ترجمة : أ. نوره الدوسري
يمكن أن يكون من الصعب معرفة أفضل طريقة للاستجابة عندما يقوم طالب، مثل مولي، بسلوكيات مزعجة أو سلوكيات قد تكون ضارة. من المهم أن نتذكر أن سلوكها هو استجابة وظيفية، ومن المحتمل أن يكون فعالًا لها في تحقيق نتيجة مرغوبة، مثل الهروب من الواجبات أو الحصول على انتباه المعلم. إذا كانت هذه السلوكيات ناجحة في تلبية احتياجاتها، فإنها ستستمر في الظهور في مواقف مشابهة حتى تصبح غير فعّالة. لحسن الحظ، يعني هذا أيضًا أن هذه السلوكيات قابلة للتعديل، ويمكنك تعليم سلوكيات بديلة جديدة، وخاصة تلك التي تكون تواصلية بطبيعتها وتؤدي نفس الوظيفة أو الغرض الذي يؤديه السلوك المزعج.
استنادًا إلى التفاصيل التي شاركتها، نود تسليط الضوء على تدريب التواصل الوظيفي (Functional Communication Training – FCT). FCT هو تدخل قائم على الأدلة العلمية يهدف إلى تعليم سلوك بديل مناسب يمكن أن يحل محل السلوك المزعج أو المتداخل. لقد أظهرت الدراسات التي استمرت لعقود أن FCT يقلل من السلوكيات المشكلة ويزيد من السلوكيات المناسبة، مثل تحسين المهارات الاجتماعية أو القدرة على التعامل مع المتطلبات الأكاديمية. أحد المكونات المهمة لـ FCT هو إزالة التعزيز عن السلوك غير المناسب، أي ما يسمى بالإطفاء (Extinction). بشكل أساسي، يجب أن يتعلم الطفل أن الطرق القديمة (أي السلوك غير المرغوب) أصبحت غير فعّالة، ولكي يحقق النتيجة المرغوبة، يجب أن يشارك في استجابة جديدة، أي السلوك البديل التواصلّي.
على سبيل المثال، إذا تعلمت مولي أن رفض العمل أو تمزيق موادها يؤدي إلى إنهاء المهمة أو تأجيلها، فإن FCT سيركز على تعليمها أن هذا السلوك لن يؤدي إلى النتيجة نفسها، وبدلاً من ذلك يُعلَّمها طريقة أكثر قبولًا لتحقيق نفس الهدف، مثل طلب مهمة مختلفة أو طلب استراحة. وبالمثل، إذا كانت تصرخ للحصول على الانتباه، يمكن تعليمها سلوكًا بديلًا مثل رفع يدها أو النقر على مكتبها. النقطة الأهم هي أن المهارة الجديدة في التواصل يجب أن تخدم نفس الغرض الذي يخدمه السلوك المزعج.
لهذا السبب، من المهم جدًا توضيح الدافع الأساسي وراء السلوكيات المطروحة. عادةً ما تبدأ العملية بتقييم السلوك الوظيفي (Functional Behavior Assessment – FBA)، حيث يتم تقييم وظيفة السلوك المشكلة. يمكن لمحلل سلوك معتمد (BCBA) مساعدتك في هذا الجهد. تبدأ العملية بمقابلة مفتوحة مع الأشخاص الذين لديهم معرفة أو دراية بالطالب، وتتضمن أسئلة مثل: “هل يحدث السلوك عادةً عندما يتم إعطاء العمل، وأثناء عمل الطلاب بشكل مستقل؟ ما هو رد فعل المعلم المعتاد عندما يظهر السلوك؟” يمكن أيضًا إجراء التقييم من خلال الملاحظة المباشرة للطالب، حيث يمكن للمعلم تحديد ما يحدث غالبًا قبل السلوك (المثيرات أو antecedents) وبعده (العواقب أو consequences). تُوثّق هذه البيانات في صيغة A-B-C (Antecedent-Behavior-Consequence)، والتي تشمل تسجيل الأحداث التي سبقت وتلت السلوك.
من خلال مراقبة تكرار السلوك، قد يصبح الهدف من السلوك المزعج واضحًا، مثل رغبتهم في جذب انتباه المعلم أو الرغبة في الهروب من العمل. تُستخدم هذه المعلومات لتشكيل فرضيات حول سبب حدوث السلوك. تُعتبر هذه الطرق المباشرة الأهم، حيث تتيح لمحلل السلوك الملاحظة المباشرة للظروف التي يحدث فيها السلوك، ويجب الاعتماد عليها أكثر من الطرق غير المباشرة. في بعض الحالات، قد يحتاج محلل السلوك إلى التلاعب المباشر ببعض المتغيرات التي يُعتقد أنها تحافظ على السلوك المزعج، في ما يُعرف بالتحليل الوظيفي التجريبي (Experimental Functional Analysis).
