الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

نموذج دنفر المبكر (Early Start Denver Model – ESDM) 

 

ترجمة : نوره الدوسري

مقدمة

يُعد نموذج دنفر المبكر أحد أهم برامج التدخل السلوكي المبكر الموجّه للأطفال المشخَّصين باضطراب طيف التوحّد، والذين تتراوح أعمارهم بين 12 و48 شهرًا. يعتمد هذا النموذج على مبادئ تحليل السلوك التطبيقي (Applied Behavior Analysis – ABA)، لكنه يدمجها مع أساليب اللعب والتفاعل الاجتماعي الطبيعي لتعزيز المهارات اللغوية والاجتماعية والإدراكية لدى الطفل في بيئة ممتعة وتفاعلية.

 

مفهوم نموذج دنفر المبكر

يرتكز هذا النموذج على فكرة أن الأطفال في سنواتهم الأولى يتعلمون بشكل أفضل من خلال اللعب والتفاعل الاجتماعي الإيجابي. لذلك فإن التدخل لا يتم عبر تعليم مباشر صارم، بل من خلال أنشطة اللعب اليومية التي تتيح للطفل التواصل والاستكشاف ضمن بيئة مشجعة و مليئة بالتفاعل.

يركّز نموذج دنفر المبكر على أربعة مبادئ أساسية:

  1. فهم طبيعة التعلّم الطبيعي في مرحلة الطفولة المبكرة: أي الاستناد إلى الطريقة التي يتعلم بها الأطفال الطبيعيين من خلال اللعب والتقليد والتفاعل.
  2. بناء علاقات إيجابية بين الطفل والأخصائي: حيث تُعد العلاقة الدافئة والمحبّة أساسًا لأي تقدّم في التواصل الاجتماعي.
  3. استخدام اللعب والنشاطات اليومية كوسيلة تعليمية: يتم الدمج بين التعلّم والمرح بشكل يجعل الطفل يشارك بفعالية دون شعور بالضغط.
  4. تشجيع التواصل والتفاعل الاجتماعي أثناء اللعب: إذ يُستخدم اللعب الجماعي أو الفردي لتحفيز مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي.

 

كيفية تطبيق النموذج

يمكن تطبيق نموذج دنفر المبكر في أماكن متعددة مثل المنزل، العيادة، أو المدرسة. وتتنوع طرق التطبيق بين:

  • جلسات فردية (One-on-One) بين الأخصائي والطفل.
  • جلسات جماعية (Group Sessions) داخل فصول أو مراكز متخصّصة.

يُعرف النموذج بمرونته العالية، إذ يمكن تعديله بما يتناسب مع قدرات الطفل ومستوى تطوّره، سواء كان يعاني من صعوبات تعلم شديدة أو بسيطة. وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال ذوي التحديات الكبرى يمكن أن يحققوا تحسّنًا ملحوظًا مماثلًا لأقرانهم الأقل تأثّرًا باضطراب طيف التوحّد.

 

دور الوالدين في برنامج ESDM

يُعتبر مشاركة الوالدين من أهم عناصر نجاح نموذج دنفر المبكر. فالأخصائيون لا يقتصر دورهم على تقديم الجلسات، بل يعلّمون الأهل كيفية استخدام استراتيجيات اللعب والتفاعل في حياتهم اليومية.

يتضمّن ذلك:

  • شرح التقنيات للأهل خطوة بخطوة.
  • تدريبهم على استخدام اللعب كوسيلة للتعليم.
  • تشجيعهم على دمج الطفل في الأنشطة الأسرية لتوسيع فرص التعلّم.

وقد بينت الأبحاث أن تطبيق الأهل لهذه الطرق في المنزل يعزز التقدّم ويجعل النتائج أكثر استدامة، كما يقلل من الضغوط النفسية عليهم ويزيد ثقتهم في قدرتهم على دعم طفلهم.

 

من هم مقدّمين خدمات ESDM؟

يمكن أن يقدّم العلاج عدد من المختصين، منهم:

  • الأخصائي النفسي (Psychologist)
  • اختصاصي تحليل السلوك التطبيقي (BCBA)
  • أخصائي علاج وظيفي (Occupational Therapist)
  • أخصائي نطق ولغة (Speech and Language Pathologist)
  • اختصاصي تدخل مبكر (Early Intervention Specialist)
  • طبيب أطفال تنموي (Developmental Pediatrician)

لكن لا بد أن يكون الأخصائي حاصلًا على تدريب وشهادة معتمدة في ESDM، وتشمل متطلبات الحصول على الاعتماد:

  1. حضور ورش تدريب رسمية حول نموذج دنفر المبكر.
  2. تقديم تسجيلات فيديو تُظهر تطبيقه للتقنيات أثناء الجلسات.
  3. إثبات قدرته على استخدام الاستراتيجيات بدقة وبشكل موثوق.

