الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

المشكلات الانفعالية والسلوكية لدى الأطفال ذوي الإعاقة السمعية

ترجمة: أ. نوره الدوسري

تُعدّ الإعاقة السمعية من أكثر الاضطرابات الحسية تأثيرًا على النمو الإنساني، نظرًا لما تسببه من قصور في التواصل اللفظي والاجتماعي والانفعالي. يشير الباحثون إلى أنّ ضعف السمع لا يقتصر على كونه عجزًا حسّيًا، بل يمتد ليؤثر على جميع مجالات الحياة النفسية والاجتماعية والتعليمية للأطفال.

تعريف الإعاقة السمعية وانتشارها

يُعرَّف ضعف السمع بأنه خلل أو تلف في آلية السمع يؤدي إلى فقدان القدرة السمعية بدرجات متفاوتة، تتراوح بين البسيطة والشديدة أو الكاملة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO، 2021)، يُعدّ الشخص مصابًا بإعاقة سمعية إذا كان فقدانه السمعي يتجاوز 35 ديسيبل في الأذن الأفضل. وتُعدّ الإعاقة السمعية من أكثر الإعاقات شيوعًا عالميًا، إذ تشير الدراسات إلى ارتفاع نسبتها في الدول النامية نتيجة لضعف برامج الفحص المبكر والقيود المالية وقلة الوعي الصحي.

في باكستان، على سبيل المثال، أظهرت دراسة أن نسبة انتشار ضعف السمع لدى الأطفال في المدارس بلغت حوالي 7.9%. ويعود ذلك جزئيًا إلى غياب برامج فحص السمع لحديثي الولادة، مما يؤدي إلى تأخر التشخيص والتدخل العلاجي.

أنواع الإعاقة السمعية

تنقسم الإعاقة السمعية إلى فئتين أساسيتين:

  1. الصمم الكامل (Deafness): وهو فقدان تام للقدرة السمعية، بحيث لا يمكن للمصابين به الاستفادة من أجهزة السمع أو التدريب السمعي.

     

  2. ضعف السمع (Hard of Hearing): وهو فقدان جزئي يمكن تعويضه باستخدام المعينات السمعية.

     

وقد تكون الإعاقة السمعية خلقية منذ الولادة، أو مكتسبة نتيجة أمراض أو التهابات أو إصابات في الجهاز السمعي. وتأثيرها يختلف باختلاف العمر الذي تحدث فيه وشدة الفقد السمعي.

أثر الإعاقة السمعية على النمو

تؤدي الإعاقة السمعية إلى تأخر واضح في اكتساب اللغة والكلام، وهو ما ينعكس على تطور المهارات الاجتماعية والانفعالية والتعليمية. كما يعاني الأطفال ذوو الإعاقة السمعية من صعوبات في التعبير عن المشاعر وفهم مشاعر الآخرين، مما يجعلهم أكثر عرضة للعزلة والانطواء، وأحيانًا للعدوانية وسوء التكيف الاجتماعي.

أشارت دراسات متعددة (Reddy، 2005؛ WHO، 2021) إلى أنّ ضعف السمع قد يؤدي إلى مشكلات مثل البطالة أو ضعف الأداء المهني في المستقبل، إضافة إلى الشعور بالوحدة والوصم الاجتماعي. كما قدرت منظمة الصحة العالمية العبء الاقتصادي العالمي الناتج عن فقدان السمع غير المعالج بحوالي 980 مليار دولار سنويًا.

العوامل الاجتماعية والثقافية

أوضحت الباحثات أنّ المعتقدات الثقافية السائدة في بعض المجتمعات تسهم في رفض الأهالي لتلقي العلاج أو خدمات التأهيل لأطفالهم ذوي الإعاقة السمعية، مما يزيد من تفاقم المشكلات. فالإهمال المبكر يؤدي إلى تراكم التأخر اللغوي والمعرفي والانفعالي، ويصعّب عملية الاندماج الاجتماعي لاحقًا.

المشكلات الانفعالية والسلوكية المرتبطة بالإعاقة السمعية

بيّنت الأدبيات النفسية أنّ الأطفال ذوي الإعاقة السمعية يميلون إلى إظهار أنماط سلوكية وانفعالية مختلفة عن أقرانهم ذوي السمع السليم. فهم غالبًا:

  • أكثر اندفاعًا وأقل قدرة على ضبط الذات.

     

  • يعانون من ضعف في الثقة بالنفس ومشاعر الدونية والعجز.

     

  • يظهرون فرط حركة وتشتت انتباه وسلوكيات عدوانية أحيانًا.

     

  • يواجهون صعوبات في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية.

     

أوضح Myklebust (1996) أنّ هؤلاء الأطفال يطوّرون طرقًا مختلفة للتفكير وفهم العالم، ما يجعل سلوكهم يبدو غريبًا أو غير ناضج اجتماعيًا. كما أشار Panda (1997) إلى أن ضعف اللغة والتواصل يؤدي إلى ضعف التفاعل الاجتماعي، ونوبات غضب وفرط نشاط.

منهجية الدراسة

أجريت الدراسة الحالية في مدينة بيشاور الباكستانية، وهدفت إلى مقارنة المشكلات الانفعالية والسلوكية بين الأطفال ذوي الإعاقة السمعية والأطفال ذوي السمع الطبيعي. تكونت العينة من 150 طفلًا (75 من مدارس التعليم العام و75 من مدارس خاصة بذوي الإعاقة السمعية) تتراوح أعمارهم بين 4 و16 سنة.

استخدم الباحثون استبيان نقاط القوة والصعوبات (SDQ) لقياس الجوانب الانفعالية والسلوكية، ويتضمن خمسة مجالات: المشكلات الانفعالية، مشكلات السلوك، فرط النشاط، مشكلات الأقران، والسلوك الاجتماعي الإيجابي.

