ترجمة : أ. نوره الدوسري
ماذا تعني السمات القاسية وغير العاطفية لدى الأطفال المشخّصين بهذا الاضطراب؟
اضطراب السلوك هو نمط من السلوك يتكرر فيه أن يقوم الطفل بأفعال تُلحق الأذى بالآخرين أو تنتهك المعايير والقواعد الاجتماعية. يُشخّص الطفل باضطراب السلوك عندما يتعمّد إيذاء أشخاص أو حيوانات، أو تدمير ممتلكات، أو سرقة أشياء، أو تحدي القواعد بشكل متكرر.
بعض الأطفال المشخّصين باضطراب السلوك يُقال إن لديهم “سمات قاسية وغير عاطفية”. وهذا يعني أنهم باردون ولا يُبدون اهتمامًا بما يُلحقونه من أذى بالآخرين. وتُعرف هذه السمات أيضًا باسم “انخفاض المشاعر الاجتماعية الإيجابية”.
لكن من المهم التنويه إلى أن بعض الأطفال الذين يُظهرون مشكلات سلوكية خطيرة يتم تصنيفهم أحيانًا ضمن اضطراب السلوك دون أن تكون الأسباب الحقيقية لسلوكهم مفهومة. على سبيل المثال، قد يثور الطفل ويؤذي شخصًا ما لأنه غاضب أو قَلِق. وقد يخالف القواعد لأنه متهور ولا يستطيع مقاومة ما يرغب به. ولا ينبغي اعتبار أي من هذه الحالات اضطراب سلوك.
غالبًا ما يستجيب الأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية للتعزيز الإيجابي عند قيامهم بسلوكيات مرغوبة، وللعواقب المناسبة عندما يُظهرون سلوكيات غير مرغوبة. وتُعلّم برامج تدريب الوالدين كيفية استخدام هذه الأساليب بشكل متسق. ولكن يصعب التأثير على الأطفال ذوي السمات القاسية وغير العاطفية لأنهم غالبًا لا يهتمون بالمديح أو العقاب.
قام باحثون بتطوير برنامج خاص لتدريب الوالدين يستهدف الأطفال الذين لديهم سمات قاسية وغير عاطفية، ويهدف إلى تحسين سلوكهم من خلال الحرص على أن تكون المكافآت والعواقب من الأمور التي تهمّ هؤلاء الأطفال بالفعل. وتشير التقارير المبكرة إلى أن البرنامج يحقق نتائج مع بعض الأطفال، لكن من المبكر الجزم بفعاليته.
اضطراب السلوك: التعريف
إذا كان طفلك يتصرف بشكل متكرر يسبب الأذى للآخرين، فقد يُقال لك إنه مشخص بما يُعرف باضطراب السلوك (Conduct Disorder – CD).
حسب التعريف، فإن اضطراب السلوك هو نمط من السلوك الذي ينطوي على انتهاك متكرر ومتعمد لحقوق الآخرين الأساسية، وكذلك خرق القواعد والمعايير الاجتماعية. لكن هذا لا يعني أن كل طفل عدواني أو عنيد مشخص بهذا الاضطراب، حتى وإن تم وصفه بذلك.
توضح الدكتورة ستيفاني لي، أخصائية علم النفس السريري المتخصصة في علاج الأطفال ذوي المشكلات السلوكية، أن هناك العديد من الأطفال الذين يعانون من سلوكيات إشكالية كبيرة لكنها لا تنطبق على نمط اضطراب السلوك. فقد يكون الطفل متهورًا، أو قلقًا، أو غير قادر على تنظيم مشاعره الكبيرة.
ويُضيف الدكتور بول فريك، أستاذ في جامعة ولاية لويزيانا وباحث في اضطراب السلوك:
“من المهم أن ندرك أن نسبة صغيرة فقط من الأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية هم من يُشخّصون فعليًا باضطراب السلوك.”
