الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

تعزيز الاستقلالية لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد

 

ترجمة: أ. نوره الدوسري 

 

بالنسبة للوالدين ومقدمي الرعاية للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد، قد يبدو تعزيز الاستقلالية مهمة صعبة. إلا أن الاستقلالية تُعدّ عنصرًا أساسيًا في نمو الطفل وتطوره، إذ تعزز الثقة بالنفس، ومهارات حل المشكلات، والمهارات الاجتماعية. وعلى الرغم من التحديات الفريدة التي قد يواجهها المشخّصون باضطراب طيف التوحد، فإنهم قادرون على تحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عند توفر الدعم والاستراتيجيات المناسبة.

في هذا المقال، نستعرض عددًا من الطرق التي تُسهم في تعزيز الاستقلالية لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد، مما يساعدهم على تنمية مهارات حياتية مهمة مع مراعاة احتياجاتهم الفردية.

 

1. البدء بخطوات صغيرة

تعزيز الاستقلالية لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو عملية تدريجية تبدأ بأهداف صغيرة قابلة للتحقيق. يكمن السر في تقسيم المهام إلى خطوات يمكن إدارتها. على سبيل المثال، بدلاً من توقع أن يتمكن الطفل من ارتداء ملابسه بمفرده بالكامل مباشرة، يمكن البدء بتشجيعه على ارتداء جواربه أو إغلاق أزرار قميصه.

ومع مرور الوقت، ومع اكتساب الثقة والسيطرة على هذه المهام الصغيرة، يمكن إضافة مزيد من الخطوات تدريجيًا. فالتقدم التدريجي يعزز الإحساس بالإنجاز ويشجع على مواجهة تحديات جديدة دون الشعور بالإرهاق.

 

2. إنشاء روتين منظم

عادةً ما يزدهر المشخّصون باضطراب طيف التوحد في بيئات منظمة وقائمة على التكرار. ومن خلال إنشاء روتين يومي منظم، يمكن توفير شعور بالأمان إلى جانب تعزيز الاستقلالية. يساعد تنظيم المهام اليومية – مثل ارتداء الملابس، وتنظيف الأسنان، أو تحضير الوجبات الخفيفة – على تكرار هذه الأنشطة، مما يؤدي إلى إتقانها واكتساب الثقة في أدائها.

تُعدّ الجداول البصرية أدوات فعالة لفهم الروتين، حيث يمكن استخدام الصور أو الرموز أو الكلمات المكتوبة لإنشاء جدول يستطيع الطفل اتباعه بسهولة. هذا يقلل من القلق، ويجعل المهام أكثر وضوحًا، ومع مرور الوقت يمكن للمشخّصين البدء في اتباع الجدول بشكل مستقل.

 

3. تشجيع اتخاذ القرارات

يُعد تقديم الخيارات وسيلة ممتازة لتعزيز الاستقلالية، إلى جانب تمكين المشخّصين من اتخاذ قرارات بأنفسهم. فإتاحة خيارات محدودة – مثل الاختيار بين زيين مختلفين أو نوعين من الوجبات الخفيفة – يمنحهم الشعور بالتحكم ويعزز الاستقلال الذاتي.

من المهم الحفاظ على بساطة ووضوح الخيارات، خصوصًا لمن يواجهون صعوبة في اتخاذ القرار. يمكن البدء بخيارات بسيطة ثم التدرّج في تعقيدها بحسب مستوى راحة الطفل وقدرته على اتخاذ القرار.



4. استخدام الوسائل البصرية

تُعتبر الوسائل البصرية من الأدوات المفيدة جدًا في تعزيز الاستقلالية، ومنها الجداول المصورة، وبطاقات الخطوات، والإرشادات المرئية لتقسيم المهام. فعلى سبيل المثال، إذا كان الهدف هو تعليم الطفل تنظيف أسنانه بمفرده، يمكن الاستعانة بدليل مرئي يتضمن صورًا لكل خطوة من خطوات التنظيف، كحمل الفرشاة، وضع المعجون، التفريش، والمضمضة.

كما تساعد الوسائل البصرية على تسهيل الانتقال بين الأنشطة الجديدة وتقليل القلق، مما يُسهم في تعزيز الاستقلالية حتى في المواقف غير المألوفة.

 

5. التركيز على المهارات الحياتية

يُعد تعليم المهارات الحياتية من أكثر الطرق فاعلية في تعزيز الاستقلالية. تشمل هذه المهارات أنشطة مثل ارتداء الملابس، وتناول الطعام، والنظافة الشخصية، والمهام المنزلية. يُنصح بالبدء بالمهام الأساسية للعناية الذاتية، ومن ثم الانتقال تدريجيًا إلى مهارات أكثر تعقيدًا.

فعلى سبيل المثال، يمكن البدء بتعليم غسل اليدين بشكل صحيح، ثم الانتقال إلى مهام أخرى كتنظيف الأسنان أو تمشيط الشعر. أما المشخّصون الأكبر سنًا، فيمكن إشراكهم في مهام منزلية بسيطة مثل ترتيب السرير، تجهيز مائدة الطعام، أو المساعدة في غسل الملابس، مما يعزز الإحساس بالمسؤولية والاستقلالية.






