ترجمه : أ. نوره الدوسري
المقدمة
يُعد التفاؤل من السمات الشخصية الهامة التي أظهرت الدراسات مرارًا وتكرارًا ارتباطها بصحة نفسية وجسدية أفضل، كما يمكن للتفاؤل أن يتنبأ بمستوى الرفاهية العامة للفرد. وقد ركزت الدراسة الحالية على فحص ما إذا كان بالإمكان زيادة مستويات التفاؤل من خلال ممارسة تخيل “أفضل نسخة ممكنة للذات” أو ما يُعرف اختصارًا بـ BPS. وقد قورنت هذه التقنية بمجموعة ضابطة تمارس تخيّل أنشطتها اليومية (DA).
لتقليل الفروقات الفردية في محتوى التخيل، طلب من المشاركين تقسيم تصورهم للـ BPS إلى ثلاثة مجالات رئيسية: المجال الشخصي، والمجال العلاقي، والمجال المهني. وقد طُلب من جميع المشاركين ممارسة تمارين التخيل لمدة خمس دقائق يوميًا على مدى أسبوعين. وتم قياس تأثير هذه التدريبات على التفاؤل والمزاج بعد الجلسة الأولى، وبعد أسبوع، وبعد أسبوعين من الممارسة اليومية.
أظهرت النتائج أن التخيل باستخدام تقنية BPS أدى إلى زيادة ملحوظة في مستويات التفاؤل مقارنة بمجموعة تخيل الأنشطة اليومية، سواء بعد الجلسة الأولى أو على مدى أسبوعين. واستمر تأثير BPS على التفاؤل حتى بعد التحكم في تأثير التغير في المزاج الإيجابي. ومع ذلك، اعتمدت الدراسة على أدوات تقييم ذاتية فقط، ما يشكل أحد القيود على تعميم النتائج.
خلفية البحث
على مدار الثلاثين عامًا الماضية، توسع البحث في مجال التفاؤل والتشاؤم بشكل كبير، وأظهرت الدراسات المقطعية والطولية أن التفاؤل مرتبط ويتنبأ بمستوى الصحة النفسية والجسدية، سواء في وجود ضغوطات أو غيابها. كما أظهرت الدراسات أن التفاؤل يرتبط بارتفاع مستوى احترام الذات، والمزاج الإيجابي، والمرونة في مواجهة الأحداث السلبية، والسيطرة على الذات، والتكيف النشط، والوقاية من الأمراض والتعافي من الإصابات والعمليات الجراحية والأحداث الحياتية الكبرى.
وعلى الرغم من أن بعض الدراسات أظهرت نتائج أقل إيجابية، مثل انخفاض السلوكيات الوقائية للصحة، أو استمرار التوقعات الإيجابية رغم نتائج سلبية، أو انخفاض الاستجابة المناعية تحت ظروف تحدٍ عالية، إلا أن الفوائد العامة للتفاؤل تفوق تلك السلبيات المحتملة.
يُنظر إلى التفاؤل عادةً كصفة شخصية عامة، حيث يعرفه Scheier وCarver بأنه توقع إيجابي شامل نحو المستقبل، بينما يربطه Peterson وزملاؤه بأسلوب التفسير، إذ ينسب المتفائلون الأحداث السلبية لعوامل خارجية، مؤقتة وغير ثابتة، ومحلية، في حين يرى المتشائمون أن الأحداث السلبية ناتجة عن عوامل داخلية، طويلة الأمد وثابتة وشاملة. أما بالنسبة للأحداث الإيجابية، فإن النمط العكسي موجود، إذ يُعتبر التفاؤل أداة لتقليل تأثير الأحداث السلبية وتضخيم أثر الأحداث الإيجابية على التفكير والسلوك المستقبلي.
أهمية البحث التجريبي في التفاؤل
معظم الدراسات السابقة استخدمت تصميمات مقطعية أو طولية تعتمد على الارتباط، مما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كان التفاؤل سببًا للعوامل النفسية الإيجابية، أو نتيجة لها، أو يعتمد كلاهما على عامل ثالث. لذلك، فإن الدراسات التجريبية التي يتم فيها التلاعب بالتفاؤل بشكل مباشر ضرورية لفهم العلاقة السببية بين التفاؤل والنتائج الإيجابية المختلفة، وكذلك لتطوير تدخلات عملية لزيادة التفاؤل في السياق العلاجي.
التدخلات السابقة ركزت غالبًا على تغيير أسلوب تفسير الأحداث الماضية، وليس على تغيير التوقعات المستقبلية بشكل مباشر. مؤخرًا، بدأ الباحثون في تطوير أدوات تدخلية تستهدف التفكير المرتبط بالتفاؤل بشكل مباشر. ومن هذه الأدوات تقنية “أفضل نسخة ممكنة للذات” BPS، التي تعتمد على التفكير الإيجابي في المستقبل، وتصوّر الفرد في سيناريو مستقبلي مثالي تحقق فيه جميع الأهداف بطريقة مثالية.
تقنيات أفضل نسخة ممكنة للذات
أظهرت الدراسات السابقة أن الكتابة والتخيل باستخدام BPS يمكن أن يزيد المزاج الإيجابي والرفاهية العامة، بالإضافة إلى تعزيز التفاؤل فيما يتعلق بتوقع النتائج المستقبلية , وذلك بشكل مستقل عن تأثيرات المزاج الإيجابي المصاحبة للتقنية. ومع ذلك، ركزت الدراسات السابقة على التأثيرات الفورية بعد الجلسة، ولم يتم دراسة استمرار هذه النتائج على المدى الطويل أو تأثيرها على الأساليب التفسيرية والسلوكيات ذات الصلة.