النتائج

أظهرت الدراسة أن الأطفال ذوي الإعاقة السمعية يواجهون صعوبات أكبر في المشكلات الانفعالية والسلوكية مقارنة بأقرانهم من الأطفال ذوي السمع الطبيعي. وتشمل هذه الصعوبات:

  • فرط النشاط وتشتت الانتباه: يميل الأطفال ذوو الإعاقة السمعية إلى كونهم أكثر نشاطًا وتشتتًا في الانتباه مقارنة بأقرانهم.

     

  • مشكلات العلاقات مع الأقران: يعانون من صعوبة أكبر في التفاعل مع الأطفال الآخرين وبناء صداقات.

     

  • الصعوبات الانفعالية والسلوكية العامة: لديهم مستوى أعلى من القلق، الاكتئاب، العدوانية، والانطواء الاجتماعي.

     

وتشير النتائج بوضوح إلى أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى دعم إضافي لمساعدتهم على التعامل مع هذه التحديات والانخراط بشكل أفضل في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية.

مناقشة النتائج

دعمت النتائج الفرضيات الثلاث التي وضعتها الدراسة، مؤكدةً أن الأطفال ذوي الإعاقة السمعية أكثر عرضة للمشكلات السلوكية والانفعالية من أقرانهم. وقد ربطت الدراسات السابقة هذه الظواهر بعدة عوامل، منها:

  • الحرمان من التواصل اللفظي الفعّال داخل الأسرة.

     

  • ضعف التفاعل الاجتماعي في المدرسة والمجتمع.

     

  • انخفاض مستوى الثقة بالنفس والشعور بالرفض.

     

أشارت دراسات (Hindley & Kroll، 1998؛ Stevenson وآخرون، 2015) إلى أنّ الأطفال ضعاف السمع لديهم معدلات أعلى من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) مقارنة بالأطفال ذوي السمع السليم. كما بينت أبحاث أخرى أن نسبة الاضطرابات النفسية العامة لديهم قد تصل إلى 40%، أي أكثر من ضعف المعدل لدى الأطفال العاديين.

يؤكد ذلك أن الإعاقة السمعية لا تؤثر فقط على الجانب الأكاديمي، بل تمتد لتشمل الجانب النفسي والاجتماعي. فضعف الفهم العاطفي لدى هؤلاء الأطفال يجعلهم أقل قدرة على تنظيم مشاعرهم أو فهم مشاعر الآخرين، مما يؤدي إلى سوء التكيف الاجتماعي ومشكلات مع الأقران.

كما أن ضعف التواصل يجعل صداقاتهم أقل استقرارًا، ويزيد شعورهم بالوحدة والإقصاء، ما يرفع احتمالية ظهور السلوك العدواني أو الانسحابي.

الأعباء الأسرية والاجتماعية

أشارت دراسة حديثة (Mumtaz وآخرون، 2023) إلى أنّ 47.5% من الأطفال ذوي الإعاقة السمعية يواجهون صعوبات متوسطة في المشاركة الاجتماعية، بينما يعاني 26% منهم من صعوبات شديدة. كما تبيّن أن أسر هؤلاء الأطفال تتعرض لضغوط مالية وعاطفية كبيرة بسبب تكاليف العلاج والتأهيل.

 

العوامل الإدراكية والانتباهية

يفقد الأطفال ضعاف السمع القدرة على إدراك الأصوات البيئية، فيعتمدون بدرجة أكبر على الانتباه البصري. هذا الضغط المستمر على الإدراك البصري قد يؤدي إلى تشتت الانتباه وفرط الحركة (Quittner وآخرون، 2007)، مما يفسر ارتفاع معدلات الاضطرابات السلوكية لديهم.

التوصيات

خلصت الدراسة إلى ضرورة:

  1. توفير برامج تدخل مبكر للكشف عن الإعاقة السمعية ومعالجتها منذ الولادة.

     

  2. تدريب الأهل والمعلمين على أساليب التواصل الداعمة للأطفال ذوي الإعاقة السمعية.

     

  3. تطبيق برامج علاج سلوكي وانفعالي تهدف إلى تقوية مهارات التنظيم الذاتي والتفاعل الاجتماعي.

     

  4. إنشاء بيئات تعليمية دامجة تراعي الاحتياجات النفسية واللغوية لهؤلاء الأطفال، وتحدّ من شعورهم بالعزلة.

     

  5. تشجيع البحوث المستقبلية التي تركز على فعالية التدخلات النفسية والتربوية لتحسين التكيف النفسي والاجتماعي لديهم.

     

الخلاصة

تؤكد الدراسة أنّ الإعاقة السمعية لا تقتصر على فقدان القدرة على السمع فحسب، بل تمثل تحديًا متعدد الأبعاد يمسّ الجوانب الانفعالية والسلوكية والاجتماعية للأطفال. فضعف التواصل والوصم الاجتماعي وقلة الوعي الأسري كلها عوامل تزيد من احتمالية ظهور الاضطرابات النفسية والسلوكية.

لذا فإنّ تطوير استراتيجيات شاملة للتشخيص المبكر والتدخل العلاجي والتربوي يمكن أن يسهم في تحسين جودة حياة الأطفال ذوي الإعاقة السمعية، ويعزز اندماجهم في المجتمع بشكل صحي وإيجابي.

المرجع : 

EMOTIONAL AND BEHAVIORAL PROBLEMS IN CHILDREN WITH HEARING IMPAIRMENT :

https://scispace.com/pdf/emotional-and-behavioral-problems-in-children-with-hearing-2xa6e47n8c.pdf