ترجمة : أ. جنا الدوسري
يواجه الأطفال الذين يعانون من اضطراب اللغة النمائي (DLD) صعوبات ملحوظة في اكتساب العديد من البُنى اللغوية الأساسية والمعقدة على حدّ سواء. ويُعد الكشف المبكر والتدخل العلاجي الفعّال عنصرين بالغَي الأهمية للحد من الآثار السلبية طويلة المدى، والتي قد تمتد لتؤثر على التطور الأكاديمي والاجتماعي والانفعالي للأطفال. فكلما كان التدخل مبكرًا وأكثر دقة، زادت القدرة على تحسين المهارات اللغوية وتقليل احتمالية ظهور صعوبات مستقبلية في القراءة والكتابة والتواصل الاجتماعي. وفي ظل التطور المتسارع للتقنيات الذكية، تسعى العديد من الدراسات إلى استخدام الخوارزميات المتقدمة في تحديد السمات اللغوية المميزة للأطفال المشخّصين بـ DLD وتطوير نماذج دقيقة للتنبؤ بالحالة. تهدف هذه الدراسة بالتحديد إلى تطوير طريقة آلية للتعرّف على DLD باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا الشبكات العصبية الاصطناعية، مع الإشارة إلى أنها تُطبَّق للمرة الأولى على أطفال من متحدثي اليونانية القبرصية، مما يضيف قيمة علمية تستهدف اللغات الأقل دراسة في مجال الاضطرابات اللغوية.
تم تدريب النموذج باستخدام بيانات إدراكية وإنتاجية مأخوذة من 15 طفلًا يعانون من DLD و15 طفلًا من النمو النمطي (TD)، تراوحت أعمارهم بين 7;10 و10;4 سنوات. وقد تم جمع البيانات بطريقة منهجية لضمان تمثيل مناسب للخصائص اللغوية، مع استخدام تقنية التقسيم المتقاطع k-fold لضمان قدرة النموذج على التعميم بدقة عالية. وتم تقييم أداء النموذج باستخدام عدة مقاييس دقيقة ومعروفة في مجال تعلم الآلة، مثل الدقة والاسترجاع والدقة التنبؤية ودرجة F1 ومنحنى ROC وقيمة AUC، وذلك لقياس فعاليته في التنبؤ بنتائج بيانات جديدة لم تُستخدم أثناء مرحلة التدريب.
أظهرت النتائج قيمًا مرتفعة لجميع المقاييس، مما يشير إلى قدرة عالية جدًا للنموذج في تصنيف الأطفال بشكل صحيح بين فئتي DLD وTD. كما كشف تحليل أهمية المتغيرات أن مهارات الإنتاج اللغوي لدى الأطفال—وخاصة الجوانب المورفولوجية والصرفية—كان لها التأثير الأكبر على أداء النموذج، مقارنة بمهارات الإدراك التي جاءت في مرتبة أقل. وتؤكد هذه النتائج إمكانات نماذج التعلم الآلي في تحسين التقييم السريري وتحقيق كشف مبكر دقيق وسريع، خاصة في البيئات التي يصعب فيها إجراء تقييمات شاملة أو التي تفتقر إلى مختصين مدربين تدريبًا كافيًا.
المقدمة
اضطراب اللغة النمائي (DLD) هو اضطراب نمائي عصبي يؤثر في مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة اللغة وفهمها وإنتاجها. وهو أحد الاضطرابات الشائعة عالميًا، حيث تشير الإحصاءات إلى أنه يصيب ما يقارب 7.58% من الأطفال. ولا تقتصر آثاره على صعوبات لغوية سطحية، بل تشمل مشكلات عميقة تمس البنية النحوية والصرفية والدلالية، بالإضافة إلى اضطراب في مهارات التواصل الاجتماعي والتداولي. ويُعد الأطفال المصابون بـ DLD من بين الفئات الأكثر عرضة لمشكلات أكاديمية لاحقًا، نظرًا لما لهذه الصعوبات اللغوية من تأثير مباشر على تعلم القراءة والكتابة والتفاعل داخل البيئة الصفية.
ورغم ظهور علامات الاضطراب منذ مرحلة الطفولة المبكرة، إلا أن التشخيص غالبًا ما يتم في سنوات المدرسة الابتدائية، وقد يكون أحيانًا متأخرًا أو غير دقيق بسبب غياب أدوات موحدة للتقييم أو عدم كفاية التدريب لدى المختصين. ومن هنا تأتي الحاجة إلى تطوير آليات تقييم حديثة تستند إلى بيانات موضوعية ويمكن تشغيلها بسرعة ودقة. ولهذا السبب أصبح الذكاء الاصطناعي مجالًا واعدًا في تحليل الأنماط اللغوية، خاصة أنه قادر على معالجة كميات كبيرة من البيانات ورصد فروقات دقيقة جدًا قد يصعب على المختص ملاحظتها.
