
توجيه سلوك طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد
ترجمة: أ. شروق السبيعي
من الطرق التي تساعد الطفل على تعلّم السلوكيات المرغوب فيها، هي توجيه السلوك؛ إذ يُعد ذلك أحد الركائز الأساسية في مساعدته على التمييز بين الصواب والخطأ، وفهم ما يُعد سلوكًا مقبولًا اجتماعيًا ومرغوبًا فيه. ومع ذلك، فإن توجيه سلوك الطفل المشخص باضطراب طيف التوحد ليس بالأمر السهل، ويتطلب قدرًا كبيرًا من الصبر.
قد يكون تطبيق استراتيجيات توجيه السلوك أمرًا صعبًا، وغالبًا ما يتطلب من الآباء التعامل مع سلوكيات غير مرغوب فيها من خلال فرض عقوبات مناسبة. ويزداد هذا التحدي عند توجيه سلوك طفل مشخص باضطراب طيف التوحد، نظرًا لأن العديد من الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد يواجهون صعوبة في فهم إشارات التواصل الاجتماعي غير اللفظية، مثل تعابير الوجه. ومع ذلك، فإن توجيه السلوك ممكن.
لماذا تعتبر القواعد والانضباط مهمة للطفل المشخص باضطراب طيف التوحد؟
بصفتنا بالغين، تُعدّ قواعد المجتمع أمرًا مهمًا لأنها توجهنا في حياتنا اليومية. وتزداد قدرتنا على التفاعل عندما ندرك كيف تؤثر تصرفاتنا على الآخرين، مما يجعلنا أكثر وعيًا بكيفية نظر الآخرين إلينا.
من المهم تعليم الطفل المشخَّص باضطراب طيف التوحد القواعد، لأن غيابها قد يجعل تجربته في العالم أكثر توترًا ويثير لديه مشاعر القلق. فهو يدرك العالم من حوله بطريقة مختلفة، وقد يكون هذا الإدراك مخيفًا أحيانًا. لذا فإن تعليمه القواعد وتطبيق أساليب انضباط واضحة يساعده على بناء فهم أعمق لكيفية عمل العالم من حوله، مما يعزز قدرته على التكيّف. كما أن معرفته بقواعد الحياة تُنمّي شعوره بالاستقلالية مع تقدمه في العمر، وتمكّنه من فهم ما هو متوقَّع منه في المجتمع وفي المواقف الاجتماعية المختلفة.
أظهرت الأبحاث أن الطفل المشخص باضطراب طيف التوحد يواجه صعوبات في التعرف على الإشارات التي تظهر على الوجه والإشارات الواضحة والبارزة.كما أنه يواجه صعوبة في تعلّم القواعد المجردة وتطبيقها، ويجد صعوبة في التكيف معها بمرونة.
بالإضافة إلى ذلك، أفاد العديد من الآباء أن أطفالهم المشخصين باضطراب طيف التوحد يظهرون سلوكيات مثل التمرد على التعليمات، والعناد، والعدوانية. وقد تؤثر هذه السلوكيات سلبًا على الأداء الأكاديمي للأطفال، وتسبب مشاكل في العلاقات الأسرية، كما تعيق نموهم الاجتماعي وتطورهم.
عندما يتعلم الأطفال القواعد ويدركون معناها بوضوح، يسهم ذلك بشكل ملحوظ في تطوير سلوكهم؛ فكلما ازداد وعيهم بالقواعد والتزامهم بها، أصبح سلوكهم أكثر إيجابية. أما إذا لم يلتزموا بها أو أظهروا سلوكًا غير مرغوب فيه، فيمكن حينها تطبيق أساليب انضباط تربوية مناسبة تساعدهم على التعلم وتطوير سلوكهم مستقبلاً.
كيف يمكنني توجيه سلوك طفلي المشخص باضطراب طيف التوحد؟
أولاً، من المهم أن ندرك أن توجيه سلوك الطفل لا يعني بالضرورة اللجوء إلى العقاب الجسدي، مثل الضرب. فالكثير من المتخصصين والآباء لا يؤيدون استخدام العقاب البدني، خاصة مع الطفل المشخص باضطراب طيف التوحد، لأنه في الغالب لا يدرك سبب تعرّضه للضرب، ويكون الألم هو الشعور الوحيد الذي يميزه في تلك اللحظة.
