الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

كيفية تعليم مهارات التقليد للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد

ترجمة: أ. نوره الدوسري

 

 استراتيجيات ورؤى لتطوير مهارات التقليد لدى الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد

 

يُعدّ التقليد مهارة أساسية تمثّل حجر الأساس في تعلّم الأطفال وتطوّرهم الاجتماعي والتواصلي. فهو وسيلة جوهرية يتعلّم من خلالها الأطفال الملاحظة، والمحاكاة، والتفاعل مع العالم من حولهم. وبالنسبة للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد، فإنّ وجود صعوبات في التقليد يمكن أن يؤثّر بشكل كبير على قدرتهم على التعلّم والتفاعل الاجتماعي. لذا، تتناول هذه المقالة مجموعة من الاستراتيجيات والأساليب الفعّالة لتعليم مهارات التقليد لهؤلاء الأطفال، موضّحة الأهمية النمائية لهذه المهارة وكيفية تعزيزها ضمن برامج التدخل السلوكي التطبيقي (ABA).

 

البدء بتدريب مهارات التقليد

عند تعليم الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد مهارات التقليد، من المفيد البدء بالتقليد باستخدام الأشياء (Object Imitation). في هذه المرحلة، يُستخدم توجيه واضح مثل قول: “افعل مثل هذا”، مع عرض حركة بسيطة كأن يضع الأخصائي مكعبًا في كوب. يساعد استخدام مجموعتين متطابقتين من الأدوات على تركيز الطفل في تقليد الفعل نفسه بدقة.

استخدام النمذجة والتلقين (Prompts)

تبدأ العملية عادة بإستخدام التلقين الجسدية مثل التوجيه الجسدي (Hand-over-Hand)، لمساعدة الأطفال على أداء الفعل بشكل صحيح. ومع مرور الوقت، تُخفّف هذه التلقين تدريجيًا، وهو ما يُعرف بـ “تلاشي التلقين” (Prompt Fading)، حتى يتمكن الأطفال من أداء السلوك بشكل مستقل. هذا التدرّج يُسهم في تعزيز الاستقلالية والثقة بالنفس لدى الأطفال.

أهمية التعزيز

يُعد التعزيز عاملاً رئيسًا في عملية التعلّم. فالثناء الفوري والتشجيع الإيجابي يُحفّزان الأطفال على التكرار والمشاركة. يمكن أيضًا إدخال الأنشطة الممتعة والتفاعلية، مثل اللعب بالألعاب المفضّلة، لربط التقليد بتجارب إيجابية ممتعة تعزّز الدافعية نحو التعلم.

التدرج من الأفعال البسيطة إلى المعقدة

بعد أن يتمكّن الأطفال من تقليد الأفعال البسيطة بالأدوات، يمكن الانتقال تدريجيًا إلى تقليد الحركات الكبرى (Gross Motor Imitation) ثم الدقيقة (Fine Motor Imitation). من المهم أن تُقسّم المهارات إلى خطوات صغيرة متتابعة، وأن تكون الجلسات قصيرة وحيوية للحفاظ على انتباه الأطفال. كما يُستحسن دمج التقليد في الأنشطة اليومية، مثل الأكل أو ارتداء الملابس، لجعل التعلم جزءًا طبيعيًا من الحياة اليومية.

الجانب

التفاصيل

الملاحظات

نقطة البداية

البدء بتقليد الأفعال باستخدام أدوات متطابقة

جعل النشاط ممتعًا لتجنّب الإحباط

أساليب النمذجة

استخدام توجيهات واضحة ودعومات بدنية

تقليل التلقين تدريجيًا لزيادة الاستقلالية

التعزيز

الثناء والتشجيع الفوري

التجارب الإيجابية تعزز الاستمرارية

التعلم المتدرج

الانتقال من الأفعال البسيطة إلى المعقدة

دمج المهارات في الروتين اليومي



أنشطة ممتعة لتعزيز التقليد

تنمية مهارات التقليد تتطلّب بيئة تفاعلية محفزة، ولذلك يمكن للأخصائيين والأهالي استخدام مجموعة من الأنشطة الممتعة والمناسبة لعمر الأطفال:

  • ألعاب الأصوات: يمكن البدء بألعاب تبادلية مثل إصدار أصوات بسيطة والانتظار لمعرفة ما إذا كان الطفل سيحاول تقليدها. يمكن أيضًا استخدام أصوات الحيوانات لتشجيع التقليد بطريقة مشوقة.

