الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

التدخل السلوكي: المفهوم، الاستراتيجيات، والموارد

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

عندما يواجه الأطفال مواقف صعبة، قد يفقدون السيطرة على انفعالاتهم أو يُبدون نوبات غضب حادة. وفي بعض الحالات، تتطور هذه السلوكيات لتصبح مشكلات سلوكية أكثر تعقيدًا، مثل نوبات الغضب غير المنضبطة، أو السلوك العدواني الجسدي، أو الانفجارات العاطفية المتكررة، مما قد يؤثر سلبًا في قدرة الأطفال على الأداء الدراسي، ويُسبب توتّرًا في البيئة المنزلية.

تهدف خطط التدخل السلوكي الموجّهة والمصمّمة لتلبية احتياجات كل طفل بشكل فردي إلى الحد من هذه السلوكيات الصعبة وتعليم الأطفال استخدام أساليب تواصل إيجابية واستجابات بنّاءة للتحديات. ومن خلال خطط تدخل سلوكي فعّالة، يمكن تقليل السلوكيات السلبية، وتعزيز بيئة تعليمية صحية تُحسّن من فرص التعلّم، وتُساهم في تحسين التفاعل الأسري.

 

ما هي خطة التدخل السلوكي (BIP)؟

الطفل الذي يُواجه صعوبات في المدرسة قد يحتاج إلى خطة تعليم فردية (IEP)، تتضمّن أهدافًا محدّدة يضعها فريق من المعلّمين المتخصصين. ويُعدّ عنصر الدعم السلوكي جزءًا محوريًا في نجاح هذه الخطة، إذ يتضمّن خطة تدخل سلوكي (Behavior Intervention Plan) تهدف إلى تعليم وتعزيز السلوكيات الإيجابية.

وتتميّز هذه الخطط بعدة خصائص أساسية:

  • أنها فردية: تُصمّم بناءً على احتياجات الطفل وقدراته الخاصة.
  • إيجابية: تُركّز على تعزيز السلوك الصحيح بدلاً من العقاب.
  • منسّقة ومستمرة: تُنفّذ باستراتيجية واضحة ومتابعة دقيقة.

تشمل مكوّنات خطة التدخل السلوكي عادةً ما يلي:

  1. تدريب الطفل على المهارات الاجتماعية والسلوكية المناسبة.
  2. تعديل بيئة الصف أو التعلم لتقليل السلوكيات غير المرغوبة.
  3. استخدام استراتيجيات تشجّع السلوك الإيجابي وتستبدل السلوك الخاطئ.
  4. توفير الدعم المناسب الذي يحتاجه الطفل للالتزام بالسلوك المقبول.
  5. جمع بيانات منتظمة لقياس تقدّم الطفل وتحليل فعالية الخطة.

أنواع السلوكيات التي تهدف الخطة إلى الحد منها

يضع المعلّمون قواعد وتوقعات واضحة داخل الصف، ويحرصون على تطبيقها بشكل عادل ومنظم لضمان بيئة تعليمية آمنة ومحفّزة. وتتناول خطط التدخل السلوكي مجموعة من السلوكيات التي تعيق التعلم، مثل:

  • إحداث الضوضاء داخل الصف.
  • مقاطعة زملاء الدراسة.
  • التحدث دون إذن.
  • الدخول في صراع مع المعلّم أو رفض التوجيهات.
  • الجدل المستمر حول أمور بسيطة.
  • إظهار سلوكيات سلبية مثل العبوس أو الوقاحة.
  • الاعتماد المفرط على المعلّمين أو الزملاء.

استراتيجيات وقائية لتعزيز السلوك الإيجابي

بدلاً من التركيز على العقاب، تُشجّع المقاربات الحديثة في إدارة السلوك على الاحتفاء بالسلوك الصحيح ومدح النجاحات الصغيرة.
وتوصي رابطة المعلّمين في فيرمونت (Vermont-NEA) بعدد من المبادئ الفعّالة لإدارة السلوك في البيئات التعليمية:

  1. التحلّي بالهدوء دائمًا وإظهار السيطرة على الموقف.
  2. استخدام تعليمات مباشرة وبسيطة بدلاً من الصيغة الاستفهامية أو الرجاء.
  3. التأكد من أن الطلاب يعرفون متى عليهم توجيه انتباههم الكامل للمعلّم.
  4. استخدام اسم الطالب عند الثناء أو التوجيه، مع توضيح سبب التعزيز أو التصحيح. 

