ترجمة : أ. نوره الدوسري
يُعتبر البلوغ مرحلة مهمة في حياة كل طفل، حيث يشهد تغيّرات كبيرة جسدية وعاطفية ونفسية. بالنسبة للمشخّصين باضطراب طيف التوحد – وللوالدين الذين يحبونهم ويهتمون بهم – قد يبدو هذا الانتقال أكثر تعقيدًا. فمن الطبيعي تمامًا أن يشعر الأهل بمزيج من القلق وعدم اليقين وحتى الحزن مع بداية هذا التحول الذي قد يجلب تغيّرات غير متوقعة. ومع ذلك، من خلال الوعي والتعاطف واستخدام الأدوات المناسبة، يمكنكم مساعدة أبنائكم على اجتياز مرحلة البلوغ، مع الحفاظ أيضًا على صحتكم النفسية.
كيف يمكن أن يبدو البلوغ مختلفًا عند المشخّصين باضطراب طيف التوحد؟
يمر المشخّصون باضطراب طيف التوحد بمرحلة البلوغ مثل أقرانهم من غير المشخّصين، لكن الطريقة التي تظهر بها هذه التغيرات قد تحمل بعض الاختلافات. إن فهم هذه الفروقات يُعتبر أمرًا أساسيًا لتقديم الدعم المناسب لهم.
زيادة الحساسية الحسية
يُصاحب البلوغ تغيّرات هرمونية قد تزيد من شدة الحساسية الحسية. فالطفل الذي يعاني أصلًا من صعوبة في تحمّل الضوضاء العالية، أو ملمس الملابس، أو الأضواء الساطعة، قد يجد أن هذه المثيرات أصبحت أكثر إزعاجًا. كما أن التغيرات الجسدية مثل نمو الثديين، أو ظهور الشعر في الجسم، أو بدء الدورة الشهرية قد تكون مرهقة أو مزعجة جدًا للمشخّصين باضطراب طيف التوحد الذين يعانون من فرط الحساسية تجاه اللمس أو الأحاسيس غير المألوفة.
ما يجب مراقبته:
- زيادة تجنّب بعض الملموسات (مثل شعر الإبط، الملابس الداخلية، الفوط الصحية).
- ردود فعل عاطفية قوية تجاه الضوضاء أو الزحام.
- ازدياد نوبات الانهيار العاطفي بسبب انزعاجات تبدو بسيطة.
كيفية المساعدة:
- تقديم ملابس ومنتجات نظافة صديقة للحواس.
- الاستعداد المسبق للتغيرات الجسدية عبر استخدام وسائل بصرية مثل الكتب أو القصص الاجتماعية.
- التحقق من مشاعرهم وتجنّب التقليل من معاناتهم.
اضطراب التنظيم العاطفي وتقلبات المزاج
يمر معظم المراهقين بتغيرات مزاجية وصعوبات في التحكم العاطفي، لكن بالنسبة للمشخّصين باضطراب طيف التوحد، قد تصبح هذه التحديات أكثر وضوحًا في فترة المراهقة. فقد تؤدي التغيرات الهرمونية إلى تضخيم المشاعر، مما يسبب لحظات من الإحباط أو الحزن أو القلق، وقد يفتقرون إلى الأدوات اللازمة للتعبير عنها أو التحكم فيها.
ما يجب مراقبته:
- زيادة الانفعالية أو السلوك العدواني.
- الانسحاب أو الانغلاق على الذات.
- مظهر من مظاهر “التراجع” في التواصل أو السلوك.
كيفية المساعدة:
- الحفاظ على روتين يومي متوقع وبيئة منظمة.
- استخدام وسائل بصرية أو جداول للمشاعر لمساعدتهم في التعرف على مشاعرهم والتعبير عنها.
- العمل مع معالج مدرّب على التعامل مع المراهقين المشخّصين باضطراب طيف التوحد لبناء مهارات التنظيم العاطفي.
التغيرات في الوعي الاجتماعي والهوية
مع نمو الأطفال، يزداد وعيهم بالقواعد الاجتماعية والعلاقات مع الأقران. قد يكون هذا مربكًا بشكل خاص للمشخّصين باضطراب طيف التوحد الذين قد يواجهون صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية أو قد يشعرون بأنهم “مختلفون” عن الآخرين. كما أن الرغبة في الاندماج، وتطوير اهتمامات عاطفية، أو بناء هوية شخصية يمكن أن تكون مصادر قلق أو ضعف في تقدير الذات.
ما يجب مراقبته:
- زيادة القلق بشأن الصداقات أو الاندماج الاجتماعي.
- ارتباك حول الهوية الجندرية أو التوجه الجنسي (وهي قضايا معقدة لجميع المراهقين، ولكنها قد تكون أكثر إرباكًا للمشخّصين باضطراب طيف التوحد).
- رغبة في الاستقلالية، لكن مع عدم اليقين بشأن كيفية تحقيقها.
كيفية المساعدة:
- إجراء محادثات طبيعية ومنتظمة حول الهوية والعلاقات والموافقة.
- استخدام موارد تعليمية شاملة حول الجنس والهوية مصممة للمتعلمين ذوي التنوع العصبي.
- مساعدة الطفل على بناء المهارات الاجتماعية وفق وتيرته الخاصة من خلال مجموعات دعم أو موارد علاجية.
دعم أنفسكم كأهل
قد ينصب تركيزكم على طفلكم، ولكن من المهم أن تتذكروا أن صحتكم النفسية مهمة أيضًا. إن تربية طفل مشخّص باضطراب طيف التوحد خلال مرحلة البلوغ قد تكون مرهقة عاطفيًا. فقد تجدون أنفسكم تتنقلون بين المواعيد الطبية، والمطالبة بالتسهيلات، والتعامل مع التحديات المدرسية والاجتماعية، إلى جانب محاولة دعم مشاعر طفلكم.
