
الإثراء البيئي: مفهومه وفوائده وطرق تنفيذه
ترجمة: أ. شروق السبيعي
بأبسط عبارة، يشير الإثراء البيئي إلى وجود العديد من الأنشطة الممتعة والمثيرة للاهتمام التي يمكن للفرد القيام بها والتفاعل معها. وبالرغم من أن هذا التعريف يختصر الفكرة، إلا أنه لا يكفي لتكوين مقالة متكاملة. لذلك، سنستعرض في هذه المقالة مفهوم الإثراء البيئي بشكل أعمق، مع إبقاء هذا التعريف البسيط في ذهنك أثناء القراءة.
ما هي البيئة؟
يعتمد المتخصصون في تحليل السلوك التطبيقي (ABA) على مفهوم واسع لمصطلح “البيئة”، يشمل كل ما يمكن أن يتفاعل معه الفرد، من المحفزات الخارجية إلى الأحاسيس الجسدية وحتى الأفكار. فالإنسان يتفاعل مع بيئته باستمرار طوال اليوم، من تشغيل صنبور الماء، إلى اختيار، وتحضير، وتناول الإفطار، وصولًا إلى الاستماع إلى الراديو.
دعونا نأخذ مثالًا بسيطًا عن البيئة المألوفة ونحلل المثال من منظور سلوكي: تخيل أنك في حديقة. قد تجد هناك مراجيح، زحاليق، مراجيح طويلة، أعمدة التسلق، دعائم تسلق وغيرها من الألعاب. هذه الحديقة تمثل بيئة مليئة بما يُعرف في علم السلوك بـ”المحفزات”. فكل عنصر في البيئة يمتلك خصائص فريدة: رؤية الزحاليق تعتبر محفزًا بصريًا، ولمسها يُعد محفزًا لمسيًا، بينما الإحساس بالحركة أثناء التزحلق يُعتبر محفزًا حسيًا. وحتى التفكير فيما تريد فعله داخل الحديقة أو الحديث الذاتي في ذهنك يُعرف بـ”الحدث الخاص”. وفقًا لتحليل السلوك التطبيقي، تُعد كل هذه التجارب جزءًا من بيئة الفرد.
يتفاعل الإنسان مع بيئته من خلال عدة جوانب، تشمل الحركي، الحسي، العقلي، وهذا ما يبرز أهمية التعرف على هذه التفاعلات لفهم السلوك البشري وتحليله بدقة وعمق.
الحركي
يستطيع الفرد استخدام جسده للتفاعل مع البيئة المحيطة به. على سبيل المثال، يمكنه الجلوس على الأرجوحة ودفع نفسه للأمام، أو الإمساك بصنارة صيد وإلقاء الطُعم في الماء، أو السباحة في البحر، أو المشي على الشاطئ. بشكل عام، يفضل الفرد القيام بأنشطة جسدية تمثل تحديًا ممتعًا له، بشرط ألا تكون شديدة الصعوبة. ومن الجدير بالذكر أن تفضيلات الفرد تختلف؛ فكل فرد يستمتع بأنشطة معينة، وغالبًا ما يفضل مستوى معينًا من التحدي البدني يتناسب مع قدراته.
القدرات العقلية
يتفاعل الإنسان مع بيئته ليس فقط من خلال حركاته الجسدية، بل أيضًا من خلال قدراته العقلية. يمكن للفرد أن يخطط لتحضير وجبة العشاء، أو ينظم مسيرته الأكاديمية، أو يحل مشكلة في بيئته من خلال التفكير في حلول مبتكرة، أو حتى يحلّ أحجية بسيطة مثل لعبة الكلمات المتقاطعة. بشكل عام، يميل الإنسان إلى الاستمتاع بالتحديات العقلية التي تثير تفكيره، بشرط ألا تكون معقدة أو صعبة بشكل مفرط. تختلف طرق التفكير من شخص لآخر، إذ يفضل كل فرد مستوى خاصًا من التحدي العقلي يتناسب مع طريقة تفكيره.
الإدراك الحسي
يختبر الفرد بيئته من خلال أحاسيسه. كل ما يفعله يجعله يشعر بشيء ما. عندما يأخذ نفسًا عميقًا، أو يرتب شعره، أو يتناول وجبة كبيرة، أو يصرخ من الفرح، أو يصرخ من الغضب. هذه المشاعر التي يشعر بها في جسده يمكن أن تكون إما ممتعة أو مزعجة. يميل الفرد إلى القيام بالأشياء التي يشعر بها بالراحة ويتجنب الأمور التي تسبب له عدم الراحة، فالتجربة الحسية تختلف من فرد لآخر.
