الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

تقييم الأطفال النفسي: الأدوات والتقنيات

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

يُعدّ التقييم النفسي للأطفال بوابة أساسية لفهم قدراتهم المعرفية، وصحتهم الانفعالية، وتطورهم النمائي. إذ تتيح هذه التقييمات للأخصائيين النفسيين فهماً عميقاً لكيفية معالجة الأطفال للمعلومات، وتنظيمهم للمشاعر، وطريقتهم في التفاعل مع بيئتهم. ومن خلال أدوات متخصصة صُمّمت خصيصاً للفئات العمرية الصغيرة، يمكن تحديد نقاط القوة والضعف ومجالات القلق التي قد تستدعي التدخل المبكر.

الأطفال ليسوا «بالغين صغاراً»؛ فدماغهم في طور النمو المستمر، ومهاراتهم في التنظيم الانفعالي ما زالت تتشكل، وقدراتهم المعرفية تتطور بسرعة. لذلك، فإن استخدام أدوات التقييم النفسي المخصصة للبالغين لا يمكن أن يعكس بدقة خصائص الطفل النمائية، مما قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة وتدخلات غير مناسبة.

تُصمَّم التقييمات الموجّهة للأطفال بما يتناسب مع مراحلهم العمرية، وتستخدم موادّ وأدوات ملائمة لأعمارهم، كما تستند إلى معايير مقارنة تُقارن أداء الطفل بأقرانه من الفئة العمرية نفسها، لضمان دقة النتائج.

يكتسب التقييم النفسي للأطفال أهمية خاصة نظرًا لاهتمام المجتمع بالتحصيل الأكاديمي وازدياد الوعي بالاضطرابات النمائية العصبية. فالكشف المبكر من خلال التقييم النفسي الدقيق يُسهم في تحسين النتائج التعليمية والسلوكية عبر التدخل المبكر، خصوصًا في المدارس التي توفر خدمات دعم متزايدة.



اختبارات الذكاء: تقييم القدرات المعرفية

يُشكّل الذكاء العام حجر الأساس في التقييم النفسي للأطفال، إذ يُقدّم صورة دقيقة عن جوانب القوة والضعف في القدرات المعرفية. وتشمل هذه التقييمات مجالات متعددة مثل الفهم اللفظي، والمنطق الإدراكي، والذاكرة العاملة، وسرعة المعالجة.

يُعدّ مقياس وكسلر لذكاء الأطفال (WISC-R) من أكثر الأدوات استخدامًا عالميًا للأطفال من سن 6 إلى 16 سنة. وعلى الرغم من توفر الإصدارات الحديثة مثل WISC-V، إلا أن العديد من الأخصائيين ما زالوا يستخدمون النسخة السابقة نظرًا لاعتمادها الواسع ومعاييرها الموثوقة.

ينقسم المقياس إلى قسمين رئيسيين:

  • المقياس اللفظي: يقيس القدرة على التفكير القائم على اللغة من خلال اختبارات مثل المفردات، والفهم، والمعلومات العامة، والحساب الذهني، وتمييز التشابهات.

  • المقياس الأدائي: يقيّم القدرة على التفكير غير اللفظي والإدراك البصري المكاني عبر مهام مثل ترتيب الصور، وتصميم المكعبات، وتجميع الأشكال.

تُنتج هذه الاختبارات ثلاثة مؤشرات أساسية: الذكاء اللفظي، والذكاء الأدائي، والذكاء الكلي. ويسمح تحليل الفروق بين هذه المؤشرات بتحديد أنماط معرفية خاصة، تتجاوز مجرد رقم حاصل الذكاء (IQ).

طوّر علماء النفس معايير محلية لمقياس وكسلر تراعي الفروق الثقافية واللغوية، مع جهود مستمرة لتوحيدها لتشمل مختلف المناطق والسياقات التعليمية.




مقياس فينلاند للسلوك التكيفي

بينما تركز اختبارات الذكاء على القدرات العقلية، يقيس مقياس فينلاند للسلوك التكيفي كيفية تطبيق الطفل لهذه القدرات في حياته اليومية. ويغطي أربعة مجالات رئيسية:

  1. التواصل: ويشمل مهارات الاستيعاب والتعبير والكتابة.

  2. مهارات الحياة اليومية: كالعناية الشخصية، وتنفيذ المهام المنزلية، والتفاعل مع المجتمع.

  3. التنشئة الاجتماعية: مثل تكوين العلاقات، واللعب، والتكيّف مع المواقف الاجتماعية.

  4. المهارات الحركية: وتشمل القدرات الحركية الدقيقة والكبيرة، خصوصاً للأطفال الأصغر سناً.

يُجرى التقييم عادة عبر مقابلات شبه منظمة مع الوالدين أو مقدّمي الرعاية، ما يجعله مناسباً للأطفال الذين يواجهون صعوبات في التواصل اللفظي. وتُقدَّم النتائج في شكل درجات معيارية وأعمار مكافئة تقارن الطفل بأقرانه من نفس العمر.

في البيئة التعليمية , يُستخدم هذا المقياس لتحديد جوانب القصور في الأداء التكيفي ومساعدة الأطفال في الحصول على دعم مدرسي وخدمات مساندة تعزز استقلاليتهم وجودة حياتهم.

 

اختبارات الشخصية: فهم العالم العاطفي للطفل

تمثل القدرات المعرفية جانباً واحداً فقط من شخصية الطفل. أما الاختبارات الشخصية، فتهدف إلى الكشف عن الجوانب الانفعالية والاجتماعية، وخاصة لدى الأطفال الذين لم تتطور لديهم بعد مهارات التعبير اللفظي الكامل.

