الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

قصص نجاح لذوي اضطراب طيف التوحد: الاستقلال والعمل

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

الحياة مع اضطراب طيف التوحد قد تحمل الكثير من التحديات، سواء في الطفولة أو مع التقدم في العمر. وغالبًا ما يواجه الأهل مخاوف كثيرة حول مستقبل أبنائهم: هل سيتمكن ابني من الاستقلال؟ هل سيجد عملًا يحبه؟ هل سيكون قادرًا على تكوين حياته الخاصة؟

ورغم هذه المخاوف، هناك الكثير من القصص الملهمة التي تثبت أن ذوي اضطراب طيف التوحد لديهم القدرة على بناء مستقبل ناجح، إذا توفر لهم الدعم المناسب، والبيئة المتفهمة، والفرص الصحيحة. في هذا المقال سنعرض قصتين حقيقيتين مليئتين بالأمل، تُظهران أن النجاح ليس بعيدًا عن متناول أي شخص، وأن التحديات يمكن أن تتحول إلى بوابة للإنجاز.

القصة الأولى: استقلال ابنة باربرا روسو سبراول

باربرا روسو سبراول، وهي أم أمريكية، أرادت أن تشارك تجربتها مع ابنتها البالغة من العمر أكثر من عشرين عامًا، والتي شُخّصت باضطراب طيف التوحد منذ صغرها. باربرا تقول إنها مرت بمراحل صعبة في البداية، حيث كان القلق يسيطر عليها دائمًا:

هل ستتمكن ابنتي من العيش باستقلالية؟ هل ستستطيع التعامل مع المجتمع؟ هل ستحصل على وظيفة تحفظ كرامتها؟

هذه الأسئلة ظلت تراودها لسنوات، لكن مع مرور الوقت بدأت تكتشف أن ابنتها قادرة على النمو والتطور، بشرط أن تحصل على الدعم والتشجيع الصحيح.

ابنتها بدأت بخطوات صغيرة: تعلمت كيف تدير شؤونها اليومية، مثل الطبخ والتنظيف والاعتماد على نفسها في المواصلات. لم تكن هذه الأمور سهلة، لكنها كانت إنجازات كبيرة بالنسبة لها ولأسرتها.

ومع مرور الوقت، نجحت الفتاة في الحصول على وظيفة بسيطة، ثم تطورت لتجد عملاً أكثر استقرارًا. ومع كل خطوة، كانت ثقة باربرا بابنتها تزداد، وكذلك ثقة الفتاة بنفسها.

باربرا تقول:

“كنت أظن أن ابنتي لن تصل أبدًا إلى مرحلة الاستقلال، لكني كنت مخطئة. اليوم أراها تدير حياتها بطريقة لم أكن أتخيلها. أردت مشاركة قصتها لأقول لكل الأهل: لا تفقدوا الأمل، ولا تضعوا حدودًا لأبنائكم. فالمستقبل قد يحمل لهم ما لم تتوقعوه.”

القصة الثانية: لويس والنجاح في العمل

القصة الثانية ترويها ويندي لي ووكر، وهي والدة لشاب اسمه لويس وُلد عام 1993. تصف ويندي كيف كان ابنها منذ ولادته طفلاً هادئًا ولطيفًا. تقول إنه كان “الطفل المثالي”، ينام ليلًا دون إزعاج منذ عمر أربعة أشهر.

لكن عندما بدأ الحضانة، لاحظت المربيات أن هناك شيئًا مختلفًا. لويس لم يكن يشارك ألعابه أو يتفاعل مع زملائه بنفس الطريقة التي يفعلها الأطفال الآخرون.

في المرحلة الابتدائية، ظهرت سمات أخرى واضحة: كان يحفظ سجل أسماء الطلاب بالترتيب الأبجدي، كما كان يحفظ جمل الشخصيات من الأفلام ويعيد ترديدها في البيت. هذه القدرات المميزة كانت ملفتة، لكنها في الوقت نفسه كانت إشارة إلى اختلافه عن بقية الأطفال.

