الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

التغلب على صعوبات الأكل لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

 

غالبًا ما تكون أوقات الوجبات صعبة عندما يكون الطفل مشخّصًا باضطراب طيف التوحد (ASD). يواجه العديد من الأطفال ما يُعرف بـ “الأكل الانتقائي” من وقت لآخر أثناء نموهم وتعلّمهم لمهارات الأكل الجديدة. ومع ذلك، فإن الأكل الانتقائي الشديد الذي يقيّد بشكل كبير أنواع وكميات الطعام التي يتم تناولها شائع جدًا بين الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد (Cermak, Curtin, & Bandini, 2010؛ Rogers, Magill-Evans, & Rempel, 2012). في هذا المقال، سنستعرض العوامل المختلفة التي تسهم في الأكل الانتقائي لدى هؤلاء الأطفال، بالإضافة إلى بعض الاستراتيجيات التي قد تساعد في توسيع تقبّلهم لأنواع الطعام. يُبنى العلاج المتعلق بمشكلات الأكل لدى الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد على الاحتياجات والقدرات الفردية لكل طفل، ولذلك قد لا تكون جميع الاستراتيجيات فعّالة مع كل طفل.

الأكل الانتقائي لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد

تشير التقديرات إلى أن نسبة عالية من الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد، تصل إلى نحو 75%، يعانون من الأكل الانتقائي من مرحلة الطفولة وحتى البلوغ (Cermak et al., 2010). كثير من هؤلاء الأطفال يعانون من فرط الحساسية الفموية، مما يسهم مباشرةً في الأكل الانتقائي لديهم (Chistol et al., 2018). تختلف شدة فرط الحساسية بين الأطفال، وغالبًا ما تؤدي إلى النفور من أنواع معينة من الملمس، أو الطعم، أو الرائحة، أو مظهر الطعام، أو درجة حرارته (Cermak et al., 2010). وبينما يمتلك معظم الناس أطعمة مفضلة وأخرى غير مفضلة، إلا أن المشخّصين باضطراب طيف التوحد غالبًا ما تكون تفضيلاتهم ونفورهم من الأطعمة أكثر حدة (Nath, 2014). على سبيل المثال، قد يصرّ أحد الأطفال على تناول نوع واحد فقط من قطع الدجاج ويَرفض تناول الأنواع الأخرى حتى وإن كانت متشابهة.

غالبًا ما يفضّل المشخّصون باضطراب طيف التوحد الأطعمة المصنّعة والغنية بالكربوهيدرات، بينما يرفضون الفواكه والخضراوات والأطعمة الزلقة أو الطرية (Kuschner, 2018؛ Ansel, 2018). إضافة إلى ذلك، قد يقتصر بعض الأطفال على تناول أطعمة تندرج ضمن نوع واحد فقط من النكهات: الحلوة أو المالحة أو الحامضة أو المُرّة (Wheeler, 2004). كما يُظهر العديد من الأطفال تفضيلات واضحة تجاه ملمس معين، مثل المقرمش أو الناعم، أو يُصرّون على أن يتم تقديم الطعام في درجة حرارة معينة في كل مرة (Wheeler, 2004).

يعاني كثير من الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد من صعوبة في التركيز على مهمة واحدة لفترات طويلة، مما يجعل من الصعب عليهم الجلوس وتناول كمية كافية من الطعام (Ansel, 2018). وعند دمج قصر مدة تناول الطعام مع النظام الغذائي المقيّد جدًا (أقل من 20 صنفًا من الأطعمة)، نجد أن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يستهلكون كميات زائدة من بعض المغذيات ونسبًا ناقصة من أخرى. فهم عادةً يستهلكون سعرات حرارية وبروتين وكربوهيدرات ودهون أكثر من اللازم، بينما يفتقر نظامهم الغذائي إلى فيتامينات A وE وD وحمض الفوليك والكالسيوم (Ansel, 2018؛ Barnhill, Gutierrez, Marti, & Hewitson, 2018). وقد تساهم الأنظمة الغذائية المقيّدة أيضًا في الإصابة بالإمساك، نتيجة نقص الأطعمة الغنية بالألياف (Ansel, 2018). ويمكن عادةً معالجة الإمساك من خلال زيادة تناول الألياف، وشرب كميات كافية من السوائل، وزيادة النشاط البدني (Ansel, 2018). ومع ذلك، قد تكون هناك أسباب أخرى تسهم في استمرار الإمساك المزمن لدى الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد (Cermak et al., 2010؛ Nath, 2014؛ Sharp et al., 2013).





استراتيجيات لتوسيع النظام الغذائي للأطفال الانتقائيين

فيما يلي مجموعة من الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها في مساعدة الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد على توسيع نطاق الأطعمة التي يتقبلونها. ومن المهم تذكّر أن كل طفل مختلف، وبالتالي سيستجيب بشكل مختلف لكل استراتيجية. يُنصح دائمًا باستشارة طبيب الأطفال أو اختصاصي تغذية الأطفال قبل إجراء تغييرات جذرية في النظام الغذائي لطفلك.

