الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

تقييم وعلاج الانفعالات لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

مقدمة

تتناول هذه الدراسة واحدة من أكثر القضايا تأثيرًا في حياة المشخّصين باضطراب طيف التوحد، وهي ضعف تنظيم الانفعالات. يقصد بتنظيم الانفعالات قدرة الأفراد على التحكم في مشاعرهم وردود أفعالهم بطريقة متناسبة مع الموقف، مثل تهدئة النفس عند الغضب أو التعامل مع الإحباط بهدوء. تشير الأبحاث إلى أن الأفراد المشخّصين باضطراب طيف التوحد يواجهون صعوبات كبيرة في هذا الجانب منذ الطفولة المبكرة وحتى مرحلة البلوغ.

ضعف تنظيم الانفعالات لا يؤدي فقط إلى نوبات غضب أو انفعالات حادة، بل يرتبط أيضًا بمشكلات أخرى مثل القلق، الاكتئاب، السلوك العدواني، والعزلة الاجتماعية. لذلك أصبح من الضروري فهم هذه الصعوبات وتطوير أساليب علاجية فعّالة لتحسين جودة حياة الأفراد وأسرهم.

 

ما هو ضعف تنظيم الانفعالات؟

هو صعوبة في التحكم أو تهدئة المشاعر القوية مثل الغضب أو الخوف أو الإحباط، وقد يظهر ذلك في شكل نوبات غضب، أو بكاء طويل، أو انسحاب اجتماعي.
الأفراد المشخّصون باضطراب طيف التوحد يعانون من:

  • استجابات انفعالية شديدة وسريعة.

  • صعوبة في تهدئة أنفسهم بعد الانزعاج.

  • ميل لاستخدام أساليب غير فعالة في التعامل مع المشاعر مثل الصراخ أو تجنّب الموقف.

  • صعوبة في التعبير اللغوي عن المشاعر.

هذه السمات تجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، خصوصًا مع التقدم في العمر.

 

لماذا يحدث ضعف تنظيم الانفعالات لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد؟

توضّح الدراسة أن هذا الضعف ناتج عن مجموعة من العوامل:

  1. اختلافات في عمل الدماغ والجهاز العصبي تؤدي إلى فرط في الاستثارة وصعوبة في التهدئة.

  2. ضعف في الوعي الذاتي والانتباه للمشاعر الداخلية.

  3. صعوبات في اللغة والتواصل تجعل من الصعب التعبير عن المشاعر أو طلب المساعدة.

  4. الحساسية المفرطة للمثيرات الخارجية مثل الأصوات والأنوار والمواقف الاجتماعية.

  5. نقص المرونة في التفكير والتكيّف مع التغييرات في البيئة أو الروتين اليومي.

عندما تجتمع هذه العوامل، تصبح المواقف اليومية العادية (كالانتظار أو التغيير المفاجئ في الجدول) مصدر توتر شديد، وقد تؤدي إلى نوبات غضب أو انهيار عاطفي.

كيف يؤثر ضعف تنظيم الانفعالات على الحياة اليومية؟

تشير النتائج إلى أن ضعف تنظيم الانفعالات يؤدي إلى:

  • زيادة السلوكيات الصعبة مثل العدوان، إيذاء الذات، والانفجارات الغاضبة.

  • صعوبات اجتماعية في المدرسة والعمل والعلاقات الأسرية.

  • استخدام متكرر للخدمات النفسية والعلاجية بنسبة أعلى من غير المشخّصين.

  • ضغط نفسي كبير على الأسرة ومقدّمي الرعاية.

تؤكد الدراسة أن هذه الصعوبات ليست مجرد عرض جانبي، بل عنصر محوري في التحديات التي يواجهها الأفراد ذوو اضطراب طيف التوحد، مما يجعل معالجتها أولوية أساسية.



أساليب التقييم المستخدمة

قبل بدء العلاج، من المهم تقييم مستوى الصعوبة في تنظيم الانفعالات. وقد استخدمت الأبحاث عدّة أدوات لذلك:

  1. الملاحظة المباشرة: مراقبة ردود فعل الأفراد في مواقف تتطلب الصبر أو الانتظار.

  2. استبيانات موجهة للوالدين أو المعلّمين مثل مقياس “Emotion Dysregulation Inventory (EDI)” المصمم خصيصًا لاضطراب طيف التوحد.

  3. القياسات الفسيولوجية مثل معدل نبض القلب لتقييم مستوى التوتر.

  4. التقارير الذاتية لدى المراهقين والبالغين القادرين على التعبير عن مشاعرهم.

توصي الدراسة باستخدام تقييم متعدد الجوانب يجمع بين الملاحظة، التقارير، والقياسات الحيوية للحصول على صورة دقيقة.

 

البرامج العلاجية الفعّالة

تشير الدراسة إلى عدد من البرامج التي أثبتت نجاحًا نسبيًا في تحسين تنظيم الانفعالات لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد، وهي تختلف حسب الفئة العمرية:

1. برامج الطفولة المبكرة

  • نموذج SCERTS: يركّز على التواصل الاجتماعي وتنظيم الانفعالات داخل علاقة الطفل ووالديه.