ما هي فائدة الإثراء البيئي؟ وهل يستحق الجهد المبذول من أجله؟
من المفترض أن تكون فوائد الإثراء البيئي واضحة الآن، ولكن هل تستحق أن نبذل الجهد من أجله؟
الدراسات في مجال تحليل السلوك التطبيقي وعلم الأعصاب أثبتت أن الإثراء البيئي يمكن أن تحسّن الصحة النفسية وتخفض من شعور التوتر (Francis وآخرون، 2002).
كيف أُثري بيئتي؟
إثراء البيئة يعني تزويد البيئة بمجموعة متنوعة من الأنشطة المحفزة والممتعة، سواء كانت جديدة تثير الفضول أو مألوفة تمنح شعورًا بالراحة، ويمكن التفاعل معها جسديًا أو ذهنيًا. قد يتخذ ذلك أشكالًا متعددة، لكن كبداية بسيطة، فكر في مكانك المفضل الذي تقضي فيه وقتًا ممتعًا — ما الذي يجعله ممتعًا بالنسبة لك؟
غالبًا ما يكون سبب المتعة في هذا المكان هو احتواؤه على أنشطة متنوعة يمكنك التفاعل معها، سواء كانت جديدة تثير الفضول، أو مألوفة تجلب لك الراحة، وتعرف تمامًا كيفية الاستمتاع بها. يمكنك استخدام هذا المكان كنموذج بسيط لما يمكن أن تكون عليه البيئة المُثرية.
الإثراء البيئي يعني توفير بيئة يشعر فيها الفرد بالأمان والتقدير، وتتيح له العديد من الفرص لتجربة أنشطة يحبها ويستمتع بها. وقد يتطلب ذلك بعض التجربة والخطأ لاكتشاف الأنشطة المناسبة وتحقيق التوازن الذي يلائم كل فرد، ولكن الجهد المبذول يستحق العناء. إليك بعض النصائح لتحقيق ذلك:
تجديد القديم (جعل الأشياء القديمة جديدة)
إحدى الطرق الفعالة لإثراء البيئة هي التعامل مع الأشياء المألوفة بطرق مبتكرة أو إظهار جانب جديد من شيء يحبه الفرد ولم يكن يلاحظه من قبل. إليك بعض الأمثلة:
هل جربت يومًا أن تصنع مركبة فضائية باستخدام صندوق كرتون الغسالة؟ أو أن تبني شيئًا جديدًا باستخدام مكعبات الليغو أو أي نوع من المكعبات؟ هل حدث أن أخذت شيئًا ليس هاتفًا وتظاهرت بأنك تجري مكالمة؟ هذه أمثلة رائعة على كيفية استخدام أشياء مألوفة بطرق مبتكرة، مما يجعل البيئة أكثر متعة وتفاعلًا.
هل سبق لك أن علمت أحدهم كيفية القيام بشيء ما؟ مثل ربط الحذاء، أو تسجيل الدخول إلى نظام العمل، أو إعداد شطيرة؟ إن التفاعل بين فردين أثناء تعلم شيء جديد، أو اكتشاف جانب جديد في شيء مألوف، يمكن أن يكون تجربة ممتعة ومثرية لكل من المتعلم والمعلم.
كن داعمًا أو معلقًا على الأنشطة التي يقوم بها الفرد
إحدى الطرق الأخرى لإثراء البيئة هي استخدام لغة تحفيزية وممتعة. ببساطة، يمكنك مشاركة الفرد لحظاته من خلال وصف أفعاله وتشجيعه بطريقة ممتعة ومشوقة. على سبيل المثال، إذا كنت في الحديقة، يمكنك أن تصف كل حركة يقوم بها الفرد أثناء تجربته، مما يضيف الحماس والحياة للتجربة. إنها فرصة رائعة لتكون المعلق على مغامرة الفرد. على سبيل المثال، إذا كان الفرد يلعب على الزحليقة، يمكنك إثراء البيئة بقولك: “أراك تتسلق الزحليقة بسرعة! ها أنت تنزل الآن! يا لها من لحظة ممتعة، يبدو أنك تستمتع حقًا!
الخلاصة
الفكرة الرئيسية هي أن تقدم مجموعة من الأنشطة الممتعة والمثيرة في بيئة الفرد، ثم تشاركه في بعض منها. ستكون أنت الراوي والمرشد أثناء اكتشاف الفرد لما يحدث حوله ويتفاعل مع عناصر بيئته. من الأمور الرائعة و المجزية حقًا أن تدخل عالم فرد ما، وتساعده على اكتشاف الجمال والمتعة فيه. نتمنى لك رحلة ملهمة في إثراء بيئات من حولك!
المرجع: