ترجمة: أ. نوره الدوسري
كثيرًا ما يسألني الآباء أو حتى يُبدون بعض الشك في مدى فعالية العلاج باللعب، وهل سيكون فعلًا خيارًا مناسبًا لأطفالهم. وأحب مثل هذه التساؤلات، لأنها تعكس مدى اهتمام الوالدين العميق برفاهية أطفالهم وحرصهم على اختيار أفضل الطرق لدعم نموهم النفسي والعاطفي والاجتماعي. وما يسعدني أكثر هو أن أشرح للآباء مدى قوة وأهمية العلاج باللعب بوصفه طريقة تعتمد على ما يُسمى النهج “من أسفل إلى أعلى” أو “من الجسم إلى العقل”، وهي طريقة تعزز النمو العاطفي والاجتماعي للأطفال بشكل طبيعي ومتين.
إذا كان طفلك يعاني من صعوبات في السلوك أو يواجه مشاعر قوية ومربكة لا يستطيع التعامل معها بسهولة، فربما تكون قد فكرت في خيار العلاج باللعب وتتساءل عن مدى جدواه أو جدية هذا النوع من العلاج. في هذا المقال، سأجيب عن أكثر الأسئلة التي تُطرح حول هذا الموضوع بشكل واضح ومبسط.
الأسئلة الشائعة حول العلاج باللعب
ألستم فقط تلعبون مع الأطفال؟
هذا سؤال ذكي ومهم للغاية. والإجابة هي: لا، المعالج المتخصص في العلاج باللعب لا يُعتبر مجرد رفيق لعب باهظ الثمن. يجب علينا نحن الكبار أن نُعيد النظر في مفهوم اللعب نفسه. غالبًا ما نراه أمرًا طفوليًا أو نشاطًا يخص الأطفال الصغار فقط، لكنه في الحقيقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحالة الجهاز العصبي عند الطفل أثناء اللعب. عندما يكون الطفل في حالة لعب حقيقي، يصبح جسمه وعقله في حالة مثالية للتعلم والتطور. في هذه اللحظات، يكون الطفل أكثر استعدادًا لتحمل المخاطرة، وتجربة أشياء جديدة، وحتى معالجة الصدمات. المعالج الجيد يستخدم اللعب كأداة أساسية لإحداث تغييرات إيجابية في النمو العاطفي والاجتماعي للطفل.
كيف يساعد اللعب طفلي على التعلم؟
سأشارككم تجربة مررت بها خلال فترة جائحة كورونا، حيث كنت أعمل مع فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات تعاني من قلق مدرسي. وبسبب الظروف، كانت جلساتنا تُعقد عبر الإنترنت. بدأنا كل جلسة بالرقص والضحك معًا لكسر التوتر. في أحد الأيام دخلت والدتها الغرفة وقالت بدهشة: “هذا لا يبدو مفيدًا على الإطلاق!” دعوت الأم لحضور جلسة خاصة وشرحت لها أن الفرح والحركة ليسا مضيعة للوقت، بل هما في الحقيقة من أفضل الطرق لدعم تعلم الطفل. على العكس، فإن محاولة إجبار الطفل على التحدث بجدية غالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية وتحد من قدرته على التعلم.
طفلي يلعب طوال اليوم، لماذا يحتاج للمزيد من اللعب؟
سؤال رائع آخر. العلاج باللعب يختلف تمامًا عن اللعب العادي الذي يمارسه الطفل في المنزل أو المدرسة. في العلاج باللعب، تكون هناك أهداف واضحة واستراتيجيات محددة نسعى لتحقيقها من خلال الجلسات. كما أن المعالجين يحرصون على التواصل المستمر مع الأسرة لتوضيح الغرض من كل نشاط.
هل هناك عمر معين يتوقف عنده العلاج باللعب؟
العلاج باللعب ليس مقصورًا على سن معينة. فالحاجة إلى اللعب لا تتوقف عند الطفولة المبكرة. المراهقون والبالغون أيضًا يستفيدون من اللعب، لكنه يأخذ أشكالًا مختلفة مثل الفنون أو الموسيقى أو التمثيل الارتجالي.
كيف يساعد العلاج باللعب في التغلب على القلق أو نوبات الغضب أو في تعزيز الثقة بالنفس؟
الأمر كله يعتمد على الخطة العلاجية. مثلًا، قد يستخدم المعالج اللعب التخيلي لمساعدة طفل صغير على تقوية قدرته على التحكم في الغضب، بينما يستخدم مع المراهقين أنشطة إبداعية كالشعر أو الرسم لمساعدتهم على اكتشاف قوتهم الداخلية.
