تدريب الأفراد على مهارة الطلب باستخدام نهج تحليل السلوك التطبيقي (ABA)
بقلم: أ. شروق السبيعي
المقدمة:
يُعد التواصل أمرًا مهمًا في نمو الأفراد وتفاعلهم مع محيطهم، حيث تبرز مهارة ‘الطلب’ كإحدى اللبنات الأساسية في بناء هذا التواصل، خاصة لدى الأفراد الذين يواجهون صعوبات في المهارات اللغوية والاجتماعية، مثل الأفراد المشخصين باضطراب طيف التوحد. وفي تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، تُعتبر مهارة الطلب (Mand) من أهم المهارات التي يتم العمل على تطويرها، لما لها من دور محوري في خفض السلوكيات غير المرغوب فيها وتعزيز التواصل الوظيفي.
ما هي مهارة الطلب (Mand)؟
مهارة الطلب هي قدرة الأفراد على التعبير عن رغباتهم أو احتياجاتهم بطريقة مفهومة ومناسبة للآخرين. يمكن أن تكون طريقة الطلب لفظية (مثل قول “أريد ماء”)، أو غير لفظية (مثل الإشارة أو استخدام الصور أو الأجهزة المساعدة للتواصل).
تختلف هذه المهارة عن بقية أشكال التواصل لأنها مرتبطة مباشرة بدافعية الأفراد، حيث أنها نابعة من رغبة حقيقية، مما يجعل التدريب عليها أسهل وأسرع في كثير من الأحيان.
أهمية مهارة الطلب في تحليل السلوك التطبيقي (ABA)
- توجيه سلوك غير مرغوب فيه إلى سلوك مرغوب فيه:
عندما يتعلم الأفراد كيفية طلب ما يريدون بطريقة مناسبة، فإن ذلك يساعد على خفض السلوكيات غير المرغوب فيها، مثل الصراخ أو البكاء أو السلوك العدواني. بدلاً من قيامهم بسلوك البكاء عندما يرغبون في الحصول على الحلوى، يمكنهم الإشارة إلى صورتها أو طلبها باستخدام كلمة بسيطة.
- دعم التواصل الفعّال:
يُعد الطلب شكلًا من أشكال التعبير الوظيفي الذي يُعزز من التفاعل بين الأفراد ومقدمي الرعاية أو المعلمين. ومع تطور هذه المهارة، يصبح الأفراد أكثر قدرة على التعبير عن رغباتهم، مما يُقلل من سوء الفهم ويزيد من فرص التفاعل الإيجابي.
- تعزيز الاستقلالية:
كلما زادت قدرة الأفراد على التعبير عن احتياجاتهم، قلّ اعتمادهم على الآخرين في تلبية هذه الاحتياجات. وهذا يعزز شعورهم بالقدرة والسيطرة على بيئتهم، وهو أمر أساسي في تنمية الشعور بالثقة بالنفس.
- تقليل مشاعر الإحباط:
الأفراد الذين لا يستطيعون التواصل بشكل فعّال قد يشعرون بالإحباط، مما يؤدي إلى ظهور مشاكل سلوكية. عندما يتعلم الأفراد كيف يطلبون بوضوح، يقلّ شعورهم بالإحباط لأنهم يحصلون على ما يريدون بطريقة أسهل وأكثر فاعلية.
الطرق المختلفة لتدريب الأفراد على مهارة الطلب:
- الطلب باستخدام الكلمات (Verbal Requesting):
- يُستخدم مع الأفراد الذين لديهم مهارات لغوية أو في طور تطويرها.
- يتم البدء بناء على مستوى كل طفل، فقد يبدأ التدريب بكلمة واحدة مثل “ماء”، “باب”، “ماما”، ثم الانتقال إلى تدريبهم على جُمل مثل: “أريد عصير”.
- تُعد هذه الطريقة طبيعية أكثر من غيرها، وغالبًا ما تكون هي الهدف النهائي للتدريب، لأن استخدام الكلام في التعبير يُعتبر الطريقة الأكثر كفاءة واستقلالية في التواصل، ولا يتطلب أدوات أو وسائل مساعدة.
مثال تطبيقي:
طفل يشير إلى الثلاجة. نقول له ” عصير”، فإذا قال “عصير” أو حتى أصدر صوتًا مقاربًا، نقدم له العصير مباشرة.
- الطلب باستخدام الإشارات (Gestural Requesting):
- يُستخدم عندما لا يكونون الأفراد ناطقين.
- توفر هذه الطريقة وضوح في التواصل والتفاعل مع من حولهم.
مثال تطبيقي:
طفلة غير ناطقة ترغب في الحصول على لعبتها المفضلة الموجودة على رف مرتفع. يقوم الأخصائي بمساعدتها جسديًا على الإشارة، ثم يُعطيها اللعبة. يتم تكرار فرص التدريب حتى تربط بين السلوك والحصول على المعزز.
