الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

الطعام والمزاج: كيف يؤثر النظام الغذائي والتغذية على الصحة النفسية؟

ترجمة : أ. نوره الدوسري

الملخص

تشير الدراسات إلى أن سوء التغذية قد يكون عاملاً مسببًا في انخفاض المزاج، بينما تحسين النظام الغذائي قد يساعد في حماية صحة السكان الجسدية والنفسية على حد سواء، كما يوضح جوزيف فيرث وزملاؤه.

الرسائل الرئيسية

  • ترتبط أنماط الأكل الصحية، مثل النظام الغذائي المتوازن ، بصحة نفسية أفضل مقارنة بأنماط الأكل غير الصحية، مثل النظام الغذائي الغربي.

  • قد تلعب تأثيرات بعض الأطعمة أو الأنماط الغذائية على مستويات السكر في الدم، وتفعيل الجهاز المناعي، والميكروبيوم المعوي دورًا في العلاقة بين الطعام والمزاج.

  • هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لفهم الآليات التي تربط بين الغذاء والصحة النفسية، وتحديد كيف ومتى يمكن استخدام التغذية لتحسين الصحة النفسية.

مقدمة

الاكتئاب والقلق هما أكثر حالات الصحة النفسية شيوعًا عالميًا، مما يجعلهما سببًا رئيسيًا للإعاقة. حتى خارج الحالات المشخصة، تؤثر الأعراض الفرعية للاكتئاب والقلق على رفاهية ووظائف جزء كبير من السكان. لذلك، هناك حاجة لنهج جديد لإدارة كل من الاكتئاب والقلق المشخص سريريًا والفرعي.

في السنوات الأخيرة، ازداد الاهتمام بالعلاقة بين التغذية والصحة النفسية. فقد لاحظت الأبحاث الوبائية أن الالتزام بأنماط غذائية صحية أو متوسطة—التي تتضمن استهلاكًا عاليًا للفواكه والخضروات والمكسرات والبقوليات، واستهلاكًا معتدلًا للدواجن والبيض ومنتجات الألبان، والاستهلاك العرضي فقط للحوم الحمراء—يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب. إلا أن طبيعة هذه العلاقة معقدة بسبب الإمكانية الواضحة للعكس بين النظام الغذائي والصحة النفسية. على سبيل المثال، فإن تغييرات الاختيارات الغذائية أو التفضيلات استجابة للحالة النفسية المؤقتة—مثل تناول “الأطعمة المريحة” عند انخفاض المزاج، أو تغير الشهية بسبب التوتر—تعد تجارب بشرية شائعة. كما أن العلاقة بين التغذية والاضطرابات النفسية المستمرة تتعقد بسبب العوائق التي تحول دون الحفاظ على نظام غذائي صحي، والتي تؤثر بشكل غير متناسب على الأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية، وتشمل المحددات المالية والبيئية للصحة، وحتى التأثيرات الشهية للأدوية النفسية.

المزاج والكربوهيدرات

يمكن أن يزيد استهلاك الكربوهيدرات المكررة جدًا من خطر السمنة والسكري. مؤشر نسبة السكر في الدم هو تصنيف نسبي للكربوهيدرات في الأطعمة وفقًا لسرعة هضمها وامتصاصها واستقلابها وتأثيرها على مستويات الجلوكوز والأنسولين في الدم. بالإضافة إلى المخاطر الصحية الجسدية، قد يكون للأنظمة الغذائية عالية المؤشر أو الحمولة الجلايسيمية (مثل الأنظمة الغنية بالكربوهيدرات المكررة والسكريات) تأثير سلبي على الصحة النفسية؛ فقد أظهرت الدراسات الطولية وجود علاقة بين ارتفاع المؤشر الجلايسيمي تدريجيًا وظهور أعراض الاكتئاب. كما أظهرت الدراسات السريرية تأثيرات محتملة للكربوهيدرات المكررة على المزاج؛ حيث يزيد التعرض التجريبي لنظام غذائي عالي الحمولة الجلايسيمية في بيئات محكمة من أعراض الاكتئاب لدى المتطوعين الأصحاء، مع تأثير متوسط إلى كبير.

بالرغم من أن المزاج نفسه قد يؤثر على اختياراتنا الغذائية، توجد آليات معقولة تفسر كيف يمكن أن يزيد الاستهلاك العالي للكربوهيدرات المصنعة من خطر الاكتئاب والقلق—على سبيل المثال من خلال الارتفاع والانخفاض السريع والمتكرر لمستويات السكر في الدم. يمكن استخدام مقاييس المؤشر والحمولة الجلايسيمية لتقدير نسبة السكر في الدم وطلب الأنسولين بعد تناول الطعام لدى الأفراد الأصحاء. ومن ثم، قد يؤدي ارتفاع الحمولة الجلايسيمية الغذائية، والاستجابات التعويضية الناتجة عنها، إلى خفض مستوى الجلوكوز في البلازما إلى مستويات تحفز إفراز هرمونات مضادة للتنظيم اللاإرادي مثل الكورتيزول والأدرينالين وهرمون النمو والجلوكاجون. وقد أظهرت الدراسات التجريبية على الإنسان أن هذه الهرمونات المضادة للتنظيم قد تسبب تغيرات في القلق والانفعال والجوع. كما وجدت الدراسات الرصدية أن نقص السكر المتكرر مرتبط باضطرابات المزاج.

تشير الفرضية القائلة بأن الارتفاع والانخفاض السريع والمتكرر لمستويات السكر في الدم يفسر كيف يمكن للكربوهيدرات المكررة أن تؤثر على الحالة النفسية إلى تطابق جيد مع التأثير النسبي السريع للحمولة الجلايسيمية العالية على أعراض الاكتئاب في الدراسات البشرية. ومع ذلك، قد تفسر عمليات أخرى العلاقات المرصودة. على سبيل المثال، تعد الأنظمة الغذائية عالية المؤشر الجلايسيمي عامل خطر للسكري، والذي غالبًا ما يكون مصاحبًا للاكتئاب. رغم أن النماذج الرئيسية للفسيولوجيا المرضية في السكري والاضطرابات النفسية منفصلة، إلا أن الشذوذات المشتركة في مقاومة الأنسولين وحجم الدماغ والأداء العصبي المعرفي في كلا الحالتين تدعم فرضية وجود تداخل في الفسيولوجيا المرضية. علاوة على ذلك، فإن الاستجابة الالتهابية للأطعمة عالية المؤشر الجلايسيمي تثير احتمال أن ترتبط الأنظمة الغذائية عالية المؤشر الجلايسيمي بأعراض الاكتئاب من خلال الروابط الأوسع بين الصحة النفسية وتفعيل الجهاز المناعي.

النظام الغذائي، تفعيل الجهاز المناعي والاكتئاب

أظهرت الدراسات أن الالتزام المستمر بأنماط الغذاء المتوازنة يمكن أن يقلل من مؤشرات الالتهاب لدى الإنسان. من ناحية أخرى، يبدو أن الوجبات عالية السعرات والغنية بالدهون المشبعة تحفز تفعيل الجهاز المناعي. في الواقع، اقترح تأثير الالتهاب الناتج عن النظام الغذائي الغربي عالي السعرات والدهون المشبعة كآلية محتملة لتأثيره الضار على صحة الدماغ، بما في ذلك تراجع الوظائف الإدراكية، واضطراب الحُصين، وتلف الحاجز الدموي الدماغي. نظرًا لأن العديد من الحالات النفسية، بما فيها اضطرابات المزاج، ترتبط بزيادة الالتهاب، فإن هذه الآلية توفر مسارًا يمكن من خلاله أن يزيد النظام الغذائي السيء من خطر الاكتئاب. تدعم الدراسات الرصدية هذه الفرضية، حيث أظهرت أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يحصلون على درجات أعلى في مقاييس “الالتهاب الغذائي”، والذي يتميز باستهلاك أكبر للأطعمة المرتبطة بالالتهاب (مثل الدهون المتحولة والكربوهيدرات المكررة) وانخفاض استهلاك الأطعمة المغذية التي يُعتقد أن لها خصائص مضادة للالتهاب (مثل الدهون أوميغا-3). ومع ذلك، لم يتم بعد تحديد الدور السببي للالتهاب الغذائي في الصحة النفسية.

على الرغم من ذلك، فقد أظهرت التجارب العشوائية المضبوطة للأدوية المضادة للالتهاب (مثل مثبطات السيتوكين والأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية) أنها يمكن أن تقلل بشكل كبير من أعراض الاكتئاب. كما أن بعض المكونات الغذائية المحددة (مثل البوليفينولات والدهون غير المشبعة) وأنماط غذائية عامة (مثل النظام الغذائي المتوازن) قد يكون لها تأثيرات مضادة للالتهاب، مما يثير إمكانية أن بعض الأطعمة يمكن أن تخفف أو تمنع أعراض الاكتئاب المرتبطة بالالتهاب. أظهرت دراسة حديثة دعمًا أوليًا لهذه الفرضية، حيث بينت أن الأدوية التي تحفز الالتهاب عادةً ما تسبب حالات اكتئابية، وأن إعطاء أحماض أوميغا-3 الدهنية قبل تناول هذه الأدوية يبدو أنه يمنع ظهور الاكتئاب المرتبط بالسيتوكينات.

مع ذلك، تتعقد العلاقة بين النظام الغذائي والالتهاب والاكتئاب بسبب عدة عوامل مؤثرة، مثل تعرض الشخص للضغوط في اليوم السابق، أو وجود تاريخ شخصي من اضطرابات اكتئابية كبيرة، والتي قد تلغي التأثيرات المفيدة لاختيارات الطعام الصحية على الالتهاب والمزاج. علاوة على ذلك، نظرًا لأن الالتهاب المتزايد يحدث فقط لدى بعض الأفراد المصابين بالاكتئاب السريري، فقد تستفيد التدخلات المضادة للالتهاب فقط من هؤلاء الذين يتميزون بـ “النمط الالتهابي”، أو الذين لديهم حالات التهابية مصاحبة. هناك حاجة لمزيد من الأبحاث التداخلية لتحديد ما إذا كانت تحسينات التنظيم المناعي المستحثة بواسطة النظام الغذائي يمكن أن تقلل من أعراض الاكتئاب لدى المصابين بالحالات الالتهابية.



 الدماغ، الميكروبيوم المعوي والمزاج

تفسير أحدث للطريقة التي قد يؤثر بها الغذاء على الصحة النفسية هو تأثير الأنماط الغذائية على الميكروبيوم المعوي، وهو مصطلح شامل يشير إلى التريليونات من الكائنات الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والعتائق، التي تعيش في الأمعاء البشرية. يتفاعل الميكروبيوم المعوي مع الدماغ بطرق ثنائية الاتجاه باستخدام المسارات العصبية والالتهابية والهرمونية. وقد تم اقتراح دور التفاعلات المعدلة بين الدماغ والميكروبيوم المعوي في الصحة النفسية استنادًا إلى الأدلة التالية: تتغير السلوكيات المشابهة للعاطفة في القوارض مع تغيرات الميكروبيوم المعوي، ويرتبط اضطراب الاكتئاب الرئيسي في البشر بتغيرات في الميكروبيوم المعوي، ونقل ميكروبات الأمعاء البرازية من البشر المصابين بالاكتئاب إلى القوارض يبدو أنه يحفز سلوكيات تُفسر على أنها شبيهة بالحالة الاكتئابية. وتشير هذه النتائج إلى دور محتمل للمنتجات الأيضية الدقيقة العصبية في أعراض الاكتئاب.

بالإضافة إلى العوامل الوراثية والتعرض للمضادات الحيوية، يعد النظام الغذائي محددًا قابلًا للتعديل لتنوع الميكروبيوم المعوي، ونسبة الوفرة النسبية، ووظيفته طوال الحياة. على سبيل المثال، قد تؤدي الآثار العصبية المعرفية للنظام الغذائي الغربي، والدور الوسيط المحتمل لتفعيل الجهاز المناعي منخفض الدرجة، إلى ضعف طبقة المخاط المعوي مع أو بدون زيادة نفاذية الأنسجة الطلائية، وهو ما يُعرف أحيانًا بـ “الأمعاء المتسربة”، وقد ارتبط بميكروبيوم غير صحي ناتج عن نظام غذائي منخفض الألياف وعالي الدهون المشبعة والسكريات المكررة والمحليات الصناعية. في المقابل، يمكن لاستهلاك نظام غذائي غني بالألياف والبوليفينولات والدهون غير المشبعة (كما في النظام الغذائي المتوازن) أن يعزز أنواع الميكروبات المعوية التي يمكنها استقلاب هذه المصادر الغذائية إلى منتجات مضادة للالتهاب، مثل الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، مع تقليل إنتاج الأحماض الصفراوية الثانوية والـ p-cresol. كما أظهرت دراسة حديثة أن تناول البروبيوتيك من قبل الأفراد الأصحاء، الذي يُفترض أنه يستهدف الميكروبيوم المعوي، يمكن أن يغير استجابة الدماغ لمهمة تتطلب الانتباه العاطفي، وقد يقلل من أعراض الاكتئاب.

عند النظر إلى هذه الدراسات مجتمعة، تقدم أدلة واعدة تدعم دور الميكروبيوم المعوي في تنظيم العمليات التي تتحكم في العاطفة في الدماغ البشري. ومع ذلك، لم يتم إثبات علاقة سببية بين ميكروبات معينة، أو نواتجها الأيضية، والعواطف البشرية المعقدة حتى الآن. كما يبقى تحديد ما إذا كانت التغييرات في الميكروبيوم المعوي المستحثة بالغذاء يمكن أن تؤثر على أعراض الاكتئاب أو الاضطرابات الاكتئابية السريرية، والمدة الزمنية التي قد يحدث خلالها ذلك، أمرًا لم يتم إثباته بعد.

الأولويات والخطوات القادمة

عند المضي قدمًا في هذا المجال البحثي النشط، من المهم عدم الانغماس في التفاصيل الدقيقة على حساب النظر إلى الصورة الكاملة. فبينما قد تضيء خصائص مضادات الالتهاب لمغذيات معينة أو التفاعلات بين الدماغ والأمعاء على كيفية تأثير الطعام على المزاج، يجب عدم تجاهل المعرفة القائمة حول الطرق الأخرى التي يؤثر بها النظام الغذائي على الصحة النفسية. على سبيل المثال، تشمل النتائج اللاحقة للنظام الغذائي السيء السمنة والسكري، واللذان ارتبطا بالفعل بصحة نفسية أضعف. ومن المهم الاعتراف بأن تطوير المبادرات الصحية العامة التي تعالج بشكل فعال عوامل الخطر المعروفة للإصابة بالأمراض الجسدية والنفسية المصاحبة يمثل أولوية لتحسين الصحة السكانية.

هناك حاجة لمزيد من الدراسات لفهم المسارات المعقدة التي من خلالها يمكن أن تؤثر التغذية على الدماغ. قد يؤدي هذا الفهم إلى تطوير تدخلات مستهدفة، وربما شخصية، لتحسين المزاج أو القلق أو أعراض أخرى من خلال النهج الغذائي. ومع ذلك، فإن هذه الاحتمالات لا تزال فرضيات، وهناك حاجة لمزيد من الأبحاث التداخلية لتحديد كيف ومتى يمكن استخدام التدخلات الغذائية للوقاية من المرض النفسي أو الحد من الأعراض لدى المصابين. تجدر الإشارة إلى أن تجربة سريرية حديثة واسعة لم تظهر فوائد كبيرة لتدخل سلوكي يعزز النظام الغذائي المتوازن لدى البالغين المصابين بأعراض اكتئابية فرعية. من ناحية أخرى، أظهرت عدة تجارب أصغر حديثة تحسنات متوسطة إلى كبيرة في الأفراد المصابين بالاكتئاب الحالي من تدخلات قائمة على النظام الغذائي المتوازن. يجب تفسير هذه النتائج في سياق توقعات الأفراد، نظرًا لأن معتقدات الأشخاص حول جودة طعامهم أو نظامهم الغذائي قد تؤثر بشكل ملحوظ على شعورهم بالصحة العامة والرفاهية.

مع ذلك، حتى بعيدًا عن التأثيرات النفسية، فإن أخذ العوامل الغذائية بعين الاعتبار في الرعاية النفسية قد يساعد على تحسين نتائج الصحة الجسدية، نظرًا لارتفاع معدلات الأمراض القلبية والتمثيل الغذائي لدى الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.

في الوقت نفسه، من المهم أن نتذكر أن أسباب الأمراض النفسية متعددة ومتنوعة، وغالبًا ما تظهر وتستمر بغض النظر عن التغذية والنظام الغذائي. لذلك، يجب ألا يُستخدم الفهم المتزايد للعلاقات المحتملة بين الغذاء والصحة النفسية لدعم افتراضات تلقائية أو وصم الأفراد بناءً على اختياراتهم الغذائية وحالتهم النفسية، إذ يمكن أن يؤدي هذا الوصم نفسه إلى زيادة خطر ضعف الصحة النفسية. ومع ذلك، تظهر رسالة واعدة للصحة العامة والعيادات السريرية من الأبحاث الجارية، وهي أن خلق بيئات وتطوير إجراءات تعزز الأنظمة الغذائية الصحية والمغذية، مع تقليل استهلاك الأطعمة المصنعة والمكررة “الغير صحية”، قد يوفر فوائد تتجاوز الآثار المعروفة على الصحة الجسدية، بما في ذلك تحسين الصحة النفسية والرفاهية.

 

المرجع 

Food and mood: how do diet and nutrition affect mental wellbeing?

https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC7322666/