  • اللعب أمام المرآة: تشجيع الأطفال على تقليد تعابير الوجه أو الحركات المضحكة أمام المرآة، مما يعزز الوعي الذاتي ويجعل التعلم ممتعًا.

  • الروتين اليومي: إدماج التقليد أثناء الأنشطة اليومية كتناول الطعام أو ارتداء الملابس يعزز فرص التعلّم الطبيعي.

  • الألعاب التفاعلية: ألعاب مثل “سيمون يقول” (Simon Says) تساعد على تعليم الاستجابة للتعليمات والتقليد في سياق ممتع.

  • الاحتفال بالنجاح: الثناء الفوري عند نجاح الأطفال في التقليد يخلق دافعية قوية ويعزز ثقتهم بنفسهم.

تساعد هذه الأنشطة على جعل التدريب أكثر متعة وواقعية، مما يزيد من استعداد الأطفال للمشاركة والتعلم.

 

دور التقليد في النمو لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد

يمثل التقليد حجر الزاوية في نمو المهارات الاجتماعية والتواصلية للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد. إذ تشير الأبحاث إلى أن مستوى مهارات التقليد يُعدّ مؤشرًا مهمًا على تطوّر التواصل المقصود واللغة. الأطفال الذين يواجهون صعوبات في التقليد قد يتأخرون في التواصل أو في فهم الإشارات الاجتماعية، مما يؤثر سلبًا على تعلمهم الأكاديمي والاجتماعي.

أهمية التدخل المبكر

تؤكد الدراسات على أن التدخلات المبكرة القائمة على تحليل السلوك التطبيقي (ABA) تُسهم بشكل كبير في تعزيز مهارات التقليد. فعلى سبيل المثال، استخدام الألعاب المحبّبة للطفل يجعل عملية التعلّم أكثر تحفيزًا. كما أظهرت الأبحاث الحديثة أن استخدام الروبوتات الاجتماعية مثل “QTrobot” يُعدّ وسيلة فعّالة لتدريب التقليد لدى بعض الأطفال الذين يشعرون بالتوتر أثناء التفاعل البشري، مما يعزز مشاركتهم وثقتهم.

 

خطوات تنفيذ تدريب التقليد

  1. تحديد المعززات المناسبة: يبدأ التدريب بتحديد ما يُحفّز الأطفال ويثير اهتمامهم — سواء كان لعبة مفضلة، أو نشاطًا ممتعًا، أو مدحًا لفظيًا.

  2. تقديم التعليمات بوضوح: يجب جذب انتباه الأطفال أولًا، ثم تقديم نموذج واضح للفعل المطلوب، مثل التصفيق أو الإشارة.

  3. استخدام التلقين والمكافآت: في حال صعوبة التقليد، يمكن استخدام التوجيه اليدوي أو الجسدي، مع تعزيز فوري بعد كل محاولة ناجحة.

  4. التكرار والممارسة: تكرار التدريب بشكل منظم يعزز التعلّم، مع تقليل الدعم تدريجيًا لتحقيق الاستقلالية.

تطبيق هذه الخطوات يعزّز من كفاءة التقليد ويسهم في بناء أساس قوي للتعلّم الاجتماعي والتواصلي.

 

أهمية التقليد كمهارة نمائية أساسية

التقليد ليس مجرد مهارة تعلم، بل هو وسيلة للتواصل والتفاعل وفهم الآخرين. فالأطفال الذين يكتسبون مهارات تقليد متقدمة يكونون أكثر قدرة على التعلم من بيئتهم وعلى بناء علاقات اجتماعية طبيعية. في المقابل، ضعف التقليد يمكن أن يؤدي إلى فجوات في النمو اللغوي والمعرفي. لذا، يُعد تعزيز التقليد في مراحل مبكرة من أهم أهداف التدخل العلاجي للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد.

