ترجمة : أ. نوره الدوسري
السلوكيات التكرارية هي سمة شائعة لاضطراب طيف التوحد (ASD). ومن المهم أن يكون لدى الآباء ومقدمي الرعاية فهم واضح لهذه السلوكيات من أجل إدارتها بشكل فعّال ودعم المشخّصين باضطراب طيف التوحد. في هذا القسم، سيتم تناول ماهية السلوكيات التكرارية ودورها في اضطراب طيف التوحد.
ما هي السلوكيات التكرارية؟
تشير السلوكيات التكرارية، والتي تُعرف أيضًا بالسلوكيات النمطية أو سلوكيات التحفيز الذاتي، إلى مجموعة من الأفعال أو الحركات التي يتم تكرارها على مدار الوقت. يمكن أن تتخذ هذه السلوكيات أشكالًا متعددة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- رفرفة اليدين
- تأرجح الجسم
- نقر الأصابع
- إصدار أصوات متكررة
- اهتمام مفرط بمواضيع أو أشياء محددة
من المهم أن نلاحظ أن ليس كل السلوكيات التكرارية سلبية أو مزعجة. فقد تكون بعض هذه السلوكيات وسيلة للمشخّصين باضطراب طيف التوحد لتنظيم أنفسهم ذاتيًا، أو طلب التحفيز الحسي، أو التأقلم مع القلق أو التوتر. ومع ذلك، عندما تعيق هذه السلوكيات الأداء اليومي أو تشكل خطرًا على السلامة، يصبح من الضروري التعامل معها وإدارتها بشكل فعّال.
دور السلوكيات التكرارية في اضطراب طيف التوحد
تلعب السلوكيات التكرارية دورًا معقدًا في التوحد. وبينما لم يتم فهم السبب الدقيق لهذه السلوكيات بشكل كامل بعد، تشير الأبحاث إلى أنها قد تؤدي وظائف متعددة لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد. ومن الأدوار المحتملة لهذه السلوكيات:
- التنظيم الذاتي: يمكن أن تساعد السلوكيات التكرارية المشخّصين باضطراب طيف التوحد في إدارة عواطفهم وتجاربهم الحسية. قد توفر الأفعال التكرارية شعورًا بالراحة والقدرة على التنبؤ، مما يخفف من القلق ويساعد على التهدئة الذاتية.
- التحفيز الحسي: يعاني العديد من المشخّصين باضطراب طيف التوحد من اختلافات في معالجة المحفزات الحسية. وقد تكون السلوكيات التكرارية وسيلة للحصول على مدخلات حسية معينة أو تجنبها. على سبيل المثال، قد توفّر رفرفة اليدين تحفيزًا بصريًا أو لمسيًا، بينما قد يساعد تأرجح الجسم على تنظيم المدخلات الدهليزية.
- التواصل والتعبير: في بعض الحالات، قد تكون السلوكيات التكرارية وسيلة للتواصل أو التعبير لدى الأفراد ذوي المهارات اللفظية المحدودة. وقد تنقل هذه السلوكيات حاجة معينة أو مشاعر معيّنة، لذلك من المهم التعرف عليها وفهمها في السياق المناسب.
إن فهم الأسباب الكامنة وراء السلوكيات التكرارية أمر بالغ الأهمية لوضع استراتيجيات فعّالة في الإدارة والدعم. ومن خلال الاعتراف بوظيفة هذه السلوكيات، يمكن للآباء ومقدمي الرعاية الاستجابة بشكل أكثر فعالية لاحتياجات ذويهم المشخّصين باضطراب طيف التوحد.
إدارة السلوكيات التكرارية
تُعد إدارة السلوكيات التكرارية بشكل فعّال أمرًا ضروريًا لرفاهية المشخّصين باضطراب طيف التوحد وجودة حياتهم. من خلال فهم أهمية الإدارة الجيدة وتطبيق استراتيجيات مناسبة، يمكن للآباء ومقدمي الرعاية مساعدة هؤلاء الأفراد على الازدهار في حياتهم اليومية.
أهمية الإدارة الفعالة
تؤدي السلوكيات التكرارية وظائف متعددة، منها التنظيم الذاتي أو التواصل أو التحفيز الحسي. وعلى الرغم من أن بعضها قد لا يكون ضارًا، إلا أن بعضها الآخر قد يتداخل مع الأنشطة اليومية، والتفاعلات الاجتماعية، وفرص التعلم.
يمكن للإدارة الفعالة أن تُسهم في:
- تحسين التركيز والانتباه: من خلال تقليل السلوكيات التكرارية المزعجة، يستطيع المشخّصون باضطراب طيف التوحد التركيز بشكل أفضل والمشاركة في أنشطة ذات مغزى.
- تعزيز التفاعلات الاجتماعية: تؤدي إدارة السلوكيات التكرارية إلى تحسين التفاعل الاجتماعي من خلال تقليل عوامل التشتت وزيادة قدرة الفرد على التفاعل مع الآخرين.
- زيادة المشاركة في التعلم: يساعد الحدّ من السلوكيات التكرارية المشخّصين على المشاركة النشطة في الأنشطة التعليمية وتحقيق أقصى استفادة من قدراتهم.
