ترجمة : أ. نوره الدوسري
يُعد تنظيم المشاعر مهارة أساسية تساعدنا على التعامل مع تقلبات الحياة اليومية. وهي القدرة على التحكم الواعي في حالتنا العاطفية وإدارتها بفاعلية. جميعنا نشعر بالإحباط عند الوقوف في الزحام، أو بالحزن عند فقدان أحد أحبائنا، أو بالغضب عند خذلان شخص ما. هذه الاستجابات العاطفية طبيعية، لكن بالنسبة للبعض، يصبح التحكم في المشاعر تحديًا، حيث يشعرون بتقلبات عاطفية شديدة قد تكون مربكة ومرهقة.
الأشخاص الذين يعانون من اختلال تنظيم المشاعر غالبًا ما يمرون بتقلبات سريعة في الحالة العاطفية—هدوء في لحظة، وغضب أو حزن في اللحظة التالية. هذه التغيرات الشديدة يمكن أن تؤثر سلبًا على العلاقات، وتضر بالصحة النفسية، وتجعل الفرد يشعر بفقدان السيطرة على نفسه.
تتنوع أسباب التقلبات العاطفية. فقد تكون مرتبطة بمحفزات مرتبطة بصدمات سابقة، أو بعوامل جسدية مثل التعب أو انخفاض السكر في الدم، أو نقص التعرض لأساليب صحية لتنظيم الذات. مهما كان السبب، فإن النتيجة غالبًا واحدة: شعور بأن العواطف تتحكم في الشخص بدلًا من أن يكون هو المسيطر عليها.
الخبر السار هو أن تنظيم المشاعر يمكن تعلمه. من خلال تقنيات مثل اليقظة الذهنية، وإعادة تقييم الأفكار، والوعي الذاتي، يمكن لأي شخص تطوير المهارات اللازمة لإدارة المشاعر بفاعلية وبناء قدرة أكبر على التكيف والصمود.
ما هو التحكم وتنظيم المشاعر؟
تنظيم المشاعر والتحكم فيها يعني اتخاذ أي إجراء يقلل أو يزيد من شدة التجربة العاطفية. لا يعني ذلك كبت المشاعر أو تجنبها، بل القدرة على التأثير على المشاعر التي نمر بها وكيفية التعبير عنها.
بالمجمل، يشير التنظيم العاطفي إلى القدرة على ممارسة التحكم في المشاعر بطرق فعالة من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب. بعض الأشخاص أكثر قدرة على تنظيم مشاعرهم من غيرهم، وهم يتمتعون بذكاء عاطفي عالٍ، ووعي بتجاربهم الداخلية ومشاعر الآخرين. قد يبدو أنهم “هادئون بطبيعتهم”، لكنهم أيضًا يشعرون بالمشاعر السلبية، لكنهم طوروا استراتيجيات تساعدهم على تنظيم المشاعر الصعبة.
الأمر الإيجابي هو أن تنظيم الذات العاطفية ليس سمة ثابتة. يمكن تعلم المهارات العاطفية وتحسينها بمرور الوقت، مما يعود بالنفع على الصحة النفسية والجسدية.
أهمية تنظيم المشاعر
تنظيم المشاعر ضروري للتعامل مع الحياة بفاعلية والحفاظ على علاقات صحية. كبالغين، يُتوقع منا إدارة مشاعرنا بطرق مقبولة اجتماعيًا وتدعم رفاهيتنا الشخصية والمهنية. وعندما تطغى المشاعر علينا، يمكن أن تتسبب في تحديات كبيرة.
العوامل التي تعيق تنظيم المشاعر
- المعتقدات حول المشاعر السلبية: الاعتقاد بأن بعض المشاعر “سيئة” قد يمنع المعالجة الصحية لها.
- نقص مهارات تنظيم الذات: بدون استراتيجيات فعالة، يصبح التحكم في المشاعر صعبًا.
- المواقف المجهدة: تزيد الحالات الضاغطة من شدة المشاعر وتجعل تنظيمها أصعب.
تأثير ضعف تنظيم المشاعر
- على العلاقات: الغضب غير المسيطر عليه قد يؤدي إلى قول أشياء جارحة تضر بالثقة وتبعد الآخرين. إصلاح العلاقات قد يستغرق وقتًا وجهدًا عاطفيًا كبيرًا، وقد لا ينجح دائمًا.
- على الرفاهية الشخصية: الحزن المستمر يقلل من جودة الحياة، بينما الخوف غير المسيطر عليه قد يعيق الشخص عن المخاطرة أو اغتنام الفرص، مما يؤدي إلى معاناة غير ضرورية ويحد من النمو الشخصي.
لماذا يهم تنظيم المشاعر؟
من خلال تعلم إدارة المشاعر بفاعلية، يمكننا:
- تقوية علاقاتنا بالآخرين.
- تقليل التوتر والمعاناة غير الضرورية.
- بناء المرونة والثقة لاستكشاف فرص جديدة.
خمسة مهارات يجب إتقانها لتنظيم المشاعر
- إيجاد مساحة للتفكير:
المشاعر تحدث بسرعة؛ لا نفكر “الآن سأغضب”، بل نشعر بالغضب فجأة. لذلك، أهم مهارة هي التوقف للحظة، التنفس، وإبطاء اللحظة بين المحفز والاستجابة. - ملاحظة ما تشعر به:
مهارة أخرى مهمة هي القدرة على التعرف على ما نشعر به. ينصح د. جادسون بروير بالتركيز على ردود الفعل الجسدية كوسيلة لفهم المشاعر. هل شعرت بتوتر في المعدة؟ هل يسرع قلبك؟ هل هناك شد في الرقبة أو الرأس؟ هذه المؤشرات الجسدية تساعد في فهم العاطفة وتقليل شدتها. - تسمية المشاعر:
بعد ملاحظة المشاعر، تسمية الشعور تساعد في السيطرة عليه. اسأل نفسك: ما هو الشعور الذي أمر به؟ هل هو غضب، حزن، خيبة أمل، أو استياء؟ أحيانًا يخفي الخوف وراء مشاعر أخرى. كثير منا يشعر بأكثر من شعور في الوقت نفسه، لذا يمكن تسمية أكثر من شعور ومحاولة فهمه بعمق. - قبول المشاعر:
المشاعر جزء طبيعي من استجابتنا للمواقف. بدلًا من لوم نفسك على الغضب أو الخوف، اعترف بأن ردود فعلك العاطفية صحيحة. مارس التعاطف مع نفسك وامنح نفسك فرصة للقبول والتفهم. - ممارسة اليقظة الذهنية:
اليقظة تساعد على “العيش في اللحظة” والانتباه لما يحدث داخلنا. استخدم الحواس لملاحظة ما حولك بطريقة غير حكمية، ما يساعدك على الحفاظ على الهدوء وتجنب الانغماس في التفكير السلبي أثناء المعاناة العاطفية.
استراتيجيات تنظيم المشاعر
إليك سبع استراتيجيات عملية تساعد على إدارة المشاعر:
- تحديد وتقليل المحفزات: لاحظ العوامل أو المواقف التي تثير مشاعرك القوية، وفكر في طرق لتقليل تأثيرها.
- الانتباه للأعراض الجسدية: التعب أو الجوع يزيدان شدة المشاعر. التعامل مع هذه العوامل يمكن أن يقلل من رد الفعل العاطفي.
- مراجعة قصة الذات: كثيرًا ما نملأ الفراغات بتفسير خاص بنا. قبل إصدار أحكام، اسأل: ما التفسيرات الأخرى الممكنة؟ استخدم تقنية “تمامًا مثلي” لتذكير نفسك بأن الآخرين أيضًا بشر غير كاملين.
- الحديث الإيجابي مع الذات: استبدل التعليقات السلبية بتعليقات داعمة: “أنا أحاول دائمًا بجد” أو “الناس يبذلون أفضل ما لديهم”.
- اختيار الاستجابة: تذكر أنه يمكنك التحكم في كيفية رد فعلك. بدلًا من الانفجار، اختر طريقة تعبير تتماشى مع قيمك وتقلل الضرر.
- التركيز على المشاعر الإيجابية: الإنسان يميل لإعطاء وزن أكبر للمشاعر السلبية. لاحظ المشاعر الإيجابية مثل الامتنان أو الفضول لتعزيز المرونة النفسية.
- طلب دعم أخصائي نفسي: أحيانًا يكون من الصعب إدارة المشاعر بمفردك، وقد يساعدك الأخصائي في تعلم مهارات التنظيم العاطفي.
اضطراب تنظيم المشاعر
اضطراب تنظيم المشاعر هو حالة يصعب فيها إدارة المشاعر، ويعرف بضعف القدرة على التحكم بالعواطف أو الحفاظ على ردود أفعال مقبولة. الأفراد المشخّصين بهذا الاضطراب قد يعانون من تغييرات مزاجية شديدة تؤثر على تصرفاتهم، وقد يظهر ذلك في صعوبة الحفاظ على العلاقات، سلوكيات مدمرة للذات، فرط الحساسية، نوبات غضب متكررة، أو تفريغ المشاعر على من لم يسبب الضرر. غالبًا ما يرتبط هذا الاضطراب بحالات أخرى مثل الاكتئاب، التوتر، أو اضطراب الشخصية الحدية.
العلاج السلوكي الجدلي (DBT)
يُعد العلاج السلوكي الجدلي أحد الأساليب الفعالة في مساعدة المشخّصين باضطراب تنظيم المشاعر. يركز على التعرف على أنماط التفكير السلبية واستبدالها بتغييرات سلوكية إيجابية، مثل إعادة تقييم المواقف أو التمرن على تبادل الأدوار لفهم وجهات نظر الآخرين. الهدف طويل المدى هو تحسين قدرة التحمل للضيق النفسي، بما يشمل تقنيات التهدئة الذاتية، التشتيت، والقبول الجذري.
الخلاصة
المشاعر السلبية جزء طبيعي من حياتنا اليومية، وتجاهلها لا يجعلها تختفي. بدلاً من تجنبها، من الضروري تطوير الذكاء العاطفي ومهارات التنظيم العاطفي. القدرة على تنظيم الذات العاطفية أمر حيوي للقيادة، التواصل، وبناء العلاقات الصحية، ويساعد على حياة متوازنة ومرضية.
المرجع
Emotional regulation: skills, exercises, and strategies :
https://www.betterup.com/blog/emotional-regulation-skills





