ترجمة : أ. نوره الدوسري
ملخص للمقالة
يمتلك التعاطف الذاتي والرعاية الذاتية لدى الوالدين تأثيراً قوياً على نمو الطفل. فالوالدين الذين يتحلون باللطف تجاه أنفسهم ويمنحون أنفسهم وقتاً للاسترخاء واستعادة النشاط يتمتعون بصحة أفضل ورفاهية أعلى، كما يكونون أكثر ثقة في أسلوبهم التربوي، ويظهرون تفاعلات إيجابية أكثر مع أطفالهم. وهذه العوامل بالغة الأهمية، إذ نعلم أن رفاهية الوالدين، وثقتهم في قدراتهم التربوية، وجودة التفاعل الإيجابي مع الأبناء، ترتبط جميعها بنتائج أفضل للأطفال سواء كانوا يواجهون تحديات نفسية أو لا. ومن هنا، يحتاج المختصون إلى مساعدة الوالدين على أن يكونوا أقل انتقاداً لأنفسهم في أسلوب تربيتهم، وأن يداوموا على ممارسة الرعاية الذاتية.
ما المقصود بالرعاية الذاتية للوالدين؟
الرعاية الذاتية للوالدين هي كل ما يقوم به الوالدين بشكل مقصود للاهتمام بصحتهم الجسدية أو النفسية. وتشمل تناول الطعام الصحي، وممارسة النشاط البدني، وأيضاً تخصيص وقت للاسترخاء وتجديد الطاقة. قد تتجسد هذه الممارسات في نزهة قصيرة في الهواء الطلق، أو التحدث مع صديق داعم، أو مشاهدة فيلم ممتع.
يشكل التعاطف الذاتي جزءاً مهماً من الرعاية الذاتية، حيث يظهر الشخص اللطف تجاه نفسه، ويتفهم أن ارتكاب الأخطاء أمر إنساني طبيعي، ويقلل من انتقاد ذاته (Neff, 2003).
نتائج دراسة “Parenting Today in Victoria”
قدمت هذه الدراسة، التي أجراها “مركز أبحاث التربية”، رؤى مهمة حول تجارب واحتياجات الآباء في ولاية فيكتوريا – أستراليا. وقد جُمعت البيانات من عينات ممثلة من الآباء في عامي 2016 و2019، حيث شمل كل مسح حوالي 2,600 والد ووالدة (من بينهم أكثر من 1,000 أب) لأطفال تتراوح أعمارهم بين 0–18 سنة.
في مسح 2019، تم قياس الرعاية الذاتية بسؤال الوالدين عمّا إذا كانوا يمارسون بانتظام أنشطة تساعدهم على الاسترخاء واستعادة الطاقة. كما تم قياس بُعد “اللطف مع الذات/الانتقاد الذاتي” عبر سؤال الوالدين عمّا إذا كانوا يقسون على أنفسهم لأنهم ليسوا الوالدين الذين يتمنون أن يكونوا.
هل يجد الوالدان وقتاً للرعاية الذاتية والتعاطف مع الذات؟
أظهرت النتائج أن نسبة لا بأس بها من الآباء يجدون وقتاً للرعاية الذاتية، لكن ما يزال عدد كبير منهم لا يفعل ذلك. ففي عام 2019، أشار حوالي نصف الآباء فقط (55%) إلى أنهم يمارسون بانتظام أنشطة تساعدهم على الاسترخاء وتجديد الطاقة. في المقابل، ما يقارب ربع العينة تقريباً لا يمارسون الرعاية الذاتية بشكل منتظم.
أما بالنسبة للانتقاد الذاتي، فقد ذكر 39% من الآباء أنهم لا يقسون على أنفسهم كآباء، بينما أقرّ أكثر من ثلثهم (37%) بأنهم يفعلون ذلك. وهذا يبرز الحاجة إلى مزيد من الدعم لمساعدة الوالدين على تقليل الانتقاد الذاتي وتعزيز التعاطف مع الذات.
العلاقة بين الرعاية الذاتية والانتقاد الذاتي وصحة الوالدين
أظهرت نتائج الدراسة ارتباطاً وثيقاً بين الرعاية الذاتية والانتقاد الذاتي وصحة الوالدين. الآباء الذين مارسوا مستويات عالية من الرعاية الذاتية أظهروا مستويات منخفضة من الانتقاد الذاتي، وتمتعوا بصحة بدنية ونفسية أفضل. في المقابل، الآباء ذوو الانتقاد الذاتي المرتفع أظهروا صحة بدنية ونفسية أضعف.