- تعزيز الصحة النفسية والعاطفية: من خلال تقليل القلق والإحباط المرتبط بهذه السلوكيات، يمكن تعزيز الراحة النفسية والهدوء الداخلي.
استراتيجيات إدارة السلوكيات التكرارية
توجد عدة استراتيجيات فعالة يمكن تطبيقها لإدارة هذه السلوكيات، مع الأخذ في الاعتبار أن ما يصلح لفرد قد لا يكون فعالًا مع آخر، وقد يتطلب الأمر تجربة عدة طرق للعثور على الأنسب.
1. الدعائم البصرية
توفر الدعائم البصرية مؤشرات بصرية وهيكلًا روتينيًا يساعد المشخّصين باضطراب طيف التوحد على تقليل القلق وزيادة القدرة على التنبؤ. ومن هذه الدعائم:
- الجداول البصرية: تُعرض فيها الأنشطة أو المهام بشكل متسلسل باستخدام الصور أو الرموز أو الكلمات. تساعد على فهم التوقعات وتعزز التنظيم.
- المؤقتات البصرية: تُظهر مرور الوقت بشكل مرئي، وتساعد في الانتقال بين الأنشطة وتقليل التوتر المرتبط بالزمن.
- القصص الاجتماعية: تُستخدم لشرح المواقف أو السلوكيات الاجتماعية المتوقعة باستخدام نصوص وصور، مما يُحسّن الفهم والاستجابة في المواقف الاجتماعية.
2. الاستراتيجيات الحسية
تركز هذه الاستراتيجيات على تلبية احتياجات النظام الحسي لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد، وهو ما قد يكون سببًا في بعض السلوكيات التكرارية. ومن هذه الاستراتيجيات:
- النظام الحسي اليومي (Sensory Diet): خطة فردية تتضمن أنشطة حسية مثل التأرجح أو الضغط العميق، يتم دمجها في الروتين اليومي بهدف التنظيم الذاتي.
- فترات الراحة الحسية: أوقات مخصصة للقيام بأنشطة حسية تساعد على الاسترخاء وتقليل فرط التحفيز.
- تقنيات الضغط العميق: مثل البطانيات الثقيلة أو الملابس الضاغطة، توفر ضغطًا مهدئًا يساعد على التنظيم الحسي.
3. الاستراتيجيات السلوكية
تركز هذه الاستراتيجيات على تعديل السلوك من خلال التعزيز الإيجابي، واستبدال السلوكيات، وتعديل البيئة. ومن بين هذه الأساليب:
- التعزيز والمكافآت: تقديم مكافآت للسلوكيات المرغوبة يحفز الأفراد على تقليل السلوكيات التكرارية.
- السلوكيات البديلة: تعليم سلوكيات جديدة تقوم بنفس وظيفة السلوك التكراري، ولكن بشكل أكثر ملاءمة، مثل استخدام الإشارات أو الكلمات للتعبير بدلًا من رفرفة اليدين.
- تعديل البيئة: من خلال تقليل المحفزات الحسية أو المشتتات، وتهيئة بيئة هادئة ومنظمة تسهّل التحكم في السلوكيات.
توجيه السلوكيات التكرارية نحو أنشطة هادفة
بالإضافة إلى الإدارة، يمكن توجيه هذه السلوكيات نحو مجالات بناءة ومفيدة من خلال:
تحديد الاهتمامات ونقاط القوة
يساعد اكتشاف اهتمامات الفرد على دمجها في روتينه اليومي. فإذا كان لدى الفرد اهتمام خاص بالموسيقى مثلًا، يمكن توجيه السلوك التكراري إلى أنشطة موسيقية، مما يدعم تطوره العاطفي والمعرفي.
تشجيع الإبداع
الأنشطة الفنية مثل الرسم أو الكتابة أو الرقص يمكن أن توفر متنفسًا إيجابيًا للسلوكيات التكرارية، وتساعد على التعبير عن الذات بشكل صحي وممتع.
الأنشطة المنظمة والروتين
يساعد التنظيم والروتين اليومي على تقليل التوتر ويمنح الأفراد شعورًا بالأمان. إدراج أنشطة متنوعة وجاذبة ضمن جدول يومي واضح، واستخدام الوسائل البصرية لدعمه، يسهّل الانتقال بين الأنشطة ويقلل من فرص ظهور السلوكيات التكرارية.
الخلاصة
إن فهم السلوكيات التكرارية وإدارتها لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد يتطلب وعيًا بوظائفها وأسبابها، وتطبيق استراتيجيات فعالة تستند إلى التخصيص والاحترام لاحتياجات الفرد. من خلال مزيج من الدعائم البصرية، والاستراتيجيات الحسية والسلوكية، وتوجيه الاهتمامات، يمكن تحقيق بيئة داعمة ومتعاطفة تعزز النمو والرفاهية.
المرجع:
Repetitive Behaviors and Autism: Managing and Channeling:
https://www.goldenstepsaba.com/resources/repetitive-behaviors-and-autism?utm_source=chatgpt.com





