أكبر حجم تأثير وأدنى معدل للمرضى المطلوب علاجهم (NNT). أكثر الآثار الجانبية شيوعًا للأريبيبرازول هي الأكاتيزيا، وللريسبيريدون زيادة الوزن، مع توثيق آثار جانبية تصل إلى 61% و77% على التوالي. لا يزال استخدام مضادات الذهان الأخرى مثل الكويتيابين، الزيبراسيدون، والباليبيريدون محدودًا من حيث الأدلة، رغم استخدامها السريري الشائع.
مضادات الذهان من الجيل الأول
تظل خيارات مثل الهالوبيريدول والكلوربرومازين متاحة في الحالات المقاومة للعلاج، مع ضرورة مراقبة الآثار الجانبية خارج الهرمية (extrapyramidal).
الكانابيديول (CBD)
أظهرت بعض الدراسات المفتوحة والمراجعات الأولية فعالية محدودة للكانابيديول في الحد من الانفعالية، مع آثار جانبية شائعة تشمل النعاس وقلة الشهية.
مضادات الصرع وأدوية أخرى
اختُبرت أدوية مثل الفالبروات والـ N-Acetylcysteine (NAC) وأظهرت نتائج إيجابية محدودة في تقليل الانفعالية وفرط النشاط. كما أظهرت الكلونيدين بعض الفوائد ولكن مع أدلة محدودة.
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
يعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من أكثر الحالات المصاحبة لاضطراب طيف التوحد شيوعًا بنسبة تصل إلى 21%. أظهرت الأدلة أن الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد وADHD يستجيبون جيدًا لعلاج الميثيلفينيدات والأتوموكستين وبعض مضادات الذهان غير التقليدية والمنشطات الأدرينالية ألفا-2، مع ضرورة البدء بجرعات منخفضة وزيادتها تدريجيًا لتجنب الآثار الجانبية.
التشنجات واضطراب توريت
تعد التشنجات واضطراب توريت اضطرابات نمو عصبي شائعة في المشخصين باضطراب طيف التوحد. يمكن أن تظهر الحركات التكرارية السريعة أو الصوتية، ويصعب أحيانًا التفريق بين الحركات النمطية والتشنجات. أظهرت الأبحاث فعالية محدودة للأريبيبرازول والريسبيريدون وبعض الأدوية الأخرى، مع الحاجة لمزيد من الدراسات عالية الجودة.
القلق
القلق من أكثر الاضطرابات المصاحبة لاضطراب طيف التوحد شيوعًا، بمعدلات تتراوح بين 35-75% لدى الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد. أظهرت بعض الدراسات فعالية محدودة لبعض مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (SSRIs) مثل السيترالوبرام والفلوكستين في الحد من أعراض القلق، بينما كانت الأدلة على الفعالية لدى الأطفال والبالغين محدودة ومضطربة.
الاكتئاب
يعد الاكتئاب من أكثر المشكلات النفسية المصاحبة شيوعًا، حيث يكون احتمال التعرض له أربع مرات أعلى مقارنة بالأفراد ذوي التطور العصبي الطبيعي. يمكن أن تظهر أعراض الاكتئاب بأشكال غير نمطية لدى المشخصين باضطراب طيف التوحد، مما يزيد من صعوبة التشخيص. الأدلة على فعالية العلاجات الدوائية، بما في ذلك SSRIs وSNRIs، محدودة، مع بعض الفوائد لمضادات الذهان غير التقليدية مثل الريسبيريدون والميثيلفينيدات في بعض الحالات.
اضطرابات النوم
تعد مشاكل النوم شائعة جدًا لدى الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد بنسبة تصل إلى 80%. أظهرت الدراسات فعالية الميلاتونين، سواء بمفرده أو مع تدخلات سلوكية، في تحسين مدة النوم وتقليل فترة التأخر في النوم، مع نتائج واعدة للعلاج طويل الأمد. كما أظهرت بعض الدراسات فعالية الكلونيدين والكلونازيبام، لكن مع آثار جانبية محتملة ومحدودية الأدلة.
اضطراب الوسواس القهري والسلوكيات القهرية
تتراوح نسبة ظهور أعراض الوسواس القهري بين المشخصين باضطراب طيف التوحد بين 17-37%. يصعب أحيانًا التمييز بين السلوكيات النمطية لدى اضطراب طيف التوحد والوسواس القهري، حيث تكون الأخيرة غالبًا غير مرغوبة (ego-dystonic)، بينما تكون سلوكيات ذوي اضطراب طيف التوحد عادة ممتعة (ego-syntonic). أظهرت بعض الدراسات فعالية محدودة لمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (مثل الكلوميبرامين) وبعض SSRIs مثل الفلوكستين والفلوفوكسامين في الحد من السلوكيات النمطية والوسواسية، مع ضرورة توخي الحذر بسبب الآثار الجانبية.
المرجع :
Pharmacological treatments in autism spectrum disorder: a narrative review :