تتفق هذه النتائج مع دراسات سابقة بيّنت أن التعاطف الذاتي لدى آباء الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد يرتبط بانخفاض معدلات الاكتئاب والتوتر الوالدي (Neff & Faso, 2015) في حين أن انخفاض التعاطف الذاتي ارتبط بارتفاع مستويات الضيق النفسي لدى الوالدين (Bohadana, Morrisey, & Paynter, 2019).
كذلك، ارتبطت مستويات عالية من الرعاية الذاتية ومنخفضة من الانتقاد الذاتي بانخفاض الإرهاق لدى الوالدين، وهو أمر مهم لأن الإرهاق يرتبط بالضيق النفسي وضعف الصحة البدنية والنفسية، كما قد يؤثر سلباً على السلوكيات التربوية.
العلاقة بين الرعاية الذاتية والانتقاد الذاتي والأسلوب التربوي
من منظور تعزيز الصحة، فإن تحسن صحة ورفاهية الوالدين يعد سبباً كافياً للتركيز على الرعاية الذاتية والتعاطف الذاتي. لكن الأهم أن الدراسة أظهرت أن الرعاية الذاتية ترتبط أيضاً بثقة الوالدين في أنفسهم، وبجودة التفاعلات مع أبنائهم.
فالآباء الذين ينتقدون أنفسهم بشكل مفرط شعروا بأنهم أقل كفاءة وثقة في أداء مهامهم التربوية، وكانوا أقل استمتاعاً بالأبوة والأمومة، وأكثر عرضة للشعور بالضغط والإحباط. كما كانوا أكثر ميلاً إلى انتقاد أبنائهم، أو الجدال معهم، أو رفع الصوت عليهم.
في المقابل، الآباء الذين مارسوا الرعاية الذاتية بانتظام شعروا بمهارة وثقة أكبر في التربية، وبقدرة أعلى على التركيز على مهام الأبوة حتى في الأوقات الصعبة. كما عبّروا عن استمتاعهم بالتربية بدرجة أعلى، وكانوا أقل عرضة للشعور بأنها مرهقة أو محبطة.
تدعم هذه النتائج دراسات أخرى أظهرت أن الوالدين ذوي التعاطف الذاتي المرتفع كانوا أقل انتقاداً لأبنائهم، وأكثر هدوءاً عند مواجهة انفعالات أطفالهم السلبية، وأكثر ميلاً لتفسير السلوكيات الصعبة كنتائج لظروف معينة وليس لطباع الطفل (Psychogiou et al., 2016).
الدور الحاسم للانتقاد الذاتي
مع أن الرعاية الذاتية مهمة، إلا أن الدراسة بينت أن الانتقاد الذاتي ظل العامل الأقوى تأثيراً على ثقة الوالدين ورضاهم عن التربية. وهذا يوضح أن الرسائل الداخلية التي يوجهها الآباء لأنفسهم حول “مدى صلاحهم كآباء” تصنع فارقاً حقيقياً، وأن بعض الآباء بحاجة إلى دعم لتغيير هذه الرسائل السلبية.
ما الذي يمكن أن يفعله المتخصصون لدعم الوالدين؟
يلجأ كثير من الآباء إلى مصادر مألوفة للحصول على الدعم والمشورة مثل الأطباء العامين (56.7%)، المتخصصين الصحيين (55.6%)، والمعلمين (72.3%). لذلك، يمكن للمختصين أن يكون لهم دور جوهري في دعم الوالدين من خلال:
- تشجيع الوالدين على طلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة أو المجتمع.
- تشجيعهم على الاهتمام بأنفسهم بطريقة واقعية لا تزيد من شعورهم بالذنب أو الضغط.
- تطبيع المخاوف التربوية وإظهار أن الانتقاد الذاتي أمر شائع لكنه غير مفيد.
- نمذجة اللطف مع الذات وتشجيعه، عبر تذكير الآباء بأنهم يستحقون الراحة والتقدير.
- تقديم موارد عملية مثل تقنيات الاسترخاء، أو تمارين اليقظة الذهنية، أو معلومات من مواقع موثوقة مثل Raising Children.
- الإحالة للدعم المتخصص عند الحاجة، مثل الاستعانة بأطباء نفسيين أو مستشارين نفسين.
المرجع :
Parental self-care and self-compassion -:
https://emergingminds.com.au/resources/parental-self-care-and-self-compassion/