توضح نتائج تقييم السلوك الوظيفي وظيفة السلوك المستهدف للتدخل. وتشمل الوظائف المحتملة الهروب من المواقف أو المتطلبات غير المفضلة أو الأشخاص (التعزيز السلبي الاجتماعي)، والحصول على انتباه الآخرين (التعزيز الإيجابي الاجتماعي أو السلبي)، أو الوصول إلى عناصر أو أنشطة مفضلة (التعزيز الإيجابي الاجتماعي)، والتحفيز الحسي في شكل سلوكيات نمطية أو متكررة (التعزيز التلقائي). بمجرد تحديد الوظيفة، يجب على محلل السلوك والمعلم العمل معًا لتحديد مهارات التواصل الوظيفي المناسبة.
على سبيل المثال، قد تشير نتائج تقييم السلوك الوظيفي إلى أن تمزيق المواد وإلقاء الأشياء ووضع الرأس على الطاولة مدعوم بالهروب من المهام، بينما الصراخ قد يكون مدعومًا بالحصول على انتباه المعلم. لذلك، من الأفضل تعليم طرق مناسبة لطلب مهمة جديدة، أو استراحة، أو انتباه، أو مفاهيم مشابهة.
اختيار السلوك البديل مهم للغاية، ويجب مراعاة عوامل متعددة. يجب أن تتطابق الاستجابة الجديدة مع وظيفة السلوك القديم، وأن تكون سهلة التعليم في البداية، وغير مجهدة للطالب، ومن المرجح أن يلاحظها الآخرون، وأن يتم تعزيزها على الفور وباستمرار. إذا كان السلوك البديل صعبًا جدًا، فقد يلجأ الطالب إلى السلوك المزعج الذي كان فعالًا سابقًا. لذلك، من الضروري اختيار استجابة بسيطة نسبيًا.
يمكن أن تتنوع السلوكيات البديلة سواء للطلاب الناطقين أو غير الناطقين. بالنسبة للطلاب غير الناطقين، يجب تعليم استجابة غير لفظية. يجب أيضًا مراعاة المهارات الحالية للطالب واختيار استجابة قابلة للتطبيق بالنسبة له. إذا كان لديهم نظام تواصل موجود (مثل PECS أو تطبيق على iPad)، يمكن تعليمهم استجابة ضمن هذا النظام لطلب استراحة أو انتباه. إذا لم يكن لديهم نظام، يمكن أن تكون الاستجابة عبارة عن لمس بطاقة بسيطة. كل مرة يلمس الطالب البطاقة، يحصل على الاستراحة أو الانتباه على الفور. هذه الاستجابة لن تكون مزعجة للآخرين، لكنها تتطلب من المعلم متابعة دقيقة للطالب، حيث أن تعزيز الاستجابة الجديدة يكون فوريًا.
بمجرد تحديد الوظيفة واختيار السلوك البديل، يتم البدء بالتعليم! يمكن استخدام تدريب المهارات السلوكية (Behavioral Skills Training – BST) وتقليل التلميحات تدريجيًا لتعليم الاستجابة التواصلية. يشمل ذلك تقديم شرح قصير، وعرض النموذج باستخدام تلميحات من الأكثر إلى الأقل، ثم ممارسة الدور مع تقديم التغذية الراجعة. تستمر ممارسة هذه المهارة مع الطالب حتى يتمكن من استخدام البطاقة دون تلميحات. بعد تعليم الاستجابة، يجب توفير فرص متعددة لممارستها في بيئات طبيعية، مثل استخدام البطاقة عند تقديم ورقة عمل أو أثناء نشاط آخر، مع تعزيز الاستجابة على الفور. إذا استخدم الطالب سلوكيات أخرى للحصول على الاستراحة أو الانتباه، لا يجب تقديم هذه النتائج، ويجب الاستمرار في تشجيعه على إكمال المهام.
يجب التحلي بالصبر والاتساق، حيث غالبًا ما يزداد السلوك المزعج قبل أن يتحسن عند استخدام الإطفاء (Extinction). مع الممارسة المتكررة، سيتعلم الطالب كيفية الحصول على النتائج المرجوة وستبدأ السلوكيات المزعجة في الانخفاض، بينما تبدأ الاستجابات البديلة في الزيادة.
مع مرور الوقت، يمكن زيادة تعقيد الاستجابة البديلة ومستوى الجهد المطلوب. على سبيل المثال، يمكن تعليم الطالب رفع البطاقة أو الذهاب لتسليمها للمعلم قبل الحصول على التعزيز. من المهم أيضًا التخطيط لتعميم المهارة وصيانتها، عن طريق زيادة فترة الانتظار قبل تعزيز الاستجابة تدريجيًا، وتعليم الطالب أن طلب الاستراحة لن يُستجاب دائمًا. يمكن تجربة البطاقة في بيئات مختلفة ومع أشخاص مختلفين، لضمان التعميم.
من الضروري الحفاظ على تعزيز الاستجابة البديلة بشكل متكرر لضمان استمرار النجاح في البيئة الطبيعية. يمكن تعديل الاستراتيجية وفقًا للحالة الفردية لكل طالب.
باختصار، تدريب التواصل الوظيفي هو استراتيجية فعّالة لتعليم الطلاب طرقًا بديلة للتواصل تلبي نفس الاحتياجات التي تلبيها السلوكيات المزعجة، مما يقلل هذه السلوكيات ويعزز سلوكيات مناسبة وآمنة.
المرجع :
What is Functional Communication Training? :
https://asatonline.org/research-treatment/clinical-corner/functional-communication-training





