ترجمة: أ. نوره الدوسري
مقدمة
صعوبات التعلم المحددة (SLD) هي اضطرابات نمو عصبي تظهر عادة في مرحلة الطفولة المبكرة وتؤثر على الأداء الأكاديمي، خاصة في القراءة والكتابة وحل المسائل الرياضية. من أبرز هذه الصعوبات هو عسر القراءة (ديسلكسيا)، الذي يتمثل في صعوبة التعرف على الكلمات وفهم الأصوات اللغوية اللازمة للقراءة. هناك أيضًا صعوبات الكتابة (ديسغرافيا) وصعوبات الحساب (ديسكلكوليا).
تشير التقديرات إلى أن حوالي 10% من الأطفال حول العالم يعانون من صعوبات تعلم، مما يعرضهم لمخاطر الإقصاء الاجتماعي والدراسة مدى الحياة. معظم المشخّصين بديسلكسيا لديهم ذكاء متوسط إلى فوق المتوسط، ومع ذلك يواجهون تحديات أكاديمية ونفسية مهمة، بما في ذلك القلق، الاكتئاب، والتصرفات السلبية أو العدوانية.
بالرغم من زيادة الوعي المجتمعي بالديسلكسيا، إلا أن الوصمة الاجتماعية لا تزال موجودة، حيث يرى البعض أن التشخيص مجرد تسمية لتبرير صعوبات الأطفال الأكاديمية، رغم أن الدليل العلمي يؤكد أن الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا غالبًا لديهم ذكاء طبيعي أو مرتفع.
أهمية الدراسة
معظم التدخلات الحالية تركز على الجانب الأكاديمي مثل تعليم الأصوات والحروف والربط بينها، مع إهمال تطوير الجوانب النفسية والاجتماعية والعاطفية للأطفال. هذه الدراسة تهدف إلى تقييم الأداء النفسي للأطفال المشخّصين بالديسلكسيا، مقارنة بأقرانهم من الأطفال العاديين، مع التركيز على المشاكل السلوكية والعاطفية والقلق.
المنهجية
أجريت الدراسة في ماليزيا بين يناير 2020 وفبراير 2021 على 90 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عامًا، منهم 40 طفلًا مصابًا بالديسلكسيا و50 طفلًا عاديًا. تم اختيار الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا وفقًا لتشخيص طبي مسبق، واستبعاد من لديهم اضطرابات أخرى مثل ADHD أو التوحد.
استُخدم استبيان سلوك الطفل (CBCL) لتقييم المشكلات السلوكية، ومقياس القلق STAI-C لقياس مستوى القلق. قام المعلمون الذين يعرفون الأطفال منذ سنة على الأقل بتعبئة الاستبيانات، واعتمدت الدراسة على تحليل الفروقات باستخدام اختبار t المستقل.
النتائج
أظهرت النتائج فروقًا واضحة بين الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا والأطفال العاديين:
- المشكلات النفسية العامة:
الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا سجلوا درجات أعلى بشكل ملحوظ في المشكلات النفسية مقارنة بالأطفال العاديين، مما يدل على أنهم أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والسلوكيات المزعجة. - المشكلات الداخلية (Internalizing problems):
مثل القلق والاكتئاب والسلوك الانسحابي، كانت أعلى لدى الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا، مما يعني أنهم يميلون إلى الانعزال والتوتر والشعور بالإحباط أكثر من أقرانهم. - المشكلات الخارجية (Externalizing problems):
مثل السلوك العدواني، خرق القوانين المدرسية، والعناد، كانت أيضًا أعلى لدى الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا. يعكس هذا صعوبة الأطفال في التحكم بسلوكهم نتيجة الإحباط الأكاديمي. - مستوى القلق:
الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا أظهروا مستويات قلق أعلى مقارنة بالأطفال العاديين، ما يجعلهم أكثر توترًا وخوفًا من التحديات الأكاديمية، وقد يرفضون المشاركة في الأنشطة المدرسية خوفًا من الفشل. - مشكلات الانتباه:
أظهرت الدراسة أن الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا يواجهون صعوبات في التركيز والانتباه، خصوصًا أثناء القراءة والأنشطة التي تتطلب معالجة لغوية ومهارات ذهنية متقدمة. - الاختلافات بين الجنسين:
لاحظت الدراسة أن الأولاد المشخّصين بالديسلكسيا أظهروا درجات أعلى قليلاً في المشكلات النفسية والسلوكية مقارنة بالبنات.
