الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

اضطراب القلق المعمم لدى الأطفال

ترجمة: أ. نوره الدوسري 

ما هو اضطراب القلق المعمم؟

يعاني العديد من الأطفال من القلق عند التعرض لمواقف محددة، مثل الابتعاد عن الوالدين، أو التحدث أمام جمهور، أو التواجد في أماكن مرتفعة، أو رؤية حيوان مخيف. لكن الأطفال الذين يشعرون بقلق مفرط تجاه أمور متعددة في حياتهم اليومية قد يكونون مشخّصين باضطراب القلق المعمم.

اضطراب القلق المعمم هو حالة من القلق المستمر تجاه مجموعة واسعة من المواضيع، وغالبًا ما تكون هذه المواضيع غير مهددة بطبيعتها أو لا تستدعي كل هذا القلق. يُعتبر هذا الاضطراب أكثر أنواع اضطرابات القلق شيوعًا بين الأطفال والمراهقين.

وعلى عكس الرهاب (الفوبيا) الذي يُثار من خلال محفز محدد كالعناكب أو الإبر أو الكلاب أو الطائرات، فإن الأطفال المشخّصين باضطراب القلق المعمم يقلقون بشأن مواقف متعددة ومعتادة في حياتهم اليومية.

توضح الدكتورة إميلي غيربر، الأخصائية النفسية:
“الأطفال المشخّصون باضطراب القلق المعمم يقلقون بشأن الأمور نفسها التي تقلق منها بقية الأطفال، لكنهم يشعرون بالقلق بشكل أكثر تكرارًا وبحدة أكبر”. وتضيف:
“ولا يشترط وجود محفز معين، فالقلق موجود دومًا تقريبًا”.

العلامات الدالة على اضطراب القلق المعمم

يصف الدكتور جيري بوبريك، أخصائي نفسي عالج العديد من الأطفال المشخّصين بالقلق والوسواس القهري في معهد تشايلد مايند، هؤلاء الأطفال بأنهم “قلقون مزمنًا”، ويضيف:
“لا يوجد جانب من جوانب حياتهم لا يثير قلقهم، لكن القلق غالبًا ما يتركّز حول الصحة، سواء صحتهم الشخصية أو صحة أفراد الأسرة، بالإضافة إلى الأمور المالية، والسلامة، والاستقرار”.

ومن العبارات الشائعة لدى الأطفال المشخّصين باضطراب القلق المعمم:

  • ماذا لو نفد الوقود من السيارة؟
  • ماذا لو فقد أحد الوالدين وظيفته؟
  • ماذا لو دمر إعصار منزلنا؟
  • ماذا لو حصلت على درجة سيئة في المدرسة؟

غالبًا ما يتخيل هؤلاء الأطفال أسوأ السيناريوهات الممكنة، ويطلبون باستمرار الطمأنة من والديهم.

يذكر الدكتور بوبريك حالات لأطفال يقلقون بشكل شديد إذا اقتربت عاصفة، وإذا لم يحدث شيء سيئ، فإنهم يبدأون بالقلق من العاصفة التالية، ويتابعون توقعات الطقس بشكل مفرط خوفًا من عدم الاستعداد في المستقبل.

كما تشير الدكتورة غيربر إلى طفل بدأ يعاني من اضطراب القلق المعمم خلال جائحة كوفيد-19، إذ كانت عمته في وحدة العناية المركزة، مما دفعه إلى القلق الزائد على صحة كل من حوله، وكان يسأل باستمرار: “هل سيكونون بخير؟” ورفض أن يخرج أي شخص من المنزل خوفًا من إصابتهم بالمرض.

ومن أبرز العلامات الأخرى التي قد تدل على إصابة الأطفال باضطراب القلق المعمم:

  • التوتر أو الشعور بعدم الارتياح
  • الحذر المفرط
  • صعوبة في اتخاذ القرار
  • الإرهاق بسهولة، خاصة بعد يوم دراسي
  • الانفعال أو التهيج
  • صعوبة في النوم
  • ضعف في التركيز أو الشعور بأن أفكارهم “فارغة”
  • تضخيم الأمور أو توقّع الأسوأ دائمًا

العلاقة بين اضطراب القلق المعمم والكمالية

غالبًا ما يشعر الأطفال بالقلق بشأن الأداء المدرسي، لكن الأطفال المشخّصين باضطراب القلق المعمم قد يأخذون هذا القلق إلى مستويات مفرطة. على سبيل المثال، قد يراجعون نفس المادة الدراسية مرارًا رغم أنهم يعرفونها جيدًا، بدافع الخوف من ارتكاب خطأ.