 

التعلّم حول مبدأ تقسيم المسؤوليات في الإطعام

يعلم هذا المبدأ الآباء الطريقة المثلى لتقديم الطعام للأطفال بما يزيد من احتمالية استجابتهم. ومن التقنيات الأساسية في هذا الأسلوب: تقديم الطعام على جدول منتظم، وتوفير وجبات خفيفة مجدولة، وتقديم الأطعمة المفضلة إلى جانب أطعمة جديدة لتشجيع التنوع، والسماح للطفل بتناول الطعام والتقدم وفقًا لسرعته الخاصة (Ellyn Satter Institute, 2019).

التعويد على الطعام

إذا كان الطفل حساسًا تجاه ملمس الطعام أو رائحته أو غيرها، فيمكن العمل معه خارج بيئة المطبخ للتعوّد على الأطعمة الجديدة. يمكن تحقيق ذلك من خلال زيارة متجر البقالة معًا، وتعلّم معلومات عن أطعمة جديدة، وتحضير الوجبات سويًا، أو استكشاف الأطعمة من خلال اللعب (مثل السحق، التلوين، التكديس، التقبيل، الشمّ، وغيرها). تساهم هذه الأنشطة في تعزيز الراحة النفسية تجاه الطعام دون الضغط الفعلي لتناوله (Ansel, 2014؛ Coulthard & Sealy, 2017).




التعرّض المتكرر

على غرار التعويد، فإن تعريض الطفل بشكل متكرر لأطعمة جديدة يمكن أن يُساعده على تقبّلها تدريجيًا. المفتاح هنا هو أن تكون التجربة هادئة وتمنح الطفل إحساسًا بالتحكم. وتكون الفعالية أكبر إذا كان الطعام الجديد مشابهًا من حيث اللون أو الملمس أو الرائحة للأطعمة التي يفضلها الطفل. يمكن وضع الطعام الجديد بجانب الطعام المقبول مع التأكيد للطفل بأنه لا توجد أي توقعات سوى بقاء الطعام في الطبق (Wheeler, 2004). كما يمكن أن يُطلب من الطفل شمّ أو لعق أو تذوّق الطعام الجديد عند تقديمه أول مرة (Kuschner, 2018).

 

سلسلة الطعام (Food Chaining)

تهدف هذه الطريقة إلى توسيع مجموعة الأطعمة التي يتناولها الطفل من خلال تقديم طعام جديد يشبه أحد الأطعمة المفضلة لديه. يُطلب من الطفل تذوق الطعام الجديد وتقييم مدى استمتاعه به. المهم هنا هو إشراك الطفل في العملية، لا خداعه. إذ أن المشخّصين باضطراب طيف التوحد قد يرفضون الأطعمة حتى وإن كانوا يتناولونها سابقًا إذا شعروا بالإجبار أو الخداع (Frey, 2017؛ Rogers et al., 2012). على سبيل المثال، إذا كان الطفل يحب حبوب الشوفان المستديرة (Cheerios)، يمكن تقديم نوع مشابه مثل Honey Nut Cheerios، ثم الانتقال تدريجيًا إلى أشكال مختلفة مثل الرقائق أو المكعبات. هذه الاستراتيجية تتطلب وقتًا وقد يكون التقدّم بطيئًا، لكنها فعّالة لأنها تعتمد على الأطعمة التي يستمتع بها الطفل مسبقًا (Frey, 2017؛ Fishbein et al., 2006). ولمزيد من المعلومات حول هذه الاستراتيجية، يمكن التواصل مع اختصاصي تغذية الأطفال أو قراءة كتاب “Food Chaining: The Proven 6-Step Plan to Stop Picky Eating, Solve Feeding Problems, and Expand Your Child’s Diet” للمؤلفين Cheri Fraker، Mark Fishbein، Sibyl Cox، وLaura Walbert.



التعاون مع الفريق الطبي

إذا كان النظام الغذائي لطفلك مقيّدًا للغاية، فقد يكون من الضروري الاستعانة بأخصائيين في المجال الطبي لتقديم العلاج المناسب. يمكن لفريق متعدد التخصصات يضم أخصائيي التغذية، والمعالجين المهنيين، وأخصائيي النطق واللغة، وأخصائيي السلوك أن يعملوا معًا لتلبية احتياجات الطفل وتحسين نظامه الغذائي (Cermak et al., 2010). هؤلاء المتخصصون مدربون على تقديم النصائح والخيارات الداعمة لمساعدة الأهل ومقدّمي الرعاية على تحسين تجربة الطفل مع الطعام.

 

قد تكون أوقات الوجبات في الوقت الحالي صعبة إذا كان طفلك مشخّصًا باضطراب طيف التوحد. ولكن من خلال إجراء تغييرات بسيطة ومدروسة على طريقة تقديم الطعام، يمكن أن يتحسن تنوع وكميات الطعام التي يتناولها الطفل مع مرور الوقت. من المهم إيجاد الأطعمة المناسبة لطفلك، وقد يستغرق ذلك وقتًا. التغييرات الغذائية لدى المشخّصين باضطراب طيف التوحد عادة ما تكون بطيئة، لذلك لا تشعروا بالإحباط إذا لم تلاحظوا تحسّنًا سريعًا.

 

المرجع : 

Overcoming Feeding Difficulties in Children with Autism Spectrum Disorder:

https://extension.usu.edu/nutrition/research/overcoming-feeding-difficulties-in-children-with-autism-spectrum-disorder#:~:text=Repeated%20Exposure,have%20a%20sense%20of%20control.