الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

فهم الأساسيات العصبية لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

ترجمة : أ نوره الدوسري

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، المعروف اختصارًا باسم ADHD، هو أحد أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعًا لدى الأطفال والمراهقين، وقد يستمر تأثيره أحيانًا حتى مرحلة البلوغ. يتميز هذا الاضطراب بمزيج من صعوبات الانتباه، وقلة التركيز، والاندفاعية، وصعوبة التحكم في السلوك، مما يؤثر على الأداء الدراسي، والقدرة على الانخراط في العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن التأثير على الأسرة والمحيط الاجتماعي بشكل عام. بالنسبة للأسرة، من المهم فهم أن ADHD ليس مجرد “سلوك سيء” أو مشكلة تربوية، بل هو اضطراب عصبي حقيقي مرتبط بتغيرات في الدماغ والكيمياء العصبية، ويحتاج إلى تدخل علمي وعلاجي مدروس.

تشير الدراسات إلى أن الأعراض تتفاوت بشكل كبير بين الأطفال المشّخصين بالـ ADHD. بعض الأطفال يظهر لديهم نقص واضح في الانتباه مع قدرة منخفضة على التركيز لفترات طويلة، بينما قد يظهر آخرون اندفاعية مفرطة، حركة مستمرة، وصعوبة في الالتزام بالقواعد. وغالبًا ما يصعب على هؤلاء الأطفال تنظيم سلوكهم، مما يؤدي إلى مشاكل في المدرسة والمنزل وحتى في الأنشطة الاجتماعية اليومية.

الكيمياء العصبية ودورها في ADHD

تلعب النواقل العصبية دورًا أساسيًا في تنظيم وظائف الدماغ المرتبطة بالانتباه والتحكم السلوكي، ومن أبرزها الدوبامين والنورإبينفرين. الدوبامين مسؤول عن معالجة المكافأة، تنظيم الانتباه، الوظائف التنفيذية، والتحكم في الدوافع. أي خلل في مساره يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في التركيز والتحكم في السلوك، وزيادة الاندفاعية. أما النورإبينفرين فهو ناقل عصبي آخر مهم يعزز التركيز والانتباه ويقوي القدرة على التنظيم المعرفي والذاكرة العاملة، خاصة عند مواجهة مهام تتطلب مجهودًا ذهنيًا مستمرًا.

تشير الدراسات إلى أن الأطفال المشخّصين بالـ ADHD غالبًا ما يظهرون مستويات منخفضة أو غير متوازنة من هذه النواقل العصبية في بعض مناطق الدماغ، مثل القشرة الجبهية الأمامية، والتي تُعد مركز الوظائف التنفيذية. هذا يفسر لماذا يواجه هؤلاء الأطفال صعوبة في التخطيط، حل المشكلات، والتحكم في الانفعالات. هناك أيضًا أدلة على أن مستويات بعض المعادن مثل الزنك، وبعض الهرمونات مثل الكورتيزول، قد تلعب دورًا داعمًا في تنظيم نشاط الدماغ لدى الأطفال    المشخّصين بالـ ADHD، مما يجعل التغذية والدعم النفسي المبكر عناصر مهمة في إدارة الأعراض.

الدوبامين: المفتاح الأساسي لفهم ADHD

الدوبامين هو ناقل عصبي مركزي في الدماغ، ويلعب دورًا مهمًا في عدة مسارات أساسية تؤثر على الحركة، الانتباه، السلوك، والتحفيز. من أبرز هذه المسارات:

  1. المسار النيغرواسترياتالي: يربط بين منطقة substantia nigra والجزء الظهري من المخطط القاعدي، ويعمل على تنظيم الحركة والتحكم في السلوكيات.

  2. المسار الميزوليمبي: يربط بين منطقة tegmentum ومناطق المكافأة مثل nucleus accumbens واللوزة الدماغية، ويؤثر على تحفيز السلوكيات المرغوبة والمكافآت.

  3. المسار الميزوكورتيكال: يربط بين tegmentum والقشرة الجبهية الأمامية، وهو المسؤول عن الوظائف التنفيذية مثل التخطيط، التركيز، التحكم في الانفعالات، واتخاذ القرارات.

الأدوية المنشطة مثل ميثيلفينيديت (Ritalin) وديكس أمفيتامين (Adderall) تعمل على زيادة تركيز الدوبامين في هذه المسارات، مما يحسن القدرة على التركيز ويقلل الاندفاعية. فهم هذه الأساسيات يمكن أن يساعد الأسرة والمختصين على إدراك سبب فاعلية هذه الأدوية وكيفية دعم الأطفال أثناء العلاج، مع متابعة دقيقة لتجنب الآثار الجانبية المحتملة.

النورإبينفرين وأهميته في تنظيم الانتباه والسلوك

النورإبينفرين يعمل جنبًا إلى جنب مع الدوبامين لدعم الانتباه، تنظيم السلوك، والذاكرة العاملة. مساراته تصل إلى القشرة الجبهية الأمامية، مما يسهم في القدرة على التحكم في الانفعالات وتأجيل الاستجابات السريعة. الأدوية غير المنشطة مثل أتوموكستين (Strattera)، جوانفاسين (Intuniv)، وكلونيدين تركز على نظام النورإبينفرين، وتكون مفيدة للأطفال الذين لديهم مشاكل قلبية أو لا يستطيعون تحمل الأدوية المنشطة. هذه الأدوية تساعد على تحسين الانتباه وتقليل السلوكيات الاندفاعية تدريجيًا، مما يسهل اندماج الأطفال في المدرسة والمنزل والأنشطة الاجتماعية.