اختبار الإدراك للأطفال (CAT)

يُعرض على الطفل مجموعة من الصور الغامضة تحتوي على شخصيات حيوانية في مواقف مختلفة، ويُطلب منه تأليف قصص حولها. ومن خلال تحليل هذه القصص، يمكن للأخصائي النفسي استنتاج مشاعر الطفل وصراعاته الداخلية.

تتضمن الصور مواقف تتعلق بالأكل، أو النوم، أو التفاعل مع الوالدين، وتكشف عن مخاوف الطفل، وتصوراته عن الأسرة، ومشاعر التنافس أو الغضب.
قد يُنظر إلى التعبير المباشر عن المشاعر على أنه غير مقبول، يُعدّ هذا الاختبار وسيلة آمنة وغير مهددة للأطفال للتعبير عن أنفسهم.

اختبار رسم الشخص (Draw-A-Person Test)

يُطلب من الطفل رسم إنسان، وأحيانًا رسم رجل وامرأة وصورة للذات. وتُحلّل الرسومات وفقاً لمستوى التفاصيل، والتناسب، وحجم الشكل، وموقعه في الصفحة.

تُعتبر هذه المؤشرات انعكاساً لاحترام الذات أو التوتر أو مشاعر النقص. كما قد يشير الضغط في الخطوط أو ضعفها إلى حالات من القلق أو الخجل أو العدوانية.
ويمتاز هذا الاختبار بسهولته وملاءمته الثقافية، إذ لا يحتاج إلى لغة أو تجهيزات معقدة، لكن تفسير نتائجه يتطلب حساسية ثقافية عالية.

اختبار البيت-الشجرة-الشخص (HTP)

يُطلب من الطفل رسم ثلاثة عناصر: بيت وشجرة وشخص.
كل رسم يرمز إلى جانب من شخصية الطفل:

  • البيت يعكس تصورات الطفل عن الأسرة والشعور بالأمان.

  • الشجرة تمثل أعماق الشخصية والاتجاهات اللاواعية.

  • الشخص يعبر عن صورة الذات والعلاقات الاجتماعية.

بعد الرسم، يُطرح على الطفل أسئلة مفتوحة حول رسوماته، ما يساعد على فهم مشاعره تجاه محيطه الأسري والاجتماعي.

 

تقييم صعوبات التعلم: بطارية NIMHANS

تُظهر الإحصاءات أن ما بين 10 و15% من الأطفال في سن المدرسة  يعانون من صعوبات تعلم غير مشخصة. استجابة لذلك، طوّر المعهد الوطني للصحة النفسية وعلوم الأعصاب (NIMHANS) مجموعة تقييم شاملة.

تشمل هذه البطارية عدداً من الاختبارات التي تقيس:

  • الانتباه والتركيز عبر مهام الإلغاء اللوني والتسلسل الرقمي.

  • المهارات البصرية الحركية باستخدام اختبارات مثل Bender-Gestalt.

  • اللغة والاستيعاب للكشف عن الصعوبات في الوعي الصوتي والتعبير.

  • القراءة والكتابة لتحديد مشكلات الطلاقة والفهم والإملاء.

  • الرياضيات لقياس المفاهيم العددية والمنطق الحسابي.

تُنفّذ هذه الاختبارات بلغات هندية متعددة لتناسب التنوع اللغوي في البلاد، وتُستخدم نتائجها لتحديد أنواع صعوبات التعلم مثل عسر القراءة (Dyslexia)، وعسر الكتابة (Dysgraphia)، وعسر الحساب (Dyscalculia).

يُسهم هذا التقييم في وضع خطط تعليمية فردية (IEPs) للطلاب، ويتيح لهم الحصول على تسهيلات أكاديمية رسمية مثل وقت إضافي في الاختبارات أو استخدام أدوات مساعدة، حسب لوائح وزارة التعليم.

 

الاعتبارات الأخلاقية في تقييم الأطفال النفسي

يحمل تقييم الأطفال النفسي مسؤوليات أخلاقية كبيرة تتطلب التزام الأخصائيين بعدة مبادئ أساسية:

  1. الموافقة المستنيرة: يجب الحصول على موافقة الوالدين، وكذلك موافقة الطفل بحسب عمره، مع شرح أهداف وإجراءات التقييم بلغة يفهمها.

  2. السرية: رغم حق الوالدين في الاطلاع على النتائج، يجب احترام خصوصية الطفل، خصوصًا في مرحلة المراهقة.

  3. الحساسية الثقافية: ينبغي أن تراعي التقييمات الفروق اللغوية والثقافية التي قد تؤثر على الأداء أو التفسير.

  4. تجنّب الوصمه: ينبغي استخدام التشخيصات بحذر لتفادي تأثيرها السلبي على نظرة الطفل لذاته أو توقعات الآخرين منه.

  5. الملاءمة النمائية: يجب أن تتناسب الاختبارات مع مستوى نمو الطفل لضمان دقة النتائج وعدالة المقارنة.

وفي ظلّ تزايد الوعي بالصحة النفسية ، تظلّ الممارسة الأخلاقية للتقييم النفسي محورًا أساسياً يهدف إلى حماية الطفل واحترام ثقافته واحتياجاته الخاصة، مع تعزيز فهم الأسرة لنتائج التقييم ودورها في دعم النمو المتكامل للطفل.

 

المرجع :

Child Psychological Assessment: Tools and Techniques : 

https://psychology.town/mental-disorders/child-psychological-assessment-tools/#google_vignette