الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

رؤية رائعة من الداخل لاضطراب طيف التوحد

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري 

البحث عن السعادة والرضا: استكشاف اضطراب طيف التوحد عند البالغين وقوة الهوايات 

إن الحديث عن اضطراب طيف التوحد لا يقتصر فقط على التحديات التي قد يواجهها الأشخاص، بل يتعدّى ذلك ليشمل الطرق العديدة التي يجدون من خلالها السعادة، الراحة، والرضا في حياتهم اليومية. أحد الجوانب المضيئة التي تبرز في حياة الكثير من البالغين المشخّصين باضطراب طيف التوحد هو قوة الهوايات. هذه الهوايات ليست مجرد أنشطة لتمضية الوقت، بل هي مصدر للمعنى، الطمأنينة، والهوية.

الهوايات تسمح للأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد بأن يعبّروا عن أنفسهم بطرق قد لا تتحقق في التفاعلات الاجتماعية التقليدية. كما تمنحهم وسيلة لعرض مواهبهم وإبداعاتهم، وتفتح أمامهم نافذة على عالم يشعرون فيه بالانتماء والتميز.

اضطراب طيف التوحد من الداخل: رؤية مختلفة للعالم 

من المهم أن ندرك أن الأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد قد يرون العالم بطرق مختلفة عن الآخرين. هذا الاختلاف لا يقلّل من قيمتهم، بل يضيف تنوّعًا ثريًا إلى التجربة الإنسانية. بالنسبة للكثيرين منهم، قد تكون الحياة اليومية مليئة بالمحفزات الزائدة، مما يجعلهم يبحثون عن ملاذ يوفّر لهم الراحة والاتزان. هنا يظهر دور الهوايات.

الهوايات، سواء كانت قراءة الكتب، العزف على آلة موسيقية، جمع القطع، الرسم، أو حتى ممارسة الألعاب الإلكترونية، تمنحهم فرصة للغوص في عوالم يجدون فيها النظام، التحكم، والقدرة على الاستغراق الكامل. هذه العوالم تساعدهم على استعادة توازنهم العاطفي وتخفيف الضغوط التي قد يواجهونها في محيطهم الخارجي.

قوة الاستغراق في الهوايات

يميل الكثير من المشخّصين باضطراب طيف التوحد إلى التعمق في تفاصيل الأمور، وهو ما يطلق عليه البعض “الاهتمامات الخاصة”. هذه الاهتمامات ليست مجرد نزوات مؤقتة، بل هي مجالات حقيقية للاستكشاف والإبداع.

قد تجد شخصًا يكرّس ساعات طويلة لدراسة الطيور، أو آخر يغوص في عالم البرمجة، أو ثالث يتقن فنون الطهي بشكل مذهل. هذا الاستغراق العميق يوفّر شعورًا بالسيطرة والإنجاز، ويمنحهم مصدرًا متجددًا للثقة بالنفس.

وبدلًا من النظر إلى هذه الاهتمامات على أنها “انعزال” أو “انغماس مفرط”، من الأفضل أن ننظر إليها كجسر يربط بين الشخص والعالم، وكتعبير فريد عن شخصيته واهتماماته.

الهوايات كوسيلة للتواصل

واحدة من أكبر التحديات التي قد يواجهها الأشخاص المشخّصون باضطراب طيف التوحد تكمن في التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يمكن للهوايات أن تصبح وسيلة رائعة لبناء جسور مع الآخرين.

عندما يشارك أحدهم شغفه مع الآخرين – سواء عبر عرض رسوماته، أو عزف موسيقى يحبها، أو حتى التحدث عن موضوع متخصص – فإن هذه المشاركة تفتح المجال للتواصل الطبيعي والممتع. بدلاً من أن يبدأ الحوار بأسئلة يومية قد تكون صعبة أو مملة، يمكن أن يبدأ من نقطة اهتمام مشتركة، مما يجعل التفاعل أسهل وأكثر أصالة.