التغيرات البنيوية والوظيفية في الدماغ

أظهرت الدراسات العصبية أن الأطفال المشخّصين بالـ ADHD لديهم اختلافات واضحة في بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه والتحكم السلوكي، أهمها:

  • القشرة الجبهية الأمامية: وهي مركز الوظائف التنفيذية، بما يشمل التخطيط، التنظيم، والتحكم في الانفعالات.

  • العقد القاعدية: تتحكم في الحركة، البدء أو التوقف عن السلوكيات، وتسهيل تنظيم السلوك وفقًا للأهداف المطلوبة.

  • الحصين: يؤثر على الذاكرة العاملة والقدرة على استخدام الخبرات السابقة في توجيه السلوك.

تصوير الدماغ باستخدام تقنيات مثل fMRI وPET أظهر أن نشاط الدوبامين يختلف في هذه المناطق لدى الأطفال المشخّصين بالـ ADHD مقارنة بالأطفال الأصحاء، مما يوضح الأساس العصبي للصعوبات السلوكية والمعرفية.

العوامل الوراثية والبيئية

تلعب العوامل الوراثية دورًا مهمًا في تطور ADHD. على سبيل المثال، الطفرات في جين ناقل الدوبامين DAT1 مرتبطة بزيادة احتمالية ظهور ADHD وشدة الأعراض. هناك أيضًا تأثير للعوامل البيئية، مثل التعرض المبكر للسموم، نقص الرعاية في السنوات الأولى، أو التعرض لصدمات نفسية مبكرة، والتي قد تزيد من مخاطر الإصابة بالاضطراب. فهم هذه العوامل يساعد الأهالي والمختصين على اتخاذ خطوات وقائية مبكرة، مثل توفير بيئة آمنة، رعاية متسقة، ومراقبة الطفل عن كثب للكشف المبكر عن أي صعوبات في الانتباه أو السلوك.

أهمية الفهم العصبي للأسر والمجتمع

فهم الأساس العصبي للـ ADHD يوفر للأسر والمجتمع القدرة على التعاطف مع الأطفال    المشخّصين، ومعرفة أن سلوكهم ليس نتيجة تقصير أو إهمال. كما يساعد على اختيار التدخلات المناسبة، سواء كانت دوائية أو سلوكية، أو مزيجًا من الاثنين. كما يسمح للأهالي والمعلمين بتعديل البيئة التعليمية والمنزلية لتكون أكثر دعمًا للطفل، مثل تقسيم المهام الكبيرة إلى أجزاء أصغر، توفير فترات راحة منتظمة، وتشجيع التعلم العملي والنشط.

التدخلات غير الدوائية

إلى جانب العلاج الدوائي، هناك تدخلات سلوكية مهمة يمكن أن تساعد الأطفال المشخّصين بالـ ADHD على تطوير مهاراتهم:

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يعلّم الأطفال كيفية التحكم في اندفاعاتهم، تنظيم سلوكهم، واستخدام استراتيجيات فعّالة للتعامل مع المواقف اليومية.

  • التدريب على المهارات الاجتماعية: يساعد الأطفال على تحسين تفاعلهم مع الآخرين وتقليل الصراعات الاجتماعية، مما يسهم في تعزيز الثقة بالنفس والانتماء للمجتمع.

  • تعديل البيئة التعليمية: تقليل المشتتات، استخدام الجداول البصرية، وتشجيع التعلم النشط من خلال الألعاب والأنشطة العملية.

خلاصة

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هو اضطراب عصبي معقد، يتضمن تغييرات في النواقل العصبية مثل الدوبامين والنورإبينفرين، التغيرات البنيوية والوظيفية في الدماغ، بالإضافة إلى التأثير الوراثي والبيئي. فهم هذه الأساسيات لا يقتصر على المعرفة النظرية فقط، بل يمتد ليشمل تطبيقًا عمليًا يمكن للأهالي والمجتمع من خلاله تقديم الدعم المناسب للأطفال. الجمع بين العلاج الدوائي والتدخلات السلوكية والبيئية هو النهج الأكثر فاعلية لتحسين الانتباه والسلوك، وتقليل التأثيرات السلبية على التحصيل الدراسي والحياة الاجتماعية للأطفال المشخّصين بالـ ADHD.

هذا الفهم يساعد على إزالة وصمة العار المرتبطة بالاضطراب، ويمنح الأطفال فرصة أفضل للنجاح والاندماج في المجتمع بطريقة صحية وسليمة. كما يفتح المجال للأسر والمعلمين لتبني أساليب تربية وتعليم مبنية على العلم والمعرفة العصبية، مما يجعل التدخل أكثر فعالية وأقل إجهادًا على الطفل والأسرة.

 

المرجع : 

Understanding the essentials of the ADHD neurobiology :

https://pure.rug.nl/ws/portalfiles/portal/254991286/Understanding_the_essentials_of_the_ADHD_neurobiology.pdf