المناقشة
تشير النتائج إلى أن الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا يعانون من مشكلات عاطفية وسلوكية أكثر وضوحًا من أقرانهم العاديين، بما في ذلك القلق، الانسحاب الاجتماعي، الاكتئاب، والعدوانية.
- القلق قد يكون مرتبطًا بالمخاوف من الفشل الأكاديمي وصعوبة تلبية توقعات المدرسة، كما يتفاقم القلق عندما تكون الدروس غير متناسبة مع قدراتهم.
- الاكتئاب والانطواء يظهر عندما يشعر الأطفال بأن مستوى أدائهم أقل من قدراتهم الذهنية الحقيقية.
- السلوكيات الخارجية مثل العناد والعدوانية غالبًا تكون نتيجة الإحباط الأكاديمي والملاحظات السلبية من المعلمين أو الزملاء.
- صعوبات الانتباه ترتبط بالمجهود الذهني الكبير المطلوب لفهم النصوص والمعلومات، وهو ما يجعل الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا أكثر عرضة للإرهاق العقلي والتشتت.
كما أن تجربة التعلم عن بعد خلال جائحة كوفيد-19 زادت من الضغط النفسي على الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا، لأن المواد التعليمية غالبًا ما تكون مصممة للأطفال العاديين، دون مراعاة الصعوبات الإضافية.
التوصيات العملية للأسر والمعلمين
- التدخل متعدد التخصصات:
دمج الدعم النفسي والاجتماعي مع التدريس الأكاديمي، مع التركيز على تقييم الاحتياجات العاطفية وإدارتها. - التعليم الداعم:
توفير بيئة مدرسية داعمة، وتشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، وتقليل الضغوط الأكاديمية، وإعطاء وقت إضافي للمهام الدراسية. - التدخل النفسي:
يمكن استخدام برامج مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) والتثقيف النفسي لتعزيز الصحة النفسية للأطفال. - دور المعلم:
المعلمون يجب أن يكونوا قادرين على تمييز مشكلات الأطفال النفسية والسلوكية، وتقديم الدعم المناسب، و التعاون مع الأخصائيين النفسيين عند الحاجة. - دور الأسرة:
دعم الطفل في المنزل من خلال تشجيعه، تفهم صعوباته، والمشاركة في أنشطة تعليمية تتناسب مع قدراته، لتقليل الشعور بالإحباط والقلق.
الاستنتاج
الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا ليسوا مجرد ضعفاء أكاديميًا، بل يواجهون تحديات نفسية وسلوكية ملموسة. لذلك، يجب أن تتبنى المدارس والأسر نهجًا شاملاً يجمع بين التدخل الأكاديمي والدعم النفسي، لضمان تنمية مهاراتهم التعليمية والاجتماعية بشكل متوازن، وتحسين جودة حياتهم التعليمية والنفسية.
القيود المستقبلية
- حجم العينة كان محدودًا، مما يقلل من إمكانية تعميم النتائج على جميع الأطفال المشخّصين بالديسلكسيا.
- الدراسة أجريت خلال جائحة كوفيد-19، مما قد يزيد من مستوى القلق بشكل مؤقت.
- التفاعلات بين المعلم والأطفال قد تؤثر على التقييم، لذلك يُنصح بدراسات مستقبلية لتقييم العلاقة بين جودة التفاعل وتأثيرها على الأداء النفسي.
البحث المستقبلي
- دراسة العلاقة بين المشكلات النفسية والأداء الأكاديمي لتحديد عوامل الخطر والحماية.
- تطوير برامج متكاملة تجمع بين التعليم الأكاديمي والدعم النفسي والاجتماعي.
- التعاون بين المعلمين، الأسر، والمتخصصين النفسيين لضمان متابعة شاملة للطفل.
المرجع :
A study on the psychological functioning of children with specific learning difficulties and typically developing children:
https://bmcpsychology.biomedcentral.com/articles/10.1186/s40359-024-02151-4