لذلك، هدفت الدراسة الحالية إلى فحص فعالية ممارسة تمارين BPS اليومية على مدى أسبوعين، وقياس تأثيرها على مستويات التفاؤل، سواء من منظور توقعات المستقبل أو أسلوب التفسير، مع افتراض أن التمرين قد يمتد أثره على أسلوب التفسير المتفائل بمرور الوقت وفقًا لنموذج Fredrickson المعروف بـ “التوسيع والبناء”.
أهداف الدراسة الثانوية
هدفت الدراسة أيضًا إلى تحديد من قد يستفيد أكثر من تدخل BPS. فقد أظهرت الدراسات السابقة أن التأثير لم يتأثر بمستوى التفاؤل القائم مسبقًا، وهو أمر يبدو غير بديهي، إذ يُتوقع أن الأشخاص ذوي مستويات منخفضة من التفاؤل قد يستفيدون أكثر من هذا التدخل، نظرًا لفرصهم الأكبر في زيادة التفاؤل. كما تم فحص تأثير الدافع الشخصي على نتائج التدخل، إذ أظهرت الدراسات السابقة أن الدافع الداخلي للالتزام بممارسة التخيل اليومي مرتبط بتكرار ممارسة التمرين والأداء الذاتي للإجراء، مما يعزز تأثير التدخل.
فرضيات الدراسة
افترض الباحثون أن ممارسة تخيل BPS لن تزيد توقعات المستقبل الفورية فقط، بل ستؤدي، بعد أسبوعين من الممارسة اليومية، إلى تعزيز المعتقدات الأكثر ثباتًا مثل التوقعات العامة للمستقبل وأسلوب التفسير. كما توقعوا أن يكون تأثير BPS على التفاؤل مستقلًا عن أي تأثيرات محتملة على المزاج، وأن يكون أكثر فعالية لدى الأشخاص ذوي مستويات منخفضة من التفاؤل والدافع العالي.
منهجية الدراسة
تم استخدام تصميم مقسم ومتكرر للقياسات، حيث قُسم المشاركون إلى مجموعتين: تجريبية وضابطة. شملت الدراسة 54 مشاركًا ناطقين باللغة الهولندية، تراوحت أعمارهم بين 18 و43 عامًا، معظمهم طلاب في كليات علم النفس والطب والعلوم الصحية بجامعة ماستريخت. تم توزيع المشاركين عشوائيًا على المجموعتين: 28 مشاركًا في المجموعة التجريبية، و26 مشاركًا في المجموعة الضابطة.
أظهرت التحليلات الإحصائية لبيانات خط الأساس عدم وجود اختلافات كبيرة بين المجموعتين في أي من المقاييس، مما يشير إلى نجاح عملية العشوائية وتساوي الدافعية لأداء تمارين التخيل اليومي.
نتائج الدراسة
أظهرت النتائج أن ممارسة تخيل BPS يوميًا لمدة أسبوعين أدت إلى زيادة مستمرة في مستويات التفاؤل، مقارنة بمجموعة تخيل الأنشطة اليومية. وقد استمر تأثير التدخل حتى بعد التحكم في التغيرات في المزاج الإيجابي، مما يشير إلى أن تأثير BPS على التفاؤل مستقل عن تأثيره على المزاج.
كما تبين أن التدخل لم يتأثر بمستوى التفاؤل القائم مسبقًا أو بالدافع الشخصي، أي أن جميع المشاركين استفادوا بشكل متساوٍ تقريبًا من تقنية BPS. وأظهرت البيانات أن تقنية BPS التي تركز بشكل رئيسي على توقعات المستقبل الإيجابية يمكن أن تعمم أثرها على أسلوب التفسير، بما يعزز التفكير المتفائل بشكل عام.
المناقشة
تؤكد الدراسة الحالية فعالية تقنية BPS في زيادة مستويات التفاؤل على المدى القصير والطويل، وتدعم الدراسات السابقة التي أشارت إلى أن كتابة وتخيل أفضل نسخة ممكنة للذات يحسن التوقعات المستقبلية ويقلل من التوقعات السلبية. كما تشير النتائج إلى إمكانية تطبيق هذه التقنية كأداة عملية لتعزيز الرفاهية النفسية والتفاؤل لدى الأفراد، سواء في السياق الأكاديمي أو العلاجي أو الشخصي.
توفر هذه النتائج دعمًا لمفهوم أن التدخلات المباشرة التي تركز على التوقعات المستقبلية يمكن أن تعزز القدرات النفسية الإيجابية بشكل أكثر فعالية من التدخلات التقليدية التي تركز على تفسير الأحداث الماضية فقط. وبما أن التأثير استمر على مدى أسبوعين، يمكن اعتبار التدخل ليس مجرد تأثير لحظي، بل أداة لتعزيز التغيير المعرفي المستدام.
الخلاصة
تُظهر الدراسة أن ممارسة تخيل أفضل نسخة ممكنة للذات (BPS) بانتظام على مدى أسبوعين يمكن أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة ومستدامة في مستويات التفاؤل، مستقل عن التأثيرات المزاجية المصاحبة. وتؤكد النتائج أن تقنية BPS فعالة لجميع مستويات التفاؤل والقوة الدافعية، وأنها تعزز توقعات المستقبل الإيجابية وأساليب التفسير المتفائل.
يمكن استخدام هذه النتائج لتطوير تدخلات نفسية عملية تهدف إلى تحسين رفاهية الأفراد، وتعزيز التفكير المتفائل، وهو ما قد يكون له تطبيقات واسعة في التعليم، والصحة النفسية، والتطوير الشخصي، ودعم الأفراد في مواجهة التحديات اليومية والتخطيط لمستقبل أفضل.
المرجع
Become more optimistic by imagining a best possible self: Effects of a two week intervention
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0005791611000358?via%3Dihub