ورغم وجود عدد من الدراسات التي استخدمت خوارزميات تعلم الآلة لتحديد DLD، إلا أن أغلبها ركّز على جوانب الإنتاج اللغوي فقط، بينما أهملت جوانب الإدراك والاستجابة الزمنية. وبذلك تأتي هذه الدراسة لتقدم نموذجًا أكثر شمولًا، يجمع بين الإدراك والإنتاج، مع تطبيقه على لغة قليلة البحث مثل اليونانية القبرصية.
المنهجية
العينة
تكونت العينة من 30 طفلًا، منهم 15 طفلًا من فئة DLD و15 من فئة TD، مع الحرص على تحقيق التطابق العمري. كما خضع جميع المشاركين لاختبار الذكاء اللفظي وغير اللفظي لضمان استبعاد أي قصور معرفي قد يؤثر على النتائج. وتم وضع شروط دقيقة للاشتراك، مثل أن يكون الطفل متحدثًا أصليًا للغة المستخدمة وأن يكون سليم السمع وخاليًا من الاضطرابات العصبية.
المواد
تضمنت الدراسة اختبارات إدراكية تشمل:
- إدراك الأصوات (الفونولوجيا)
- اختبارات النحو مثل:
• توافق الفاعل والفعل
• الضمائر الكلية
• الجمل الموصولة - اختبار الدلالة (المعاني)
كما تضمنت المهام الإنتاجية قياس المفردات، والبنية الصرفية والنحوية، وتكرار الجمل.
إجراء التجربة
تم تقديم المهام عبر برنامج Praat المستخدم عالميًا في تحليل الأصوات، مع تسجيل دقيق للاستجابات وزمن رد الفعل. ويسمح هذا الأسلوب بالحصول على بيانات كمية يمكن إدخالها مباشرة في نموذج الذكاء الاصطناعي.
تدريب الخوارزمية
تم تقسيم البيانات إلى 80% للتدريب و20% للاختبار، مع تطبيق 10-fold cross validation. كما تم اختبار عدة إعدادات داخل الشبكة العصبية لضمان اختيار النموذج الأكثر استقرارًا ومنع ظهور مشكلة فرط التخصيص.
النتائج
أظهر النموذج أداءً قويًا:
- الدقة: 0.90
- الدقة التنبؤية: 0.87
- الاسترجاع: 0.92
- F1: 0.89
- AUC: 0.90
وأظهر تحليل أهمية المتغيرات أن الإنتاج المورفوصرفي هو العامل الأكثر تأثيرًا، يليه المفردات، ثم تكرار الجمل. بينما كانت مساهمة الإدراك أقل تأثيرًا مما كان متوقعًا، وزمن الاستجابة لم يضف معلومات ذات قيمة.
المناقشة
تشير النتائج إلى فعالية كبيرة للنموذج في التمييز بين الأطفال المشخّصين بـ DLD وأقرانهم من TD. وتدعم هذه النتائج فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة في التقييم السريري، خاصة في البيئات التي يصعب فيها توفير تقييمات تقليدية. كما تؤكد الدراسة أن مهارات الإنتاج هي المؤشر الأكثر دقة للكشف عن DLD مقارنة بالإدراك، وهو أمر يتسق مع الأدبيات السابقة.
ومع ذلك، يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي بحذر، خاصة أن جودة النموذج تعتمد على حجم العينة وجودة البيانات وتمثيلها للفئات اللغوية المختلفة.
الخاتمة
توضح الدراسة أن استخدام الشبكات العصبية في تقييم اضطراب اللغة النمائي يُعد اتجاهًا واعدًا، ويمكن أن يساهم في إحداث تطور كبير في أدوات التشخيص. لكن لا بد من إجراء دراسات مستقبلية بعينات أكبر، تشمل لغات مختلفة، مع إضافة خصائص صوتية وسلوكية ومعرفية لتعزيز قدرة النموذج على التنبؤ. وتمثل هذه الخطوة بداية نحو تطوير أدوات ذكية قادرة على تقديم تشخيص سريع وموضوعي ودقيق يساعد المختصين في تحسين جودة التدخلات العلاجية للأطفال المشخّصين بـ DLD.
المرجع:
Detection of developmental language disorder in Cypriot Greek children
using a neural network algorithm
https://arxiv.org/pdf/2311.15054





