الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

لماذا يبدو طفلي غاضبًا جدًا ؟

لماذا يبدو طفلي غاضبًا جدًا ؟

ترجمة: أ. رزان بن دهر 

تستيقظ آن كل صباح و هي تشعر بالقلق، ابنها سام — الذي تم تشخيصه باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) و اضطراب التحدي المعارض (ODD) — يظهر سلوكيات يصعب التنبؤ بها ، أحيانًا يتعامل بهدوء مع روتين الصباح، وأحيانًا أخرى ينفجر غضبًا لأتفه الأسباب؛ كطلب ارتداء ملابسه، أو حدوث تغيير غير متوقع في طريق الذهاب إلى المدرسة، أو حتى رد بسيط بكلمة ”لا” عندما يطلب تناول البيتزا على العشاء.

تقول آن، وهي مديرة للعلاقات عامة في مدرسة ثانوية: “كل يوم،  لا أعرف ما الذي يمكن أن أتوقعه منه. يبدأ بالصراخ والركل إذا لم تسر الأمور بالطريقة التي يرغب بها”.

تم تشخيص سام باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عندما كان في الخامسة من عمره، وعلى الرغم من أن هذا التشخيص فسّر بعض الصعوبات التي كان يواجهها في المدرسة، إلا أنه لم يفسّر سلوكياته العدوانية والمتحدّية، ولم تبدأ آن في طلب المساعدة الإضافية لسلوكيات ابنها إلا مع بداية هذا العام الدراسي، حين بدأت سلوكياته تشكل ضغطًا كبيرًا على العائلة، وبعد مراجعة طبيب الأطفال، تم تشخيصه أيضًا باضطراب التحدي المعارض (ODD).

كيف يمكن التعرف على اضطراب التحدي والتمرد (ODD) لدى الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)؟

الأطفال المشخصين باضطراب التحدي المعارض يظهر لديهم نمط متكرر من السلوكيات الغاضبة والعنيفة والمزعجة تجاه الوالدين ومقدمي الرعاية وذلك قبل سن البلوغ، يعد هذا الاضطراب أكثر شيوعًا بين الذكور في مرحلة الطفولة، أما بعد البلوغ فيصبح انتشاره متساويًا بين الجنسين، والطفل سام ليس حالة فريدة من نوعها، فقد تم تشخيصه باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) بالإضافة إلى اضطراب التحدي المعارض. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 40% من الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) يتم تشخصيهم أيضًا باضطراب التحدي المعارض (ODD).

كل الأطفال يتصرفون أحيانًا بشكل سيء ويختبرون الحدود الموضوعة لهم، وقد يبدو اضطراب التحدي المعارض (ODD) مشابهًا للسلوك الطبيعي لدى الأطفال في مرحلة المراهقة: الجدال، ونوبات الغضب، والسلوكيات العدوانية، لكن الخطوة الأولى في التعامل مع هذه السلوكيات غير المرغوب فيها هي التعرف على ما إذا كان الأطفال يظهرون سلوكيات تشير إلى اضطراب التحدي المعارض (ODD) أم لا. فكيف يمكن التمييز بين السلوك الطبيعي للأطفال وبين السلوك الذي يشير إلى حاجة لتدخل مختص؟

يقول الدكتور روس غرين، الأستاذ المساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب الطفل الغاضب والضائع في المدرسة، لا يوجد خط فاصل واضح بين “العناد الطبيعي” واضطراب التحدي المعارض (ODD)، ويشرح أن غياب المعايير الواضحة هو السبب في اختلاف آراء المختصين حول ما إذا كان ينبغي تشخيص الأطفال باضطراب (ODD) أم لا.

يؤكد غرين أن القرار يعود  للوالدين في طلب المساعدة لطفلهما ويقول: “إذا كنتم تواجهون صعوبة في التعامل مع سلوكيات أطفالكم، وكانت هذه السلوكيات تسبب توتر أو مشاكل في المنزل أو المدرسة، فأنتم بذلك قد استوفيتم شروط وجود مشكلة فعلية”. ويضيف: “أنصح في هذه الحالة بطلب مساعدة من مختص”.