ما هو اضطراب السلوك؟
اضطراب السلوك (CD) هو حالة تؤثر في حوالي 2 إلى 3 بالمائة من السكان، ويمكن تشخيصها في أي عمر، وتنتشر أكثر بين الذكور. يُشخّص الطفل بهذا الاضطراب إذا كان يقوم بسلوكيات مثل:
- العدوان تجاه الأشخاص أو الحيوانات
- تدمير الممتلكات
- السرقة
- التمرد المتكرر على القواعد
- وتكون هذه السلوكيات شديدة لدرجة تؤثر على تعليمه وحياته الاجتماعية
ما هي السمات القاسية وغير العاطفية؟
من بين النسبة القليلة من الأطفال الذين يُشخّصون باضطراب السلوك، يُقدّر الدكتور فريك أن حوالي 10 بالمائة — أي أقل من 1 بالمائة من عموم السكان — يُظهرون ما يُعرف بـ”السمات القاسية وغير العاطفية”. ويُشخّص الطفل بهذه الحالة عندما لا يُظهر نفس مستوى التعاطف أو الشعور بالذنب أو الضمير كأقرانه.
غالبًا ما يوصف الأطفال الذين يُشخّصون باضطراب السلوك مع هذه السمات — والتي تُعرف أيضًا بـ”انخفاض المشاعر الاجتماعية الإيجابية” — بأنهم باردون وعديمو الرحمة. يفتقرون إلى التعاطف ويهتمون أكثر بكيفية تأثير أفعالهم عليهم هم، حتى لو كانت تُسبب الأذى لآخرين.
يقول أولياء أمور هؤلاء الأطفال إن طفلهم يفعل أي شيء لتحقيق ما يريده — مثل الكذب، أو السرقة، أو إيذاء الآخرين جسديًا — دون إبداء أي ندم.
وقد وجد الباحثون مؤشرات مبكرة تدل على أن الطفل قد يكون مشخصا باضطراب السلوك مع سمات قاسية وغير عاطفية.
توضح الدكتورة أبيغيل مارش، الأستاذة المساعدة بجامعة جورجتاون والتي تدرس هذا الموضوع:
“هناك بعض السلوكيات الاجتماعية والعاطفية غير المعتادة تشير إلى أن تطور دماغ هذا الطفل يسير بشكل مختلف. فعلى سبيل المثال، في مرحلة ما قبل المدرسة، يظهرون شجاعة مفرطة أو عدم استجابة لأشياء تُقلق الأطفال عادة، مثل الظلام أو المرتفعات أو الكلاب.”
وتضيف: “قد تلاحظ أنهم لا يتجاوبون مع المواقف المخيفة المعتادة. أخبرتني إحدى الأمهات أن طفلها كان يحب اللعب في قبو مظلم وموحش للغاية — مكان لم يكن أي طفل آخر يجرؤ على دخوله.”
مؤشرات إضافية على السمات القاسية وغير العاطفية:
- تحمّل عالٍ للألم
- عدم الاستجابة للإشارات الاجتماعية، والاهتمام بالآخرين فقط إذا عاد عليهم بالنفع
- عدم طلب المودة الجسدية، وعدم إظهار الحنان للآخرين
- عدم التأثر بالمكافآت عند التصرف الجيد
- عدم الخوف من العقاب
يُقرّ الخبراء، بمن فيهم الدكتورة مارش والدكتور فريك، بأن هذه السمات تُعد مؤشرات مبكرة على وجود خطر أكبر لنتائج سلبية في مرحلة البلوغ، مثل الشخصية السيكوباتية، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، والسلوك العدواني.
ويؤكدون على أهمية التعرف على هذا النمط من السمات في سن مبكرة لزيادة فرص التدخل الناجح ومنع تطور نتائج أكثر خطورة. ومع ذلك، يحذرون بشدة من استخدام مصطلحات مثل “سيكوباتي” لوصف الأطفال، لأن ذلك قد يوصمهم اجتماعيًا ويكون له آثار ضارة.
خطر التشخيص الخاطئ
ليس كل طفل يسيء التصرف بشكل متكرر ويبدو غير مبالٍ بالآخرين يُعد مشخصا باضطراب السلوك أو باضطراب السلوك مع سمات قاسية وغير عاطفية.
