الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

التغيرات العصبية الوظيفية المرتبطة بالعلاج النفسي في اضطرابات القلق

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

 

تُعتبر اضطرابات القلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في العالم، حيث يعاني منها العديد من الأشخاص في مختلف الأعمار. ووفقًا للأبحاث، يمكن أن يؤدي العلاج النفسي إلى تغييرات كبيرة في نشاط الدماغ، مما يساعد في تحسين أعراض اضطرابات القلق. أحد الأبحاث التي تناولت هذا الموضوع كان هدفه معرفة التغييرات العصبية التي تحدث في الدماغ نتيجة للعلاج النفسي لاضطرابات القلق. ومن خلال دراسة تفاعلات الدماغ، يمكن أن نكتشف الآليات التي تعمل عليها العلاجات النفسية لتخفيف القلق.

 

أهمية العلاج النفسي لاضطرابات القلق

تعتبر اضطرابات القلق مثل الرهاب الاجتماعي، واضطراب الهلع، والقلق العام، من أكثر الحالات النفسية انتشارًا، وتشير الدراسات إلى أن علاج هذه الاضطرابات يتم بنجاح من خلال العلاج النفسي، خاصة العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، الذي يعتمد على التعرض للمواقف التي تثير القلق من أجل تقليل استجابة الشخص لها. يُعتبر هذا العلاج من العلاجات الفعّالة التي أثبتت نجاحًا في العديد من الدراسات، وهو يُستخدم عادة كعلاج أولي لاضطرابات القلق. لكن العلاج النفسي لا يقتصر على CBT فقط، بل يشمل أيضًا علاجات أخرى مثل العلاجات النفسية التحليلية والعلاج القائم على اليقظة.




التغييرات العصبية المرتبطة بالعلاج النفسي

أظهرت الأبحاث أن العلاج النفسي لا يقتصر تأثيره على التحسن السلوكي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى الدماغ، حيث يظهر تغييرات في نشاط بعض المناطق الدماغية. على سبيل المثال، في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، يتم تنشيط بعض المناطق في الدماغ بشكل مفرط، مثل اللوزة الدماغية، والقشرة الأمامية. هذه المناطق تُعتبر أساسية في الاستجابة للخوف وتنظيم العواطف. في الحالات الطبيعية، تعمل هذه المناطق على معالجة المعلومات العاطفية وتنظيم استجابة الشخص للمواقف المخيفة. ولكن في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، يظهر نشاط مفرط في هذه المناطق، مما يؤدي إلى استجابة مبالغ فيها للمواقف التي قد لا تكون مخيفة في الواقع.

ومع العلاج النفسي، يظهر أن هذا النشاط المفرط في المناطق الدماغية قد يقل تدريجيًا. وهذا يشير إلى أن العلاج النفسي قد يساعد في تقليل النشاط الدماغي، مما يقلل من استجابة الخوف المبالغ فيها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يحدث زيادة في النشاط في المناطق الأخرى من الدماغ مثل الفص الجبهي، والتي تُعتبر جزءًا من شبكة الدماغ المسؤولة عن التحكم العاطفي. هذه الزيادة في النشاط قد تساعد في تقليل نشاط المناطق الحوفية المرتبطة بالخوف، وبالتالي تقليل الاستجابة المفرطة.

 

كيف يؤثر العلاج النفسي على الدماغ؟

العلاج النفسي، وخاصة العلاج السلوكي المعرفي، يعزز قدرة الدماغ على تنظيم استجاباته العاطفية من خلال تحسين وظيفة الفص الجبهي، الذي يلعب دورًا أساسيًا في إدارة العواطف وتنظيمها. الفص الجبهي هو الجزء الذي يساهم في التفكير العقلاني واتخاذ القرارات وحل المشكلات. في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، يُلاحظ ضعف في نشاط الفص الجبهي، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستجابة المفرطة للعواطف السلبية مثل الخوف. أثناء العلاج، يعزز العلاج النفسي من قدرة الفص الجبهي على التحكم في العواطف، وبالتالي يساعد في تقليل النشاط المفرط في المناطق الحوفية المرتبطة بالخوف.

يحدث ذلك من خلال تدريب الشخص على تقنيات مثل التفكير الإيجابي وإعادة تأطير الأفكار السلبية، وهي عملية تُعرف بإعادة التقييم المعرفي. عندما يتعلم الشخص إعادة تقييم المواقف التي تثير قلقه بشكل أكثر منطقية، فإن هذا يؤدي إلى تقليل نشاط المناطق المسؤولة عن توليد الخوف في الدماغ.

 

التغييرات العصبية التي تحدث في الدماغ أثناء العلاج النفسي

من خلال الدراسات التي تستخدم تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (fMRI)، يمكن تتبع التغييرات في نشاط الدماغ أثناء العلاج النفسي. تشير الأبحاث إلى أن المناطق الدماغية المرتبطة بالعاطفة، مثل اللوزة الدماغية والجزيرة والقشرة الحزامية الأمامية، تظهر انخفاضًا في النشاط بعد العلاج. هذا الانخفاض قد يكون نتيجة لتقليل استجابة الشخص للخوف أو القلق. في المقابل، قد يزداد النشاط في المناطق الجبهية التي تدير العواطف، مما يساعد في تنظيم استجابة الشخص.

 

العلاج النفسي وأثره على الإدراك العاطفي

في الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق، غالبًا ما يتم معالجة المواقف المسببة للقلق بشكل مفرط، مما يزيد من الاستجابة العاطفية السلبية. خلال العلاج النفسي، يتعلم الأشخاص كيف يواجهون هذه المواقف بطرق أكثر مرونة. على سبيل المثال، عندما يتعرض الشخص لموقف مخيف ويشعر بالقلق، يتعلم كيفية إعادة تقييم هذا الموقف بطريقة عقلانية بدلًا من الاستجابة بشكل عاطفي مفرط. هذه العملية تعمل على تعزيز النشاط في المناطق الجبهية في الدماغ، مما يساعد في تقليل تأثير المشاعر السلبية.



النتائج التي توصلت إليها الدراسات

أظهرت الدراسات أن العلاج النفسي يؤدي إلى تحسينات ملحوظة في نشاط الدماغ. التغييرات العصبية التي تحدث بعد العلاج تشير إلى تطبيع في استجابة الدماغ للمواقف التي تثير القلق والخوف. على الرغم من أن هذه التغييرات قد تكون متنوعة بناءً على نوع العلاج والمريض، إلا أن هناك نمطًا عامًا يمكن ملاحظته: انخفاض النشاط في المناطق الدماغية المرتبطة بالخوف وزيادة النشاط في الفص الجبهي الذي يساعد في تنظيم العواطف.

 

الخلاصة

في النهاية، يظهر أن العلاج النفسي يمكن أن يسبب تغييرات كبيرة في نشاط الدماغ، خاصة في المناطق الحوفية المرتبطة بالخوف وتنظيم العواطف. هذه التغييرات قد تكون هي السبب وراء التحسينات التي يشهدها الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق بعد العلاج. بالرغم من أن المزيد من الأبحاث قد تكون ضرورية لفهم التفاصيل الدقيقة لهذه التغييرات العصبية، إلا أن الأبحاث الحالية تشير إلى أن العلاج النفسي لا يحسن الحالة النفسية فقط، بل يعيد أيضًا توازنًا في نشاط الدماغ، مما يساعد في تقليل القلق وتحسين القدرة على التحكم في العواطف.

 

المرجع 


Functional neural changes associated with psychotherapy in anxiety disorders – A meta-analysis of longitudinal fMRI studies – ScienceDirect https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0149763422003840?via%3Dihub