  • برنامج JASPER: يستخدم اللعب المشترك والانتباه المشترك لتقوية مهارات التفاعل، مما يساعد الطفل على الهدوء والانضباط العاطفي.

2. برامج الطفولة المتوسطة (5–12 سنة)

  • برنامج Exploring Feelings: يعتمد على مبادئ العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، ويُستخدم لتعليم الأطفال التعرف على المشاعر، واستخدام “مقياس حرارة العاطفة” لمعرفة درجة الغضب، ثم تطبيق استراتيجيات تهدئة.
    أظهرت التجارب انخفاضًا واضحًا في نوبات الغضب وتحسنًا في وعي الطفل بمشاعره.

  • برنامج STAMP: نسخة مبسطة من البرنامج السابق للأطفال الأصغر سنًا، ويشمل أنشطة تفاعلية وجلسات توعية للأسر.
    أثبت فعاليته في تقليل الانفعالات الحادة وزيادة قدرة الأطفال على التهدئة الذاتية.

  • برنامج SAS:OR (عميل سري): يجمع بين اللعب والتعليم النفسي لتعليم الأطفال كيفية التعرف على المشاعر وتنظيمها من خلال أنشطة ممتعة.
    النتائج أظهرت تحسنًا في المرونة الانفعالية وتراجعًا في السلوكيات السلبية في المدرسة والمنزل.

  • البرنامج المكثف IO-PERT: موجه للأطفال ذوي الإعاقات العقلية المصاحبة لاضطراب طيف التوحد، يجمع بين العلاج السلوكي، التأمل، وتعليم أولياء الأمور أساليب مساندة.
    بعد خمس أسابيع من الجلسات، أظهر أكثر من نصف المشاركين تحسنًا واضحًا في سلوكهم العام.

3. برامج المراهقين والبالغين

  • برنامج EASE (التوعية والانضباط الانفعالي): يركّز على الوعي بالمشاعر، استخدام التأمل، والتنفس الواعي للتحكم في التوتر.
    المشاركون أظهروا انخفاضًا في القلق والاكتئاب، وتحسنًا في القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة.

  • برنامج RAP-A-ASD: يهدف إلى تعزيز المرونة النفسية ومنع الاكتئاب من خلال جلسات مدرسية تدمج العلاج السلوكي المعرفي والعلاج التفاعلي.
    أفاد 80% من المشاركين أنهم أصبحوا أكثر هدوءًا وقدرة على التعامل مع الضغوط.

  • العلاج القائم على اليقظة الذهنية (Mindfulness): أثبت فعاليته في تحسين الوعي بالمشاعر وخفض التوتر، خاصة لدى البالغين.
    أظهر المشاركون تحسنًا في الرضا عن الحياة وفي التعامل مع المواقف المثيرة للقلق.

  • العلاج السلوكي الجدلي (DBT): تم تكييفه ليتناسب مع البالغين المشخّصين باضطراب طيف التوحد، ويجمع بين تدريب المهارات الاجتماعية وتنظيم الانفعالات.
    نتج عنه تحسّن في القدرة على فهم المشاعر وضبطها، خاصة في المواقف الاجتماعية الصعبة.

 

الدروس العملية المستفادة

  1. التركيز على تنظيم الانفعالات قبل المهارات الاجتماعية، لأن ضعف السيطرة على المشاعر يعيق التعلم والتفاعل الاجتماعي.

  2. دمج الأسرة في العلاج يعزز من استمرارية النتائج ويقلل الضغط النفسي على الأسر.

  3. التدخل المبكر هو العامل الأهم في النجاح، فكلما بدأ العلاج في عمر أصغر كانت النتائج أفضل.
     
  4. استخدام أساليب مرنة ومتكيفة مع قدرات الأفراد اللغوية والمعرفية.

  5. المتابعة المستمرة والتقييم الدوري ضروريان لمعرفة مدى فاعلية الخطة العلاجية.

 

خلاصة

خلصت الدراسة إلى أن ضعف تنظيم الانفعالات هو أحد المحاور الأساسية التي يجب علاجها في اضطراب طيف التوحد، لأنه يؤثر في كل جانب من جوانب الحياة — من العلاقات الاجتماعية إلى الأداء الأكاديمي والنفسي.

ورغم أن الأبحاث لا تزال في مراحلها الأولى، إلا أن البرامج القائمة على العلاج السلوكي المعرفي واليقظة الذهنية أظهرت نتائج واعدة في تقليل الانفعالات المفرطة وتحسين جودة الحياة.

بكلمات بسيطة، فإن مساعدة المشخّصين باضطراب طيف التوحد على فهم مشاعرهم والتعبير عنها وتنظيمها لا تساعدهم فقط على الهدوء، بل تمنحهم قدرة أكبر على التواصل، التعلم، والاستقلال النفسي والاجتماعي.

المرجع :

 

Assessment and Treatment of Emotion Regulation in Individuals with Autism Spectrum Disorder

https://www.sciencedirect.com/science/article/am/pii/S0193953X20300800