توضح الدكتورة لي أن الأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية خطيرة، ولم يفهم الأطباء بعد الأسباب الكامنة وراءها، قد يُشخّصون بما يُعرف بـ “اضطراب السلوك التخريبي غير المصنّف” (DBD-NOS). ولكن، عند استخدام هذا التشخيص كأساس للحصول على خدمات علاجية، قد يُصنّفه التأمين على أنه اضطراب سلوك. وعندما ترى المدارس أو السلطات هذا التشخيص، فإنها تفسره غالبًا على أنه اضطراب سلوك فعلي.
وهذا مهم لأنه عند تشخيص طفل بشكل خاطئ، خصوصًا الأطفال من الأعراق الملوّنة، فإن ذلك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
تُشير الدكتورة لي إلى أن هناك وصمة اجتماعية كبيرة مرتبطة باضطراب السلوك. وقد يصعب على الأطفال المشخّصين الحصول على العلاج، لأن العديد من الأطباء لا يُقدّمون خدمات للأطفال الذين يحملون هذا التشخيص، خشية أن يتحملوا مسؤولية قانونية في حال قام الطفل بإيذاء شخص ما أو تصرف بشكل خطير.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التشخيص الخاطئ يعني أن الطفل لن يحصل على العلاج المناسب للمشكلات الفعلية التي يعاني منها — سواء كانت اضطراب في تنظيم المشاعر، أو القلق، أو الاندفاعية — مما يزيد من احتمال دخوله في مسارات قانونية أو سجنية لاحقًا.
تمييز السمات القاسية وغير العاطفية
يقول الدكتور فريك إن هناك فرقًا جوهريًا بين الطفل الذي يُظهر سمات قاسية وغير عاطفية، وبين الطفل الذي لديه مشكلات سلوكية شديدة. فالأول يُقدِم على أفعاله بدافع الترهيب والتخطيط المُسبق، بينما الآخر قد يتسبب بالأذى بشكل عَرَضي كنتيجة لسلوك اندفاعي أو عاطفي.
وللتوضيح، يروي الدكتور فريك قصة طفلين أُحيلا إليه بسبب القسوة على الحيوانات. أحدهما أطلق النار على قطة، والآخر قام بقطع ذيل قطة.
يقول الدكتور فريك: “الطفل الذي أطلق النار كان يحاول إخافة القطة لتخرج من الشجرة. استخدم بندقية والده وأطلق النار حول القطة، لكنه أصابها عن طريق الخطأ. تصرفه كان اندفاعيًا وخطيرًا، وكان يجب أن يُدرك أن ذلك قد يسبب أذى — سواء للقطة أو لأي شخص آخر.”
أما الطفل الآخر، فيقول الدكتور فريك: “عندما تحدثت معه قال لي: ‘نعم، أنا أقوم بهذا منذ فترة طويلة. أنا عالم مثلك تمامًا. أريد أن أرى ماذا سيحدث، وكيف ستتفاعل القطة كلما قطعت جزءًا إضافيًا من ذيلها. يجب أن ترى شكل عيونها عندما فعلت ذلك!'”
ورغم أن كليهما أذى حيوانًا، إلا أن الفرق واضح: أحدهما كان سلوكه متهورًا، والآخر كان قاسيًا ومتبلد المشاعر.
فهم الدافع خلف السلوك أساس التشخيص
تشير الدكتورة لي إلى أن بعض الآباء يسرعون في استنتاج أن طفلهم أو طفلًا آخر مشخص باضطراب السلوك، بينما يكون السلوك في الواقع عرضًا لحالة أخرى.
العلاج
غالبًا ما يستجيب الأطفال ذوو المشكلات السلوكية للتعزيز الإيجابي للسلوكيات المرغوبة، وللعواقب المناسبة للسلوكيات غير المرغوبة. وتُدرّب برامج الوالدين على الاستمرار في تقديم المكافآت والعواقب بشكل منظم.
تقول الدكتورة لي إن المكافآت يجب أن تكون “كبيرة، واضحة وفورية”. فإعطاء الطفل اهتمامًا إيجابيًا عند قيامه بسلوك جيد يزيد من احتمال تكرار هذا السلوك.