 

الطبيعة الفردية لخطة التدخل السلوكي

تنجح خطة التدخل عندما تُصمم بالشراكة مع الطفل، بحيث يُشارك في تحديد أهدافها. إشراك الطفل في التصميم يعزّز دافعيته و التزامه بالخطة.
ومن الطرق الفعّالة في ذلك:

  • سؤال الطفل عن أهدافه الشخصية وإدراجها مع أهداف المدرسة والأسرة.
  • توضيح السلوكيات المرغوبة بوضوح ليتمكّن من ملاحظتها وتحسينها.
  • استخدام معززات محفزة جدًا (جوائز أو أشياء يفضلها الطفل) لتشجيعه.
  • تضمين عناصر بصرية يحبّها الطفل مثل صور شخصياته المفضلة.

دور محللي السلوك التطبيقي (ABA) في تصميم الخطط الفردية

يُشير باحثون مثل “كولين شيبلي” و“جينيفر غريشام براون” إلى وجود فجوة بين البحث والممارسة في تطبيق تحليل السلوك في المدارس.
ومع ذلك، يُعدّ التعاون بين المعلمين، ومحللي السلوك، والأسرة حجر الأساس في تصميم تدخل ناجح.

ويقوم محلل السلوك بعدة مهام رئيسية:

  1. تحديد السلوكيات المستهدفة للتعليم أو التغيير.
  2. تحديد المهارات السابقة الضرورية لتعلّم السلوك المستهدف.
  3. اختيار بدائل سلوكية مناسبة اجتماعيًا بناءً على التقييم الوظيفي للسلوك (FBA).

ويؤكد الباحثون على أهمية التعاون المستمر بين أفراد الفريق من خلال تحديد الأدوار بوضوح، ومراجعة الأهداف، ووضع معايير لقياس النجاح وإعادة التقييم عند الحاجة.

 

تطبيق الاستراتيجيات في المنزل

من أهم عوامل نجاح التدخل السلوكي الاتساق. إلا أن الأزمات مثل جائحة “كوفيد-19” قد تعرقل تنفيذ الخطط السلوكية بسبب تغيّر الروتين اليومي للأطفال وزيادة القلق.

وقد وضعت هيئة التعليم في تكساس (TEA) قائمة لمساعدة الأسرة، منها:

  • تكييف خطة IEP و BIP مع بيئة التعلم في المنزل.
  • إزالة المشتتات وتنظيم المواد الدراسية وجدولة المهام.
  • تشجيع الأسرة على التفاعل بهدوء مع السلوكيات السلبية، والتركيز على تعزيز السلوك البديل باستخدام نفس المعززات المدرسية.

ما هو نظام التدخل السلوكي الإيجابي (PBIS)؟

يُعدّ نظام التدخل السلوكي الإيجابي إطارًا وقائيًا يعتمد على البيانات والدعم المنهجي لتحسين النتائج الاجتماعية والأكاديمية.
ويُقسّم هذا النظام إلى ثلاثة مستويات وفقًا لنموذج مركز المساعدة التقنية التابع لوزارة التعليم الأمريكية:

  1. المستوى الأول (وقاية شاملة): لجميع الطلاب، ويركّز على تعليم السلوكيات الاجتماعية المناسبة.
  2. المستوى الثاني (وقاية مستهدفة): لبعض الطلاب المعرّضين لمشكلات سلوكية متكررة.
  3. المستوى الثالث (وقاية مكثفة): لعدد قليل من الطلاب الذين لم تتحسن سلوكياتهم، ويشمل المشخّصين باضطرابات نمائية أو اضطراب طيف التوحد أو اضطرابات سلوكية انفعالية.

 

وتتكوّن جميع المستويات من ثلاثة عناصر مترابطة:

  • النظام: آليات تنفيذ الممارسات التعليمية الداعمة.
  • البيانات: جمع وتحليل بيانات الطلاب لتحسين النتائج.
  • الممارسات: تطبيق استراتيجيات قائمة على الأدلة البحثية.