تُظهر برامج تحليل السلوك التطبيقي (ABA) فعالية كبيرة في هذا المجال، إذ تستخدم أساليب منظمة مثل التعليم التجريبي المنفصل (DTT) والتدريب الطبيعي (NET) لتعليم التقليد بطريقة منهجية وفعالة.

 

استراتيجيات عملية لتعزيز مهارات التقليد

  1. التقليد التبادلي (Contingent Imitation): يمكن للأخصائي أن يبدأ بتقليد حركات الطفل نفسه، مما يشجعه على رد التقليد بشكل تفاعلي ممتع.

  2. دمج اللعب في التدريب: استخدام الألعاب المفضلة (مثل السيارات أو المكعبات) يجعل الجلسات أكثر جذبًا ويزيد من تكرار المحاولات الناجحة.

  3. الدمج في الروتين اليومي: يمكن تعزيز التقليد أثناء الأنشطة اليومية كتناول الطعام أو ترتيب الملابس، مما يساعد على تعميم المهارة.

  4. الاستفادة من التكنولوجيا: إدخال الروبوتات التعليمية يوفر بيئة منظمة ومتكررة، مما يقلل القلق ويعزز القدرة على التركيز والتقليد.

الجمع بين التعليم المنفصل (DTT) والاستراتيجيات الطبيعية يتيح توازنًا بين التنظيم والمرونة، ويُسهم في اكتساب المهارات الاجتماعية واللغوية.




الاتجاهات الحديثة في تعليم مهارات التقليد

تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ الدمج بين التعليم التجريبي المنفصل وتقنيات التقليد التبادلي يُظهر نتائج واعدة في تطوير مهارات التقليد لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. كما تبيّن أن الأطفال الذين يمتلكون قدرات تقليد مبدئية جيدة يحققون مكاسب أسرع وأكثر ثباتًا.

في المقابل، يواجه الأطفال المشخّصون باضطراب طيف التوحد تحديات متكررة في تقليد الأفعال ضمن المواقف الاجتماعية. لذا، فإنّ اعتماد أساليب تعتمد على تفاعل الطفل وقيادته للموقف يخلق بيئة أكثر استجابة وطبيعية للتعلم. إضافةً إلى ذلك، أظهرت التقنيات الحديثة مثل الروبوتات التعليمية فاعلية عالية في تحسين التعاون وتقليل القلق أثناء التدريب.

تتجه الأبحاث المستقبلية نحو تصميم برامج أكثر تخصيصًا تراعي الفروق الفردية بين الأطفال، مع توسيع استخدام التكنولوجيا لخلق بيئات تعلم أكثر تحفيزًا ومرونة.

 

بناء أساس قوي من خلال مهارة التقليد

إنّ تطوير مهارات التقليد لدى الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد يمثّل مدخلًا جوهريًا لبناء القدرات الأخرى في مجالات التواصل، والتفاعل الاجتماعي، والتعلّم المعرفي. ومع تطبيق استراتيجيات فعّالة، وأنشطة ممتعة، وأساليب تعليمية مبتكرة، يمكن لهؤلاء الأطفال تحقيق تقدم ملحوظ يمكّنهم من التفاعل مع بيئتهم بشكل أكثر فاعلية. إنّ تعزيز التقليد في مرحلة مبكرة لا يسهم فقط في تحسين المهارات الاجتماعية، بل يضع حجر الأساس لتطور لغوي ومعرفي شامل، مما يجعل هذه المهارة محورًا رئيسًا في برامج التدخل السلوكي الحديثة.



المرجع : 

 

How to Teach Imitation Skills to Children with Autism: 

http://precisionfamilytherapy.com/post/how-to-teach-imitation-skills-to-children-with-autism