كيف يُشكّل اللعب دماغ الطفل المتطور؟
لطالما اعتقدنا أن التعلم يجب أن يكون جديًا ورسميًا حتى يكون فعالًا. ولكن علم الأعصاب أثبت عكس ذلك. أظهرت الدراسات أن الطفل كلما استمتع أكثر أثناء التعلم، زادت قدرته على استيعاب المعلومات وتنمية مهاراته في التحكم العاطفي والسلوكي. أثناء اللعب، تنشط مناطق متعددة في دماغ الطفل، منها ما يرتبط بحل المشكلات، وتنظيم العواطف، وتطوير المهارات الاجتماعية. المعالجون باللعب مدربون على مراقبة هذا اللعب وتوجيهه بحيث يدعم الأجزاء التي يحتاجها الطفل لتعزيز قدراته.
لماذا يُعتبر العلاج باللعب فعالًا؟
الطفل لا يستطيع التعبير عن نفسه بالكلام مثلما يفعل البالغون. اللعب هو وسيلة الطفل الطبيعية للتعبير. ومن خلاله، يستطيع المعالج أن يفهم ما يمر به الطفل من مشاعر وصعوبات، دون الحاجة لأن ينطق الطفل بها. ولهذا السبب، العلاج باللعب يُعتبر بيئة غنية وآمنة تسمح للطفل بأن ينمو ويتطور مثلما تحتاج النبتة الصغيرة إلى تربة غنية لتنمو جذورها أولًا قبل أن تُزهر.
ما هي نتائج العلاج باللعب؟
✅ تحسن العلاقة بين الوالدين والطفل
✅ تطور المهارات الاجتماعية
✅ تعزيز قدرة الطفل على تحمل التوتر
✅ تحسين قدرته على تحمل الإحباط
✅ تنظيم أفضل للمشاعر
✅ انخفاض في نوبات الغضب والانهيار
والأجمل أن الطفل يشعر بالمتعة خلال جلسات العلاج. إذا لاحظت أن طفلك لا يستمتع بالجلسات، فقد يكون من المفيد البحث عن معالج آخر أو أسلوب مختلف.
ما الأدلة العلمية على فعالية العلاج باللعب؟
توجد العديد من الدراسات التي أكدت أن العلاج باللعب يساعد في تقليل أعراض القلق والاكتئاب والصدمات عند الأطفال. كما أظهرت تحليلات موسعة أن العلاج باللعب فعال للأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، وصعوبات المعالجة الحسية، ومشكلات تنظيم المشاعر، والتحديات السلوكية المختلفة. كما أشارت جمعية العلاج باللعب إلى أن لهذا النوع من العلاج تأثيرًا إيجابيًا في حالات التوحد، ومشكلات الانفصال، والتعامل مع الفقد والطلاق.
ماذا يحدث في جلسة العلاج باللعب؟
تُعقد الجلسات في مكان آمن وداعم مليء بالألعاب والمواد الفنية المختارة بعناية. يتبع المعالج أسلوبًا يقوده الطفل أولًا لبناء الثقة، ثم يبدأ بالتدخل لدعم تطوره. مثلًا، إذا كان الطفل يعاني من القلق، فقد يلجأ إلى اللعب بمواضيع تتعلق بالخوف، ويقوم المعالج بالدخول في اللعبة لدعم إحساس الطفل بالأمان. في حالات الحزن أو الفقد، قد يستخدم المعالج الفنون لمساعدة الطفل على التعبير عن مشاعره والتعامل مع الموقف.
ما دور الوالدين في العلاج باللعب؟
مشاركة الأهل جزء أساسي من نجاح العلاج. لا داعي لأن يشعر الأهل بالقلق من أن يتم تقييمهم، فالمعالج يهدف إلى إشراكهم في اللعب ومساعدتهم على التواصل الإيجابي مع أطفالهم.
هل يمكن تطبيق العلاج باللعب في المنزل؟
نعم بالتأكيد. المعالج يعلم الأهل استراتيجيات يمكنهم ممارستها في المنزل لتعزيز علاقتهم مع أطفالهم وزيادة لحظات الفرح داخل الأسرة. قد تتضمن هذه الأنشطة ألعابًا بسيطة، أو مشاركة الطفل في الطبخ، أو قضاء وقت أكبر في الهواء الطلق. كما يوجه المعالج الأهل إلى الاهتمام بصحتهم النفسية لأن حالة الوالدين النفسية لها تأثير كبير على صحة الطفل النفسية.
الخلاصة
العلاج باللعب ليس مجرد وقت للهو، بل هو طريقة علمية مدروسة وفعالة تساعد الأطفال على النمو والتطور في بيئة آمنة وداعمة. من خلاله، يمكن لطفلك أن يكتسب المهارات الضرورية ليواجه تحديات الحياة بثقة ونجاح.
المرجع:





