رحلتي مع ابني
بقلم: أ. عبير المغربي
أم لبطل من أبطال التوحد
بدأت قصتي منذ أن رُزقت بطفل اسمه أحمد وهو الرابع في الترتيب ولم يكن لدينا أي معرفة عن الاضطرابات والإعاقات التي تصيب الأطفال حتى لاحظت على طفلي أحمد عند بلوغه السنة الثانية، عدم الاستجابة للنداء وضعف في التواصل البصري وعدم التفاعل مع إخوته أو الأطفال الآخرين في عمره من الأقارب وبحكم دراستي الجامعية في تخصص الإعاقة السمعية، اعتقدت أن السبب الرئيسي هو ضعف السمع فاتجهت إلى طلب استشارات في مجال السمع واتضح لي أن ابني لا يستجيب للتعليمات.
لجأت إلى المختصين من أطباء وأخصائيين في مجالات متعددة حتى انتهى مشوار البحث عن تشخيص المشكلة أن ابني لديه اضطراب طيف التوحد ،وهنا كانت الصدمة .
في هذه المرحلة بدأت البحث في أماكن مختلفة في أمل أن أجد تشخيص مختلف فلم يكن هناك عيادات أو مراكز توعوية وتوجيه وإرشاد للأسر حيال التعرف على حالة طفلي بالطريقة الصحيحة.
تم إلحاقه بأحد المراكز ولكن لم يتم التعامل مع الحالة بالمستوى المطلوب فقد طُلب مني مرارًا وتكرارًا إعطاء ابني عقار من أجل جلوسه في المركز رغم المتابعة مع طبيب مختص فقد كان المركز يفتقر إلى الطريقة المناسبة لاحتواء الأسرة وتوجيه الأمهات إلى الطريق الصحيح، مما زاد من تدني حالتي النفسية.
كنت خبرتي قليلة آنذاك الوقت وكانت تلك السنوات أصعب مرحلة مررت بها في مشواري مع أحمد فكنت أتجنب الاندماج في المجتمع واكتفيت بالانعزال لتجنب نظرات الشفقة أو الاستياء لعدم قدرتي على السيطرة على نوبات الغضب أو التعديل من سلوكياته الغير صحيحة .
بدأت بالاعتماد على مجهودي الشخصي بالتعمق في عالم اضطراب طيف التوحد والتحقت وسجلت بدورات عديدة من ضمنها دورات في مجال النطق والتخاطب ومحاضرات في التكامل الحسي وقرأت مقالات طبية بعد ترجمتها ،فساعدني ذلك في زيادة المعرفة والتعمق في تفاصيل عالم اضطراب طيف التوحد فانعكس ذلك على معرفتي للتعامل الصحيح مع سلوكياته الغير مقبولة وتحويلها إلى سلوكيات مقبولة .
اتضح لي أن تأهيل طفلي عبارة عن برنامج متكامل مترابط من نواحي عديدة وأن الجانب الدوائي جزء يسير من برنامج كبير خاص باضطراب طيف التوحد وليس الأمر الوحيد .
الأمر الذي غير اهتمامي إلى البحث الواسع في مجال اضطراب طيف التوحد، بدأت بالتركيز على المهارات الاستقلالية التي تدعم جانب الاعتماد على الذات مثل استخدام دورة المياه ولبس الملابس وتفريش الأسنان والاستحمام والأكل بمفرده والمساعدة داخل المنزل وغيرها من المهام وساعدني في ذلك استخدام الصور وتحليل المهام، وعمل الجلسات الفردية المنزلية، أيضًا قمت بإعداد الخطط التدريبية وكان ذلك بمساعدة مدربته في أحد المراكز التدريبية التي التحق بها أحمد.
فبدأت مع أحمد من الأسهل مثل الطلب ،التسمية ،مهارات اللعب والتدرج إلى الأصعب مثل مهارات الإدراك، التقليد والمحاكاة مع التقييم المستمر لما اكتسبه وتعميم ذلك في البيئة الطبيعية.
حاولت أيضا أن أفهم وظيفة السلوكيات الغير مقبولة التي تصدر من أحمد فبدأت معه بالتدخل القبلي في فهم الدوافع والمثيرات القبلية التي تسبب هذه المشكلات السلوكية.
حيث اتضح أن مثل هذه البرامج تحتاج إلى توسيع دائرة التدريب داخل وخارج المنزل على سبيل المثال في الأماكن العامة مثل إدراك الخطر وطريقة الجلوس الصحيحة في السيارة و طريقة اللعب الصحيح مع الأطفال في الألعاب و السيطرة على الاندفاعية لديه تجاه ما يراه أو ما يريده لذلك اضفت أهداف جديدة إلى خطة التأهيل تكون مناسبة له .
فالحمد لله الذي وفقني لتحقيق نجاحات ترضيني ولازلت في بداية المشوار فمثل أي أم لدي مخاوف مستقبلية عند تخطي ابني سن البلوغ فلا يوجد حتى الآن مراكز أو معاهد أو أندية أو معاهد مهنية خاصة للبالغين من ذوي اضطراب طيف التوحد مما أثر سلبيًا على مخاوف كثير من الأسر تجاه مستقبل أبنائهم.
واتضح لي أن تأهيل طفلي عبارة عن برنامج متكامل مترابط من نواحي عديدة وان الجانب الدوائي جزء يسير من برنامج كبير خاص باضطراب طيف التوحد وليس الأمر الوحيد. الأمر الذي غير اهتمامي إلى البحث الواسع في مجال اضطراب طيف التوحد. و الآن في طريقي للحصول على رخصة مشرف مؤهل وممارس لخدمات التوحد QASP في تحليل السلوك التطبيقي لأهميته في تأهيل سلوكيات طفلي إلى السلوكيات المناسبة للاندماج في المجتمع ،وأطمح أن يكون لدي مركز لمساعدة أطفال ذوي الهمم في التأقلم مع الحياة وتجاوز العقبات ومساندة أُسرهم بتقديم النصح والدعم المعنوي والنفسي لأن الأسرة اللبنة الأساسية لمساعدة الطفل واحتوائه.
بعد تجربة مليئة بالصعوبات والانجازات وتوفيق من الله ثم مساندة أسرتي ومشاركتهم، أنا اليوم أم قوية مساندة لابني واقرانه من أطفال اضطراب طيف التوحد في رحلة تأهيلهم وتمكينهم نحو مستقبل أفضل، وداعمة للأسر بالإرشاد والتوجيه المناسب .