- الطلب من خلال نظام التواصل باستخدام تبادل الصور (PECS – Picture Exchange Communication System):
- طريقة بصرية للطلب، خاصة للأفراد الذين يواجهون صعوبات شديدة في النطق أو الإدراك.
- يبدأ النظام باستخدام صورة واحدة، ثم يتطور تدريجيًا إلى تكوين جمل باستخدام صور.
مثال تطبيقي:
طفل يصرخ للحصول على طعامه المفضل. في المرحلة الأولى من نظام PECS، يتم تدريبه على تسليم بطاقة تحتوي على صورة طعامه المفضل للأخصائي، ومن ثم يتم تسليم الطعام له فورًا.
- الطلب باستخدام الأجهزة المساعدة (AAC Devices):
- مناسبة للأفراد ذوي الإعاقات الجسدية غير ناطقين أو الأفراد غير ناطقين.
- تشمل أجهزة إلكترونية أو تطبيقات تحتوي على رموز وصور وأصوات.
مثال تطبيقي:
يتم تدريب طفل غير ناطق على استخدام جهاز لوحي والضغط على زر عليه صورة ماء، ويصدر الجهاز كلمة “ماء”. وبعدها يتم تسليمه كوب ماء مباشرة.
خطوات تدريب الأفراد على مهارة الطلب باستخدام نهج تحليل السلوك التطبيقي (ABA)
- تحديد المعززات المفضلة:
ابدأوا بتحديد ما يحبّه الأفراد فعليًا (حلوى، لعبة، نشاط). لا يُمكن تدريب الأفراد على مهارة الطلب دون وجود دافع.
- خلق مواقف طبيعية للتدريب:
ضعوا المعزز في مكان مرئي ولكن بعيد عن متناول الأفراد. انتظروا حتى يُبدي الأفراد اهتمامًا، مثل النظر إلى المعزز أو محاولة الوصول إليه.
- استخدام التلقين المناسب:
بناءً على مستوى الأفراد، استخدموا التلقين المناسب، سواء كان لفظي أو إيمائي أو جسدي. على سبيل المثال، إذا أردتم منهم أن يقولوا “عصير”، يمكنكم بدء نطق الحرف الأول أو قول الكلمة بالكامل، ثم انتظار استجابة الأفراد بتكرار نفس الكلمة.
- التعزيز الفوري:
قدموا المعزز مباشرة بعد قيام الأفراد بالمحاولة الصحيحة، حتى ولو لم تكن صحيحة 100%. يساعد التعزيز الفوري في تكرار السلوك المرغوب فيه.
- تلاشي التلقين بشكل تدريجي (Prompt Fading):
مع تكرار الفرص التدريبية قوموا بتخفيف المساعدة تدريجيًا حتى يتمكن الأفراد من قيامهم بالسلوك بشكل مستقل.
- التعميم:
دربوا الأفراد على نفس المهارة مع أشخاص مختلفين، وفي أماكن وظروف مختلفة. هذا يساعد على تثبيت السلوك المرغوب فيه وزيادة فعاليته.
في الختام:
إن تدريب الأفراد على مهارة الطلب لا يُعد خطوة فحسب نحو تطوير تواصلهم، بل هو نقطة تحول في حياتهم اليومية، حيث يمنحهم القدرة على التعبير عن رغباتهم وخفض المشاكل السلوكية والانفعالية التي قد يواجهونها. من خلال استخدام استراتيجيات تحليل السلوك التطبيقي بشكل منهجي ومدروس، يمكن للآباء والمعلمين والمختصين فتح باب واسع أمام الأفراد نحو التفاعل الإيجابي والاستقلالية.
أسئلة شائعة من أولياء الأمور:
- لماذا نبدأ بتعليم مهارة الطلب قبل المهارات الأخرى؟
لأنها ترتبط مباشرة بالاحتياجات اليومية، وتُحقق للأفراد نتائج سريعة وملموسة. كما أنها تُعد مدخلًا طبيعيًا لبناء باقي المهارات التواصلية والاجتماعية. - ماذا نفعل إذا عبر أطفالنا عن رغبتهم من خلال البكاء بدلًا من الطريقة التي تم تدريبهم عليها؟
في هذه الحالة، يتم تجاهل السلوك غير المرغوب فيه (مثل البكاء)، وهذه العملية تُعرف بـ (الإطفاء). وتذكير الأطفال بالطريقة التي تم تدريبهم عليها (مثل قول الكلمة أو تسليم صورة أو استخدام إشارة). عند قيامهم بالسلوك المرغوب فيه بشكل صحيح، يتم تعزيز السلوك فورًا. - أطفالنا يرددون أصواتًا ويسحبون أيدينا عندما يرغبون بالحصول على شيء، كيف نقوم بتدريبهم على مهارة الطلب؟
يجب البدء من حيث هم. استثمروا محاولاتهم عندما يرددون الأصوات، و دربوهم على نطق الصوت الصحيح للكلمة أو على استخدام الإشارة. استخدموا التلقين اللفظي أو الجسدي، وشجّعوهم على إصدار الصوت أو الإشارة للحصول على المعزز.