بعض الطرق للعناية بأنفسكم خلال هذه المرحلة:
تقبّل مشاعركم الخاصة
من الطبيعي أن تشعروا بالإرهاق أو القلق أو حتى الحزن. يمثل البلوغ نقطة تحوّل في نمو طفلكم، وقد يثير مخاوف بشأن المستقبل، إضافة إلى مشاعر الحزن لفقدان بساطة الطفولة.
اسمحوا لأنفسكم بـ:
- الشعور بمختلف الانفعالات.
- طلب الدعم دون الشعور بالذنب.
- تقبّل فكرة أنكم قد لا تملكون جميع الإجابات.
التواصل مع أولياء أمور آخرين
يمكن أن يكون المجتمع مصدر قوة. فالتحدث مع آباء وأمهات لديهم أبناء مشخّصون باضطراب طيف التوحد يمرون بالبلوغ قد يساعدكم في تقليل شعور العزلة، كما يتيح تبادل النصائح والدعم.
من أين تبدأون:
- الانضمام إلى مجموعة دعم محلية أو عبر الإنترنت.
- حضور ورش عمل أو ندوات عبر الإنترنت تركّز على التوحد والمراهقة.
- التواصل مع مزوّد خدمة مثل محلل السلوك للحصول على إرشاد ودعم خلال هذه المرحلة.
وضع حدود وطلب المساعدة
لستم مضطرين لفعل كل شيء بمفردكم. سواء من خلال تفويض بعض المهام المنزلية، أو أخذ استراحة عند الحاجة، أو رفض التزامات تستنزف طاقتكم، فإن وضع الحدود يُعتبر خطوة أساسية في الرعاية الذاتية.
فكّروا في:
- تخصيص وقت ثابت لأنفسكم، ولو كان 15 دقيقة يوميًا.
- طلب العلاج النفسي أو الاستشارة لمواجهة مشاعركم.
- إشراك أفراد العائلة أو الأصدقاء في رعاية الطفل أو إدارة المهام المنزلية.
نصائح عملية لدعم أطفالكم خلال البلوغ
- ابدأوا الحديث مبكرًا: استخدموا لغة بسيطة وصادقة للحديث عن البلوغ قبل أن تبدأ التغيّرات. الوسائل البصرية أو القصص الاجتماعية أو الكتب المناسبة للعمر قد تساعد في جعل المفاهيم المجردة أوضح.
- طَبّعوا التغيّرات: صوّروا البلوغ كجزء طبيعي من النمو. طمئنوا أطفالكم أن تجاربهم – حتى المربكة أو غير المريحة منها – طبيعية ويمكن التعامل معها.
- ابنوا روتينًا ثابتًا للنظافة: علّموا مهارات النظافة تدريجيًا وباستمرار. قسّموا الروتين إلى خطوات صغيرة باستخدام وسائل بصرية أو قوائم، ووفّروا منتجات ملائمة للحواس مثل مزيلات العرق غير المعطّرة أو الفوط الصحية المريحة.
- استخدموا الأدوات المناسبة لأطفالكم: لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع. راقبوا ما يساعد أطفالكم على التنظيم – سواء كان فترات استراحة حسية، أو أنشطة مهدّئة، أو تذكيرات بصرية، أو وقتًا فرديًا – وأدمجوا ذلك في حياتكم اليومية.
- كونوا صبورين مع التطور الاجتماعي والعاطفي: البلوغ لا يعني أن أطفالكم سيفهمون فجأة القواعد الاجتماعية أو يعرفون كيفية التعامل مع المشاعر الجديدة. احتفلوا بالإنجازات الصغيرة وقدموا دعمًا إضافيًا عند مواجهة التحديات الاجتماعية.
متى يجب طلب دعم إضافي؟
قد تكون هناك أوقات تحتاجون فيها إلى مساعدة مهنية. يمكنكم طلب الدعم في أي وقت، ولكن هناك مواقف تستدعي التدخل بشكل خاص، مثل:
- إذا عبّر الطفل عن قلق شديد أو اكتئاب.
- إذا بدأ الطفل بإيذاء نفسه أو أظهر أفكارًا انتحارية.
- إذا واجه صعوبة في إدارة الدورة الشهرية أو النظافة الشخصية بشكل مستقل.
- إذا كان الطفل يواجه صعوبة في التكيف مع المدرسة أو الحياة اليومية بسبب التغيرات العاطفية.
يمكن للمعالجين النفسيين أو الأخصائيين النفسيين أو محللي السلوك أو أطباء الأطفال التنمويين الملمين باضطراب طيف التوحد أن يقدموا دعمًا وإرشادًا لا يُقدّر بثمن.
التوحد والبلوغ
قد تكون مرحلة البلوغ صعبة لكل مراهق ولكل والد. ولكن بالنسبة للعائلات التي تتعامل مع التوحد، فإن هذه المرحلة قد تكون أكثر تعقيدًا. أثناء رعايتكم لأطفالكم، يجب أن تحرصوا أيضًا على رعاية أنفسكم. لا يوجد أسلوب مثالي للتربية خلال مرحلة البلوغ، لكن محبتكم ودعمكم واستعدادكم للنمو جنبًا إلى جنب مع أطفالكم سيصنع الفارق الأكبر.
المرجع :
How Puberty Can Look Different in Autistic Children:
https://behavioral-innovations.com/blog/puberty-autism-supporting-your-child-and-yourself