تعزيز الاستقلالية والهوية

الهوايات أيضًا تلعب دورًا مهمًا في بناء الهوية وتعزيز الاستقلالية. بالنسبة لشخص بالغ مشخّص باضطراب طيف التوحد، قد يكون العثور على وظيفة أو علاقات اجتماعية مستدامة أمرًا معقدًا. لكن وجود هواية قوية يمنحه شعورًا بالإنجاز الشخصي والانتماء إلى مجتمع أوسع.

الهوايات تجعلهم قادرين على القول: “هذا أنا، هذه موهبتي، وهذا ما أحب فعله”. هذا الإحساس بالهوية يعزز من صحتهم النفسية ويزيد من رضاهم عن حياتهم.

الهوايات كعلاج غير رسمي

من الجدير بالذكر أن الانخراط في الهوايات يمكن أن يكون له تأثير مشابه لأشكال الدعم العلاجي، حتى وإن لم يُقدَّم في إطار رسمي. ممارسة الهوايات تساعد على تخفيف التوتر، تحسين التركيز، وتنمية مهارات جديدة.

على سبيل المثال، الرسم يمكن أن يكون وسيلة للتعبير عن المشاعر التي يصعب وضعها في كلمات. والموسيقى قد تصبح قناة لتفريغ العواطف أو إيجاد راحة داخلية. أما الرياضة أو النشاطات البدنية فتساعد في تنظيم الطاقة وتعزيز الصحة الجسدية والنفسية.

نظرة المجتمع للهوايات

من المهم أن يتغيّر منظور المجتمع تجاه هذه الهوايات. ففي بعض الأحيان، يُنظر إليها على أنها سلوكيات غير طبيعية أو غير مفيدة. لكن الحقيقة هي أن هذه الأنشطة تمثل جوهرًا مهمًا في حياة الأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد.

عندما يدعم المجتمع هذه الاهتمامات ويمنحها قيمة، فإنه يفتح المجال أمام الأشخاص ليشعروا بالتقدير والاحترام. بل وأكثر من ذلك، قد تتحول بعض الهوايات إلى فرص مهنية ناجحة، مثل الفن الرقمي، تصميم الألعاب، الكتابة، أو حتى المشاريع التجارية الصغيرة.

قصص ملهمة من الواقع

هناك الكثير من الأمثلة الواقعية التي تُظهر كيف غيّرت الهوايات حياة الأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد. بعضهم أصبح فنانًا معروفًا، وآخرون وجدوا في البرمجة طريقًا إلى النجاح المهني. آخرون قد لا يكونون مشهورين، لكنهم وجدوا في هواياتهم مصدرًا يوميًا للرضا والسعادة.

هذه القصص تذكّرنا بأن اضطراب طيف التوحد لا يُختصر في الصعوبات وحدها، بل هو أيضًا مصدر لقوة فريدة يمكن أن تزدهر عندما تجد الدعم والاهتمام المناسب.

الخلاصة: السعادة في التفاصيل الصغيرة

في النهاية، نجد أن قوة الهوايات تكمن في بساطتها وعمق تأثيرها في الوقت نفسه. بالنسبة للأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد، الهوايات ليست مجرد نشاط جانبي، بل هي قلب الحياة اليومية. هي التي تمنحهم الإحساس بالهوية، التواصل، الراحة، والسعادة.

وعندما نتعلم نحن – كأصدقاء، عائلات، أو مجتمعات – أن نقدّر هذه الهوايات وندعمها، فإننا نفتح الباب أمام عالم أكثر شمولية وإنسانية. عالم يرى في التنوّع ثراءً، وفي الاهتمامات الفردية فرصةً للاحتفاء بما يجعل كل شخص مميزًا.



المرجع :

One Fantastic View of Autism from the Inside Finding Joy and Satisfaction: Exploring Adult Autism and the Power of Hobbies :

https://www.autastic.one/2023/11/09/finding-joy-and-satisfaction-exploring-adult-autism-and-the-power-of-hobbies