نماذج من استراتيجيات التدخل السلوكي الإيجابي

تتضمن الاستراتيجيات المستخدمة تعزيز الروتين، استخدام الإشارات الصامتة، توزيع المهام، وتحديد التوقعات. الهدف هو فهم السلوك كوسيلة للتواصل والاستجابة له بتعاطف، لبناء علاقة ثقة بين الطفل والمعلم والأسرة.

  1. تصميم الروتين:
    يساعد في تقليل الوقت الضائع أثناء الانتقال بين الأنشطة، ويُوفّر استقرارًا للطفل، سواء في الصف أو المنزل.
  2. الإشارات الصامتة:
    تستخدم لتصحيح السلوك دون إحراج الطفل أو قطع سير الدرس، وتُعزّز الثقة بالنفس والمشاركة الإيجابية.
  3. تعديل المهام الدراسية:
    تُبسّط الدروس بما يتناسب مع مستوى الطالب، مع تقسيم المهام الكبيرة، وتطبيق التعليم بأساليب متنوعة (مرئية، سمعية، تطبيقية).
  4. تحديد التوقعات السلوكية:
    على المعلمين وضع قواعد واضحة وبالتعاون مع الطلاب، بحيث تكون مناسبة لأعمارهم ومكتوبة بشكل ظاهر، مع توضيح العواقب في حال الإخلال بها.



تحليل السلوك التطبيقي (ABA) ودوره في دعم الطلاب المشخّصين باضطراب طيف التوحد

يُستخدم تحليل السلوك التطبيقي لعلاج السلوكيات الصعبة لدى الأشخاص المشخّصين باضطراب طيف التوحد.
ويبدأ الأخصائي عادةً بـ تقييم (ABC) الذي يدرس:

  • المثير السابق (Antecedent): ما يحدث قبل السلوك.
  • السلوك (Behavior): الفعل أو الاستجابة الصادرة.
  • النتيجة (Consequence): ما يحدث بعد السلوك.

بناءً على نتائج التقييم، تُصمّم خطة تدخل تستهدف تقليل السلوكيات غير المرغوبة وتعزيز البدائل الإيجابية.
وتشمل مهارات متعددة مثل:

  • التواصل واللغة،
  • المهارات الاجتماعية،
  • العناية الذاتية،
  • المهارات الأكاديمية،
  • اللعب والحركة.

يُقسّم الأخصائي كل مهارة إلى خطوات صغيرة، ويُعلّمها تدريجيًا مع التعزيز المستمر والمتابعة الدقيقة للتقدّم.




أهمية التدخل المبكر

تؤكد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أهمية التدخل المبكر للحد من السلوكيات التخريبية لدى جميع الأطفال، بما في ذلك الأطفال المشخّصين باضطراب طيف التوحد. فالسلوكيات الصعبة غير المعالجة قد تؤدي لاحقًا إلى اضطرابات نفسية أو سلوكيات عنيفة أو انحرافات اجتماعية.

وأكثر الأساليب فعالية في علاج هذه المشكلات هي:

  • علاج سلوكي جماعي للوالدين.
  • علاج سلوكي فردي للوالدين بمشاركة الطفل.

كما يُنصح الأسرة بمساعدة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بالكلمات، وتعليمهم مهارات حل المشكلات، واستخدام عبارات شرطية مثل “إذا فعلت كذا، فستحصل على كذا” لتعزيز الصبر والتحكم الذاتي.

 

نحو سلوك إيجابي وبناء مستقبل أفضل

يساهم محللو السلوك التطبيقي في دعم المعلمين والأسر والمجتمعات لضمان حصول الأطفال على المساعدة التي يحتاجونها لتحقيق أهدافهم الأكاديمية والاجتماعية. وتُعدّ برامج الدراسات العليا مثل ماجستير تحليل السلوك التطبيقي من أهم البرامج التي تُهيّئ المختصين للعمل في هذا المجال الحيوي، وتزوّدهم بالمهارات اللازمة لتطبيق مبادئ علم السلوك من أجل إحداث تغييرات إيجابية مستدامة في حياة الأطفال وأسرهم.





المرجع :


Striving Toward Positive Behavior: 

https://online.regiscollege.edu/blog/behavior-intervention-definition-strategies