في سن السابعة، حصل لويس على تشخيص رسمي بأنه من ذوي اضطراب طيف التوحد. وبعد فترة قصيرة، طُرد من أول مدرسة التحق بها بسبب سلوكه الصعب.

انتقل بعدها إلى مدرسة أخرى، وكان يستمتع بحضورها، خصوصًا بسبب حبه لمعلميه هناك. لكن مع مرور الوقت، ازدادت التحديات السلوكية، مما جعله يتنقل بين مدارس متعددة. وفي النهاية، لم يجد مكانًا يستقبله سوى مدرسة داخلية متخصصة، ظل فيها حتى عمر الخامسة عشرة.

ويندي تتذكر تلك المرحلة بقلق كبير:

“كنت خائفة جدًا. اعتقدت أن لويس لن يتمكن من الحصول على عمل يومًا ما. كنت أظن أن مستقبله سيكون محدودًا للغاية.”

لكن الواقع أثبت لها العكس تمامًا. بعد أن كبر لويس، بدأ العمل في مركز اتصال (كول سنتر). كانت وظيفته الأولى تتعلق باستقبال المطالبات، ثم انتقل إلى شركة أخرى في نفس المجال. ورغم بساطة الوظيفة، إلا أنها كانت خطوة مهمة جدًا، لأنها علمته الالتزام وروتين العمل وتحمل المسؤولية.

ومع مرور الوقت، شعر لويس أنه يحتاج إلى تحدٍ جديد، فقرر أن يتجه إلى مجال الأمن السيبراني (Cyber Security). ورغم أن هذا المجال يتطلب مهارات عالية ودقة كبيرة، إلا أن لويس وجد فيه شغفه. واليوم، يعمل في هذا المجال بثقة ونجاح.

ويندي تقول:

“لقد كنت مخطئة في كل مخاوفي. ابني أثبت أن لديه قدرات مذهلة، وكل ما احتاجه كان الدعم والفرصة المناسبة. الآن لا ينظر أبدًا إلى الوراء، بل يتطلع دائمًا إلى الأمام.”

الدروس المستفادة من القصتين

من خلال هاتين القصتين الملهمتين، يمكننا أن نتعلم عدة أمور مهمة:

  1. الأمل مفتاح النجاح: حتى لو بدا المستقبل غامضًا، يجب أن يتمسك الأهل بالأمل وأن يؤمنوا بقدرات أبنائهم.
  2. الخطوات الصغيرة تصنع فارقًا كبيرًا: تعلم مهارات الحياة اليومية أو الحصول على أول وظيفة قد يبدو بسيطًا، لكنه إنجاز عظيم لمن يعيش مع اضطراب طيف التوحد.
  3. الدعم المناسب يحدث فرقًا: البيئة المتفهمة، سواء من العائلة أو المدرسة أو مكان العمل، تساعد على نمو الشخص وتقدمه.
  4. التحديات لا تعني النهاية: قد يواجه الشخص رفضًا أو صعوبات في البداية، لكن بالإصرار يمكن أن تتحول العقبات إلى فرص.

خاتمة

قصص باربرا وابنتها، وويندي وابنها لويس، تذكرنا أن الحياة مع اضطراب طيف التوحد قد تكون مليئة بالتحديات، لكنها ليست خالية من الأمل. على العكس، هذه التحديات يمكن أن تكون نقطة انطلاق نحو قصص نجاح تلهم الآخرين.

المفتاح هو أن نؤمن بقدرات ذوي اضطراب طيف التوحد، وأن نتيح لهم الفرص، وأن نوفر لهم بيئة داعمة وآمنة. فكل شخص على الطيف لديه إمكانيات خاصة، قد لا تظهر إلا عندما يجد المكان الصحيح والفرصة المناسبة.

وفي النهاية، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل أي شخص، سواء كان من ذوي اضطراب طيف التوحد أو من غيرهم. لكن ما يمكننا فعله هو أن نمنحهم الثقة، والدعم، والحب. وهذا كفيل بأن يفتح أمامهم أبوابًا لم نكن نتوقعها

المرجع :

Autism Success Stories: Independence and Work:

https://www.autismparentingmagazine.com/success-stories-independence-work/