آن لم تكن قد سمعت من قبل عن اضطراب التحدي المعارض (ODD) عندما اتصلت بأخصائية العلاج السلوكي المعرفي لتناقش معها استراتيجيات للتعامل مع سلوك ابنها المتقلب، وبعد أن قضت الأخصائية بعض الوقت في منزل العائلة، تراقب سام وتفاعلاته مع والدته، لاحظت علامات تشير إلى احتمالية وجود اضطراب ODD. تقول آن: “لم أكن أفهم ما الذي تتحدث عنه” وفي الزيارة التالية للطبيب، سألت آن ما إذا كان من الممكن أن يكون اضطراب ODD هو السبب في سلوك سام، فأجابها الطبيب بنعم.

تقول آن: “عندما فكرت بالأمر، بدأ التشخيص منطقيًا”، “لم تنجح أي من الاستراتيجيات التي استخدمتها مع ابنتي الكبرى — مثل العد التنازلي لفرض عقوبة ما — في السيطرة على سلوك سام.”

أم أخرى، تُدعى جين غازداج، وهي محاسبة من نيويورك، بدأت تلاحظ سلوكيات مقلقة لدى ابنها شيموس برادي، الذي يبلغ الآن ثماني سنوات، عندما كان في الرابعة من عمره، تقول جين: “كان يصرخ لساعتين أو ثلاث بسبب أشياء تافهة جدًا، كان يعارض كل شيء.”

عندما أدركت جين أنها توقفت عن محاولة القيام بأشياء ممتعة مع ابنها — مثل قضاء يوم في مانهاتن — لأن الأمر أصبح مرهقًا جدًا لها، بدأت تشك بأن لديه اضطراب التحدي المعارض (ODD) وتحدثت إلى طبيب الأطفال حول ذلك، وتم بالفعل تشخيص ابنها به.

تظهر أعراض اضطراب التحدي المعارض (ODD) غالبًا في سلوكيات الأطفال تجاه مقدمي الرعاية الأساسيين لهم، وقد تمتد السلوكيات إلى المعلمين أو غيرهم، لكن إذا كانوا الأطفال مشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، فإن أعراض اضطراب التحدي المعارض (ODD) عادةً ما تظهر خلال عامين من تشخيص ADHD.

وإذا بدأوا الأطفال في إظهار سلوكيات معارضة، فهناك طريقة بسيطة لتمييز ما إذا كان هذه السلوكيات نتيجة لـ ADHD أم أنه علامة على وجود اضطراب ODD، يقول الدكتور راسل باركلي، أستاذ الطب النفسي وطب الأطفال السريري في جامعة ساوث كارولاينا الطبية: “ADHD لا يتعلق بمشكلة في بدء المهام، بل في إنهائها، أما إذا كانوا الأطفال غير قادرين على بدء المهمة أساسًا، فهذه علامة على  وجود ODD.”

الرابط بين السلوكيات الاندفاعية والمعارضة: كيف يتداخل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه واضطرابات الغضب

لفهم سبب شيوع اضطراب التحدي المعارض (ODD) بين الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، يجب فهم البعدين الأساسيين لهذا الاضطراب، وهما الجانب العاطفي والاجتماعي، كما يوضح الدكتور باركلي. فالإحباط، وعدم الصبر، والغضب هي من عناصر البعد العاطفي، بينما الجدال والمعارضة من عناصر البعد الاجتماعي.

معظم الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يكون لديهم سلوكيات اندفاعية، وهو ما يغذي الجانب العاطفي لاضطراب التحدي المعارض (ODD). يقول باركلي: “بالنسبة للأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، يتم التعبير عن مشاعرهم بسرعة، في حين يستطيع الآخرون كبت مشاعرهم. ولهذا السبب، فإن النسبة الصغيرة من الأطفال المشخصين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) من النوع الذي يتميز بتشتت الانتباه دون فرط حركة لديهم احتمال أقل للتشخيص باضطراب التحدي المعارض (ODD)، أما الأطفال الذين يجمعون بين اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والاندفاعية الشديدة، فهم أكثر عرضة للتشخيص باضطراب التحدي المعارض (ODD).

 يصعب التعامل مع الغضب والإحباط لدى الأطفال المشخصين بـ (ODD) و (ADHD)، لكن السلوكيات المعارضة الناتجة عن اضطراب التحدي المعارض (ODD) هي التي تزيد من حدة الضغوط التي تواجهها الأسر. والمفاجئ أن الأسر أنفسهم قد يُسهمون في تعزيز هذه السلوكيات، فإذا استسلموا الأسر بسرعة لنوبات غضب الأطفال، يتعلم الأطفال أنهم يستطيعون التلاعب بالمواقف من خلال الغضب وافتعال الصراعات. هذه السلوكيات تُعد مكتسبة، لكن يمكن إعادة تشكيلها وتغييرها من خلال التدخل السلوكي.