الدكتور فريك والدكتورة مارش يبحثان حاليًا ما إذا كان يمكن علاج الأطفال المشخّصين باضطراب السلوك مع السمات القاسية بطريقة مشابهة لكن أكثر كثافة. يُطلقون على ذلك “التربية الدافئة والمتجاوبة”.
برنامج التفاعل بين الوالد والطفل (PCIT)
طوّرت الدكتورة إيفا كيمونيس، أستاذة في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، برنامجًا خاصًا لتدريب الوالدين يُسمى “علاج تفاعل الطفل والوالد” (PCIT)، ليكون مناسبًا للأطفال المشخّصين باضطراب السلوك مع سمات قاسية. في هذا البرنامج، يقوم المعالج بتدريب الوالد أثناء تفاعله مع الطفل، ليعلّمه المهارات اللازمة لتكوين علاقات إيجابية.
المكافآت لهؤلاء الأطفال
توضح الدكتورة مارش أن الأطفال ذوي السمات القاسية لا يستجيبون عادةً للتغذية الراجعة الاجتماعية الإيجابية، ولذلك لا يطوّرون إحساسًا بأن العلاقات ذات قيمة ذاتية.
وتضيف: “في النظرية، يمكن تغيير هذا. يمكن جعلهم يرون العلاقات الاجتماعية كأمر إيجابي بحد ذاته. ويُعتمد لذلك على التعزيز الاجتماعي الإيجابي الكبير — فالابتسامة الصغيرة لا تكفي. يجب أن تكون العاطفة قوية، مع دفء ومظاهر مثل التصفيق أو التشجيع الحماسي. لكن هذا يتطلب تدريبًا، ويجب أن يعمل الوالدان مع أخصائي لمساعدتهم على تطبيق هذا بشكل فعّال.”
العواقب للأطفال ذوي السمات القاسية
بالإضافة إلى مكافآت أكبر، يجب على الوالدين استخدام عواقب للسلوكيات غير المرغوبة تكون مصممة خصيصًا لأطفالهم.
توضح الدكتورة لي: “العقوبات تهدف إلى تقليل السلوك، لكن الآباء أحيانًا يطبقون عواقب لا تكون مؤثرة. وهذا لن يُغيّر السلوك.”
وبما أن هؤلاء الأطفال لا يتأثرون بالعواطف، فلا فائدة من قول: “إذا فعلت هذا، ستؤذي مشاعر أخيك”. بل يجب قول شيء مثل: “إذا فعلت هذا، ستخسر وقت استخدام الآيباد لمدة 30 دقيقة، لأنك آذيت مشاعر أخيك وهذا يُسبب فوضى في الأسرة.”
ويُضيف الدكتور فريك: “يجب إقناع الطفل بأن تغيير سلوكه يصبّ في مصلحته الشخصية. كثير من الآباء يعتقدون أنه إذا استخدموا عقوبة أقوى، فسيرى الطفل خطأه — هذا لن يُجدي. لكن عندما تُشير إلى أن سلوكه لا يساعده في الوصول لما يريد، فقد يهتم بالتغيير.”
نحو تدخل أكثر فعالية
نعرف أن تدريب الوالدين مثل PCIT يُجدي نفعًا مع بعض الأطفال الذين شُخّصوا باضطراب السلوك، رغم أن بعضهم قد يكون شُخّص خطأً. لكن لا نعلم حتى الآن ما إذا كان هذا البرنامج فعالًا للأطفال ذوي السمات القاسية وغير العاطفية. توجد بعض التقارير غير الرسمية التي تشير إلى نجاح، لكن لا يوجد حاليًا بيانات كافية تثبت فعاليته.
وقد قدّم الدكتور فريك والدكتورة كيمونيس طلبًا لتمويل تجربة علمية منضبطة لتقييم البرنامج. وقد يُمثّل هذا نقلة مهمة في فهم هؤلاء الأطفال، ومساعدة حقيقية لهم ولأسرهم.
المرجع
What Is Conduct Disorder?
https://childmind.org/article/what-is-conduct-disorder/