يضمن هذا النظام أن يمتلك الأخصائي الكفاءة والخبرة اللازمتين لتطبيق النموذج بنجاح.

 

فعالية نموذج دنفر المبكر (الأدلة البحثية)

أُجريت أكثر من اثنتي عشرة دراسة علمية على نموذج دنفر المبكر، شملت أطفالاً تبدأ أعمارهم من 18 شهرًا فقط وحتى أربع سنوات، وأثبتت فعاليته في تطوير:

  • اللغة والاستيعاب
  • المهارات الاجتماعية والتفاعلية
  • السلوك التكيفي (Adaptive Behavior)
  • التقليل من أعراض اضطراب طيف التوحّد العامة

تنوّعت الدراسات بين:

  • تطبيق النموذج في جلسات فردية يقدمها مختصون معتمدون.
  • تطبيقه في مجموعات داخل مراكز أو رياض أطفال.
  • تدريب الأهل لتطبيق النموذج بأنفسهم في المنزل.

وقد أظهرت النتائج تحسّنات ملحوظة في التواصل اللفظي وغير اللفظي، بالإضافة إلى تطوّر القدرات الإدراكية. كما وجدت دراسات باستخدام تصوير الدماغ الوظيفي (fMRI) أن الأطفال الذين خضعوا لـ ESDM أظهروا نشاطًا دماغيًا أقرب إلى الأطفال غير المشخّصين باضطراب طيف التوحّد أثناء مهام التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى أثر حقيقي على مستوى بنية الدماغ ووظائفه.

 

تغطية التأمين العلاجي

تختلف تغطية نموذج دنفر المبكر من نظام تأميني إلى آخر:

  • في بعض الولايات الأمريكية، تُلزم القوانين شركات التأمين الخاصة بتغطية خدمات اضطراب طيف التوحّد، بما في ذلك ESDM، إذا كانت مصنّفة كـ “ضرورة طبية”.
  • جميع برامج Medicaid في الولايات المتحدة مطالبة بتغطية العلاجات الضرورية طبيًا للأطفال دون 21 عامًا، بما في ذلك نموذج دنفر المبكر إذا أوصى به الطبيب.
  • بعض الأطفال يستفيدون من ESDM من خلال برامج التدخل المبكر الحكومية المجانية أو منخفضة التكلفة، المخصصة لمن هم دون سن الثالثة ممن يتأخر نموهم عن المعدل الطبيعي.

أسئلة يُستحسن طرحها قبل البدء بالعلاج

ينصح المختصون الأهالي بطرح الأسئلة التالية قبل بدء البرنامج مع أي أخصائي:

  1. من الذي سيعمل مع طفلي مباشرة؟
  2. ما نوع التدريب الذي تقدمه للوالدين؟
  3. أين تُعقد جلسات العلاج (المنزل، المركز، المدرسة)؟
  4. كيف تحدّد أهداف البرنامج لطفلي؟
  5. هل أنت حاصل على تدريب وشهادة ESDM رسمية؟
  6. هل يمكنني حضور الجلسات أو المشاركة فيها؟
  7. هل الجلسات ستكون فردية أم جماعية؟
  8. كيف تتعامل مع السلوكيات الصعبة أو المقاومة؟
  9. كيف تقيس التقدّم وما هي مؤشرات النجاح؟
  10. ما نوع التقدّم المتوقع خلال فترة العلاج؟

 

الخاتمة

يُعتبر نموذج دنفر المبكر (ESDM) أحد أبرز أساليب التدخّل السلوكي الحديثة وأكثرها دعمًا بالأدلة العلمية في علاج اضطراب طيف التوحّد لدى الأطفال الصغار.

يمتاز بدمجه بين اللعب الطبيعي والتحليل السلوكي، ويتميّز بتركيزه على العلاقة الإيجابية بين الطفل والأخصائي، إضافةً إلى تمكين الوالدين ليكونوا جزءًا فاعلًا من العملية العلاجية.

لقد أثبتت الأبحاث أن التدخّل المبكر باستخدام هذا النموذج يمكن أن يغيّر مسار تطوّر الطفل بشكل ملموس، وأنه يُعدّ أحد أكثر النماذج شمولية وفاعلية للأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحّد في المراحل الأولى من حياتهم.

المرجع : 

Early Start Denver Model (ESDM) | Autism Speaks https://www.autismspeaks.org/early-start-denver-model-esdm