6. تطبيق التعزيز الإيجابي

التعزيز الإيجابي أداة فعالة لتحفيز السلوك المستقل. عندما ينجح المشخّصون في أداء مهمة أو يحرزون تقدمًا نحو هدف معين، فإن تقديم الثناء أو المكافآت أو أشكال أخرى من التحفيز الإيجابي قد يشجعهم على الاستمرار في تطوير مهاراتهم.

ولا يشترط أن يكون التعزيز دائمًا على شكل مكافآت مادية مثل الحلوى أو الألعاب، فالثناء اللفظي البسيط (“عمل رائع في ارتداء ملابسك بنفسك!”) أو منح وقت إضافي للعب قد يكون له نفس التأثير الفعّال. المهم هو تعزيز شعورهم بالفخر لإنجازاتهم، مما يدفعهم لمواصلة السعي نحو الاستقلالية.

 

7. تعليم مهارات حل المشكلات

يشمل تعزيز الاستقلالية تعليم المشخّصين كيفية حل المشكلات بأنفسهم، فهذه المهارات تساعدهم على التعامل مع التحديات اليومية، سواء كانت مهمة لم يتمكنوا من إنجازها، أو موقفًا اجتماعيًا صعبًا.

يمكن تعليم حل المشكلات من خلال الممارسة الموجهة. فعندما يواجه الطفل صعوبة – مثل صعوبة في إغلاق سحاب المعطف – بدلاً من التدخل فورًا، يمكن تقديم إرشاد وتشجيع. كطرح أسئلة مثل: “ما الذي يمكننا تجربته الآن؟” أو “كيف نستطيع حل هذه المشكلة معًا؟”. وبمرور الوقت، سيكتسب الطفل القدرة على مواجهة التحديات بثقة واستقلالية.

 

8. خلق فرص للاستقلالية الاجتماعية

الاستقلالية لا تقتصر على المهام الجسدية فحسب، بل تشمل أيضًا الجانب الاجتماعي. تشجيع المشخّصين باضطراب طيف التوحد على المشاركة في أنشطة اجتماعية، وتكوين صداقات، والتفاعل مع الآخرين، يساعد على بناء الثقة بالنفس ومهارات التواصل.

يمكن البدء بأنشطة اجتماعية تتناسب مع مستوى راحة الطفل، مثل دعوة صديق إلى المنزل لنشاط منظم، أو المشاركة في اللعب الجماعي في المدرسة، أو الانضمام إلى مجموعة هوايات. من المهم تقديم الدعم والإرشاد في هذه المواقف مع السماح للمشخّصين بتطوير مهاراتهم الاجتماعية تدريجيًا.

 

9. تهيئة البيئة المحيطة

تهيئة البيئة تساعد بشكل كبير في تعزيز الاستقلالية من خلال جعل المهام أكثر سهولة ويسرًا. على سبيل المثال، يمكن تنظيم غرفة الطفل أو دورة المياه باستخدام صناديق وملصقات واضحة، لتمكينهم من العثور على الأدوات بسهولة. كما يمكن وضع الأدوات المستخدمة بشكل متكرر في متناول اليد لتشجيعهم على الاعتماد على أنفسهم.

وفي المطبخ، يمكن إنشاء “محطة وجبات خفيفة” تحتوي على وجبات جاهزة يستطيعون الوصول إليها بسهولة، أو ترتيب رف منخفض يحتوي على الأطباق وأدوات الأكل. هذه التعديلات البسيطة تجعل تنفيذ المهام أكثر سهولة وتقلل من الإحباط.

 

10. الاحتفال بالتقدم

تعزيز الاستقلالية رحلة تتطلب وقتًا وصبرًا ودعمًا مستمرًا. ومن المهم الاحتفال بكل إنجاز، مهما كان صغيرًا. فكل خطوة نحو الاستقلالية – سواء كانت ارتداء الملابس دون مساعدة، أو إعداد وجبة بسيطة، أو بدء محادثة – تُعدّ إنجازًا مهمًا.

الاحتفال بالتقدم يعزز ثقة المشخّصين بأنفسهم، ويؤكد لهم أنهم قادرون على تحقيق أهدافهم. كما يشجعهم على الاستمرار في المحاولة، حتى عند مواجهة صعوبات، ويغرس فيهم الإيمان بأن الاستقلالية ممكنة.

 

الخاتمة

إن تعزيز الاستقلالية لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد أمر ممكن وضروري في آنٍ واحد. فباستخدام الاستراتيجيات المناسبة – مثل البدء بخطوات صغيرة، والاستعانة بالوسائل البصرية، والتركيز على المهارات الحياتية، وتطبيق التعزيز الإيجابي – يمكن تمكينهم من تحمل المزيد من المسؤوليات، وحل المشكلات، والشعور بالتمكين في حياتهم اليومية.

كل مشخّص باضطراب طيف التوحد فريد من نوعه، وطريق الاستقلالية يختلف من طفل إلى آخر. ومن خلال فهم احتياجاتهم الفردية وتقديم الدعم المناسب، يستطيع الوالدان ومقدمو الرعاية مساعدتهم على اكتساب المهارات والثقة اللازمة للاعتماد على أنفسهم الآن وفي المستقبل.

 

المرجع :

Promoting Independence in Children with Autism

https://autismlearnplay.org/2024/09/12/promoting-independence-in-children-with-autism