توضح الدكتورة غيربر حالة طفل عمره 9 سنوات، لديه والدان طموحان، فأصبح يسعى للكمال دومًا، ويرى أن أي درجة أقل من الكمال قد تُدمر مستقبله. هذا التفكير أدى إلى سلوكيات تجنبية، كنسيان الواجبات أو الشعور بالضيق الشديد عند تأديتها.

ويضيف الدكتور بوبريك أن بعض الأطفال المشخّصين باضطراب القلق المعمم يمتنعون عن القيام بأي نشاط جديد إلا إذا كانوا متأكدين من تفوقهم فيه. يقولون لأنفسهم: “إذا لم أكن الأفضل، فلا داعي للمحاولة”.

كما يعاني هؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان من آلام جسدية، مثل الصداع أو آلام المعدة، ويزورون الممرضة المدرسية كثيرًا.

من هم الأطفال الأكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق المعمم؟

يمكن أن يظهر اضطراب القلق المعمم لدى الأطفال من سن الخامسة، لكن غالبًا ما يُشخّص خلال مرحلة المراهقة. ويصيب هذا الاضطراب الإناث بنسبة أكبر من الذكور، إلا أن جميع الأطفال من جميع الفئات معرضون للإصابة به.

ويُعد المزاج الحساس عاملاً مساهمًا في تطوّر هذا الاضطراب. ومع ذلك، فإن أقوى عامل خطر هو التاريخ العائلي، فالأطفال الذين يعاني أحد والديهم من القلق، معرضون أكثر من غيرهم للإصابة. أما إذا كان كلا الوالدين يعانيان من القلق، فإن خطر الإصابة يزداد بشكل أكبر.

ويُعتقد أن هذا يعود إلى عوامل وراثية إلى جانب سلوكيات مكتسبة من خلال الملاحظة والتقليد لطريقة تعامل الأهل مع التوتر.

وقد زادت الضغوط النفسية على الأطفال في السنوات الأخيرة. فحتى قبل جائحة كورونا، كانت معدلات القلق في ارتفاع. لكن مع الجائحة، تسارعت هذه الزيادة. فقد أظهرت دراسة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics أن نسبة الأطفال المشخصين بالقلق ارتفعت من 7.1% عام 2016 إلى 9.2% عام 2020. بينما وجدت مراجعة أخرى نُشرت عام 2021 أن النسب وصلت إلى ما بين 19% و24%.

تعلق الدكتورة غيربر:
“كانت الجائحة مصدر قلق كبير، خاصة للأطفال الذين يعتمدون على المدرسة في التفاعل الاجتماعي. وحتى اليوم، لا نزال نرى مستويات قلق مرتفعة بشكل غير مسبوق حسب ما يذكره أولياء الأمور”.

ماذا يحدث إذا لم يُعالج اضطراب القلق المعمم؟

إذا تُرك اضطراب القلق المعمم دون علاج، فمن المرجح أن يزداد سوءًا مع مرور الوقت. لذا، من الضروري تقييم حالة الطفل في حال وجود شك بالإصابة، لأن التشخيص والعلاج المبكرين يقللان من المضاعفات طويلة الأمد.

تحذر الدكتورة غيربر من أنه إذا لم يتعلم الطفل استراتيجيات التعامل الآمن والفعال مع القلق، فقد يؤثر ذلك على أدائه اليومي ويستمر معه في المدى البعيد. كما أن اضطراب القلق المعمم غير المعالج يُعد مؤشرًا قويًا على احتمالية الإصابة بالاكتئاب واضطرابات أخرى مستقبلًا.

ويشكل تعاطي المواد المخدرة خطرًا آخر، لا سيما في مرحلة المراهقة، إذ قد يحاول بعض المراهقين التخفيف من شعورهم بالقلق من خلال شرب الكحول أو تعاطي الحشيش. إلا أن هذه الوسائل قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتفاقم الحالة.

خيارات العلاج لاضطراب القلق المعمم

يمكن علاج معظم حالات اضطراب القلق المعمم باستخدام العلاج النفسي، وخاصة العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو العلاج بالقبول والالتزام (ACT).