إذا كان الطفل يمر بضائقة نفسية، فقد يؤدي العقاب الجسدي إلى زيادة شعوره بالضيق أو القلق. كما أنه إذا كان الطفل يؤذي نفسه أحيانًا، فقد يعزز الضرب هذا السلوك، أو يجعله يعتقد أن إيذاء الآخرين أمر مقبول عندما يشعر بالغضب أو عدم الرضا عن تصرفاتهم.
في نهاية المطاف، بصفتك من الآباء، أنت الأعلم بطفلك وبما يناسبه، مما يجعلك الأقدر على اختيار الأساليب التربوية الفعّالة والمناسبة له. تذكّر أن الهدف من توجيه السلوك هو مساعدة طفلك على فهم ما هو مقبول وما هو غير مقبول، لكي يتمكن من التفاعل بشكل إيجابي مع محيطه في حياته اليومية.
فيما يلي بعض الأفكار التي يمكن أن تساعدك في توجيه سلوك طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد.
استراتيجيات توجيه سلوك الطفل المشخص باضطراب طيف التوحد
عند التعامل مع المشاكل السلوكية، من المهم دائمًا فهم ما يحاول طفلك التعبير عنه من خلال هذا السلوك؛ وهذا أمر بالغ الأهمية خصوصًا للطفل المشخص باضطراب طيف التوحد غير الناطق. فليس كل سلوك يشير إلى رفض القواعد أو رغبة في إلحاق الضرر، بل قد يكون في بعض الأحيان وسيلة للفت الانتباه والتعبير عن الحاجة إلى أن يُسمع ويُفهم.
وفيما يلي بعض أفكار الانضباط التي يمكنك أخذها بعين الاعتبار في المنزل:
الانتباه لسلوك لفت الانتباه:
- قد يلجأ بعض الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد إلى سلوك غير مرغوب فيه بهدف لفت انتباهك. في هذه الحالة، حاول تجاهل السلوك؛ فقد يتفاعل طفلك مع حساسيتك لهذا السلوك ويستمر فيه للحصول على رد فعلك.
فهم الاحتياجات الحسية لطفلك:
- كثير من الأطفال المشخصين باضطراب طيف التوحد يظهرون حساسية متفاوتة تجاه المدخلات الحسية؛ فبعضهم يتفاعل بشكل مفرط مع المحفزات، في حين يُبدي آخرون استجابة ضعيفة. وقد يلجأ الطفل إلى القيام بسلوك غير مرغوب فيه إلى حد معين كرد فعل لتلبية هذه الاحتياجات، والتي قد تكون السبب الرئيسي في ظهور هذا السلوك. في هذه الحالات، من الأفضل الانتباه إلى المحفزات التي تُثير السلوك، والعمل على تعديل البيئة المحيطة بدلاً من التركيز فقط على أساليب الانضباط.
غيّر طريقة تفكيرك:
- قد يكون هذا الأمر صعبًا للغاية، خاصة عندما تكون تعيش اللحظة الحالية وتواجه ضغوطك الخاصة. ومع ذلك، فإن الصبر ضروري لفهم احتياجات طفلك ومساعدته.
تعليم الطفل أن لكل سلوك عواقب:
- السلوك المرغوب يُكافأ، أما السلوك غير المرغوب فيه فيؤدي إلى عواقب مثل حرمانه من لعبته المفضلة أو تطبيق تأديب مناسب. القيام بتطبيق نظام مكافآت في المنزل يساعد طفلك على تعلم القواعد والالتزام بها.
الثبات في التوجيه:
- لكي يتحول السلوك إلى عادة، يجب أن يتكرر. كن ثابتًا في توجيه سلوك طفلك، ومع مرور الوقت سيُدرك ما هو مقبول وما هو غير مقبول، مما يؤدي إلى التغيير المنشود. لذا، استمر على نفس النهج.
ما يجب تجنبه عند توجيه سلوك طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد
تجنب استخدام النبرات القاسية
- عندما يكون طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد مستيقظًا، قد يؤدي التحدث إليه بنبرة عدوانية إلى تفاقم الموقف، خاصةً إذا كان يعاني من صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية، مما قد يزيد من عدوانيته.
تجنب العقاب الجسدي لطفلك
- قد يعبر طفلك عن ضيقه أو ألمه بسلوك غير مفهوم، أو يحاول جذب انتباهك بطريقة غير ملائمة.
تجنب الأشياء المؤذية عند توجيه سلوك طفلك
- إذا كان طفلك عرضة لإيذاء نفسه، فقد يمسك بأي شيء يمكن أن يستخدمه لذلك. لذا، كن يقظًا أثناء توجيه سلوك طفلك وتأكد من خلو بيئته من أي أشياء قد تشكل خطرًا محتملاً.
تطبيق مبادئ تحليل السلوك التطبيقي (ABA) لتوجيه السلوك
يقدم تدخل تحليل السلوك التطبيقي (ABA) مجموعة من الاستراتيجيات التي تهدف لتغيير السلوك غير مرغوب فيه إلى سلوك مرغوب فيه، مما يؤثر بشكل إيجابي على تصرفاتنا اليومية. يعتمد تحليل السلوك التطبيقي على فهم “سبب” السلوك لتحديد الدوافع الكامنة وراءه، بالإضافة إلى التركيز على “كيفية” التدخل باستخدام استراتيجيات فعّالة لتوجيه السلوك وتحويله إلى سلوك مرغوب.
يُعد نموذج “ABC” في تحليل السلوك التطبيقي حجر الأساس في تطبيق استراتيجيات تغيير السلوك، خاصة عند توجيه سلوك الطفل المشخص باضطراب طيف التوحد. ويرمز هذا الاختصار إلى: “السوابق”، و”السلوك”، و”النتائج”. فالسوابق تشير إلى الأحداث أو الظروف التي تسبق السلوك مباشرة، أما السلوك فهو الفعل القابل للملاحظة، في حين تمثل النتائج ما يحدث بعد السلوك ويؤثر على احتمالية تكراره. ومن خلال فهم العلاقة بين هذه العناصر، خاصة التعرف على السوابق بدقة، يصبح من الأسهل التنبؤ بنتائج السلوك والعمل على تغييره بفعالية.
باستخدام مبادئ نموذج “ABC”، يكون الأب أو الأم في وضع أفضل للاستجابة للمواقف وتعليم الطفل الاستجابة المناسبة قبل حدوث السلوك غير مرغوب فيه، مما يُساعد الطفل على التكيّف و الاستجابة بشكل أفضل عند مواجهة التحديات.
وعند النظر إلى نموذج “ABC”، فإن عنصر النتائج يتضمن عاملين رئيسيين: التعزيز والعقاب.
ويُستخدم التعزيز من خلال تقديم مكافأة بعد أن يقوم الطفل بسلوك مرغوب فيه، مما يزيد من احتمالية تكرار هذا السلوك.
أما العقاب، فيتمثل في إزالة المكافأة عند حدوث سلوك غير مرغوب فيه، مما يقلل من احتمال تكراره.
تلخيص
عند توجيه سلوك طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد، فكّر في السلوكيات التي تود أن يكتسبها طفلك ويكررها.، وكذلك في السلوكيات غير التكيفية أو غير المرغوب فيها التي تحتاج إلى تغييرها. الهدف من توجيه السلوك هو تطوير سلوك مرغوب فيه اجتماعيًا لدى طفلك المشخص باضطراب طيف التوحد، وإيجاد استراتيجيات يفهمها. لذلك، من المهم العمل من منظور طفلك؛ أي إذا كان لا يفهم سوى التعليمات البسيطة، فيجب أن يكون توجيهك للسلوك واضحًا ومفهومًا.
مع أن مصطلح “توجيه السلوك” قد يكون غير مألوف في البداية، إلا أنه يُعد بالغ الأهمية عند تربية طفل مشخص باضطراب طيف التوحد. فعندما يكتسب الطفل مهارات الانضباط، يصبح أكثر قدرة على فهم القواعد الاجتماعية وتطبيقها بشكل فعّال.
ومع ذلك، فإن البداية دائمًا تكون بفهم أسباب سلوك طفلك؛ فبعض السلوكيات تهدف إلى لفت الانتباه، بينما تنشأ بعض السلوكيات الأخرى نتيجة تحديات داخلية يحاول الطفل التعبير عنها.
استمع لاحتياجات طفلك، وعدّل استراتيجيات توجيه السلوك بما يتناسب معها. تذكّر أن طفلك يفكر ويشعر تمامًا كما يفعل أي طفل آخر؛ قد تختلف فقط طريقة تعبيره عن مشاعره، لكنه يظل قادرًا على ذلك. فالنمو عملية تتطلب وقتًا وجهدًا وصبرًا، فلا تيأس.
المرجع:
Disciplining Your Autistic Child: The Ultimate Guide
https://www.autismparentingmagazine.com/disciplining-autistic-child/