كيف يجب أن يتعامل الأسر مع اضطراب اضطراب التحدي المعارض (ODD) و اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)؟

قبل معالجة اضطراب التحدي المعارض (ODD) لدى الأطفال، من المهم أولًا السيطرة على أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، يقول الدكتور غرين: “عندما نقلل من فرط الحركة، والاندفاعية، وتشتت الانتباه لدى الأطفال — سواء عن طريق الأدوية أو غيرها — نلاحظ تحسنًا موازيًا في السلوكيات المعارضة”.

بالنسبة لبعض الأطفال لا تكون الأدوية كافية. بعد السيطرة على أعراض (ADHD)، يجب الانتقال لمعالجة سلوكيات (ODD).

وعلى الرغم من قلة الأدلة التي تُثبت فعالية أي علاج محدد لـ  (ODD)، إلا أن معظم المتخصصين يتفقون على أن التدخل السلوكي هو الأكثر فعالية، وهناك أشكال عديدة من التدخل السلوكي، لكن الفكرة العامة تقوم على مكافأة السلوكيات المرغوبة وتطبيق عواقب ثابتة وواضحة على السلوكيات غير المرغوبة.

برامج التدخل السلوكي لا تبدأ مع الأطفال، بل تبدأ مع البالغين، فالأطفال المشخصين باضطراب التحدي المعارض (ODD) غالبًا ما يكون لديهم أحد الوالدين يستسلم لنوبات الغضب والسلوكيات العنيفة، أو يطبق العقوبات بشكل غير منتظم على السلوكيات غير المرغوبة، مما يجعل الطفل يعتقد أن السلوك السيئ يمكن أن يوصله إلى ما يريد. ولهذا، يجب تثقيف الوالدين ليتعلموا كيفية الاستجابة بشكل فعال لسلوكيات الأطفال الذين يعانون من (ODD).

جزء آخر من تدريب الوالدين هو النظر في احتمال وجود أعراض غير مشخصة لاضطراب (ADHD) لدى أحد الوالدين؛  إذ يُلاحظ أن تعاملهم مع سلوك أطفالهم يغلب عليه التفاوت وعدم الانتظام في الأسلوب.

من المهم التأكيد على أن العقاب المنتظم ليس كافيًا وحده في برامج التدخل السلوكي؛ إذ ينبغي أن يتعلم الوالدان أيضًا كيفية تعزيز السلوك الإيجابي، من خلال تقديم المكافآت أو التشجيع عندما يظهر الأطفال سلوك مرغوب فيه.

كم من الوقت يستغرق تحسن اضطراب الغضب؟

يعمل الأخصائي السلوكي مع الأطفال والوالدين معًا للحد من السلوكيات غير المرغوبة. في حالة آن، كان السلوك الأكثر إزعاجًا هو قول ابنها “اخرس”، حيث كان يصرخ بهذه الكلمة في وجه أي شخص. بدأت آن بتدوين عدد مرات قول سام لهذه الكلمة خلال اليوم على ورقة متابعة، وفي نهاية اليوم كانت آن و ابنها ينظران إلى المجموع الكلي. إذا كان العدد أقل من الهدف المحدد لليوم، كانت تمنحه مكافأة صغيرة، مثل لعبة أو وقت للعب ألعاب الفيديو.

مع مرور الأيام، بدأ سام يحاول تقليل عدد مرات قول “اخرس”، و آن بدورها التزمت بتطبيق العقاب بشكل منتظم.

من المهم أن يشارك جميع من يعتنون بالأطفال في البرنامج، مثل الأجداد والمعلمين والمربيات وغيرهم من الكبار الذين يقضون وقتًا مع الأطفال، حيث يجب أن يدركوا أن مبدأ الثبات والاتساق في التدخل السلوكي يشملهم جميعًا.

يقول الدكتور غرين: “اضطراب التحدي المعارض (ODD) يؤثر سلبًا على العلاقات والتواصل بين الأطفال والكبار، لذلك من الأفضل البدء في تحسين الأمور في أقرب وقت ممكن.”

تؤمن آن بأن مثابرتها ستؤتي ثمارها في النهاية، وتقول: “نأمل أن يأتي اليوم الذي يستوعب فيه سام كل هذا الجهد الذي بذلناه من أجله.”

المرجع:

Why Is My Child So Angry?!

https://www.additudemag.com/adhd-odd-why-is-my-child-angry/