في العلاج المعرفي السلوكي، يتعلم الأطفال أن مخاوفهم غير مبنية على حقائق، ويتم تدريبهم على التعامل مع الأفكار القلقة عند ظهورها. ومن التقنيات المستخدمة “العلاج بالتعرض”، حيث يُعرض الطفل تدريجيًا لمصادر القلق في بيئة آمنة، إلى أن يتراجع الشعور بالقلق.

لكن الدكتور بوبريك يشير إلى أن “العلاج بالتعرض” لا يناسب جميع حالات اضطراب القلق المعمم، نظرًا لتعدد مصادر القلق لدى الأطفال. لذلك، يُركّز العلاج بشكل أكبر على تدريب الطفل على استبدال الأفكار غير المنطقية بأفكار عقلانية.

أما بالنسبة للمراهقين، فقد يكون العلاج بالقبول والالتزام (ACT) أكثر فعالية، لا سيما إن كانت لديهم خبرة سابقة مع العلاج السلوكي. ويساعدهم ACT على تقبّل وجود القلق والمضي قدمًا بدلاً من محاولة التخلص منه. تقول الدكتورة غيربر:
“يتعلّم المراهقون التعامل مع القلق كما لو كان ضيفًا غير مرحب به، لكنه مقبول في حدود معينة”.

تتراوح مدة العلاج في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة من 10 إلى 20 جلسة علاج نفسي. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر مزيجًا من العلاج النفسي والأدوية، عادة من نوع مضادات الاكتئاب المعروفة باسم SSRIs.

وتوضح الدكتورة غيربر أن هذه الأدوية قد تساعد الأطفال على التفاعل بشكل أفضل مع العلاج، لأنها تقلل من حدة القلق وتزيد من قدرة الطفل على التحمّل.

ما دور الأهل في دعم الطفل المشخّص باضطراب القلق المعمم؟

رغم أن اضطراب القلق المعمم قد يكون له جذور وراثية، إلا أنه من الضروري ألا يشعر الأهل بالذنب، بل أن يركّزوا على الدور الإيجابي الذي يمكنهم القيام به لدعم أطفالهم.

تقول الدكتورة غيربر:
“يعتقد الكثير من الأهل أنهم السبب، لكن في الواقع هناك عوامل متعددة تؤدي إلى تطور اضطراب القلق المعمم. أُحب أن أقول لهم: أنتم لستم المشكلة، بل يمكنكم أن تكونوا جزءًا مهمًا من الحل”.

يشمل الدعم العائلي توفير العلاج المناسب، والعمل بشكل متكامل مع المعالج النفسي لتوفير بيئة داعمة خارج جلسات العلاج. ويُنصح بتجنّب الطمأنة المفرطة أو السماح للأطفال بتجنّب ما يخيفهم، لأن ذلك يُعزز السلوك القلقي.

تحذّر الدكتورة غيربر من أن الطمأنة المستمرة قد توصل رسالة ضمنية مفادها أن هناك بالفعل ما يدعو للقلق.

وتوضح بمثال عن طفل كان يخشى النزول من غرفته، فقام والداه بوضع ثلاجة صغيرة بجوار سريره كي لا يضطر للنزول، لكنها تؤكد أن مثل هذه التصرفات قد تُبقي القلق قائمًا.

وفي المقابل، فإن تجاهل أو التقليل من مشاعر الطفل القلقة قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة. فكلما حاول الطفل أو الأهل تجنّب القلق، كلما أصبح أكثر تأثيرًا.

وتذكر الدكتورة غيربر نموذجًا حديثًا للعلاج يُسمى “دعم الأهل لمشاعر الطفل القلقة” (SPACE)، ويعتمد على تدريب الأهل فقط — دون العمل المباشر مع الطفل — على تعديل سلوكهم لمساعدة الطفل في التغلب على القلق.

وتختم الدكتورة غيربر بتأكيد أهمية حصول الوالدين أنفسهم على الدعم النفسي إذا كانوا يعانون من القلق، لأن ذلك يُعزز قدرتهم على دعم أطفالهم بشكل أفضل.

المرجع : 

Generalized Anxiety Disorder in Kids:

https://childmind.org/article/generalized-anxiety-disorder-in-kids/#full_article