الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

العلاج بالقبول والالتزام لاضطرابات القلق لدى المراهقين

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

مقدمة

يُعد القلق في مرحلة المراهقة من أكثر التحديات النفسية شيوعًا وإرباكًا، حيث تشير الدراسات إلى أن ما يقارب واحدًا من كل ستة مراهقين يواجهون اضطرابات القلق بدرجات متفاوتة. القلق في هذه المرحلة ليس مجرد شعور عابر بالخوف أو التوتر، بل قد يؤثر على الدراسة، والعلاقات الاجتماعية، وصورة المراهق عن نفسه، وقد يقود في بعض الحالات إلى مشكلات مستقبلية مثل الاكتئاب أو صعوبات في العمل.

ورغم أن العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لا يزال المعيار الذهبي لعلاج القلق عند اليافعين، إلا أنه لا يحقق الفائدة المرجوة لجميع الحالات. وهنا برز اهتمام متزايد بشكل من أشكال العلاج السلوكي الحديث يُسمى العلاج بالقبول والالتزام (ACT)، وهو نهج يركز على تعزيز مرونة التفكير والسلوك بدلاً من محاربة الأعراض بشكل مباشر.

في هذا المقال، سنستعرض مفهوم هذا العلاج، أهميته للمراهقين، الأدلة العلمية التي تدعمه، وأخيرًا كيفية تطبيقه بأسلوب عملي يمكن أن يفهمه الأهل والمختصون وحتى المراهقون أنفسهم.

 

ما هو العلاج بالقبول والالتزام (ACT)؟

العلاج بالقبول والالتزام هو نوع من العلاجات السلوكية الحديثة، يقوم على مساعدة الشخص في تقبّل الأفكار والمشاعر الصعبة بدلاً من مقاومتها أو محاولة التخلص منها. يقوم ACT على فكرة أن معاناة الإنسان لا تأتي من وجود الأفكار أو المشاعر السلبية نفسها، بل من طريقة التعامل معها.

فبدلاً من أن يظل المراهق أسيرًا لفكرة مثل: “سأفشل أمام الآخرين” أو “لن أستطيع السيطرة على خوفي”, يتعلم أن يتعامل مع هذه الأفكار كأنها مجرّد أحداث ذهنية عابرة لا تحدد قيمته ولا تتحكم في سلوكه.

يهدف ACT إلى تعزيز ما يسمى المرونة النفسية (Psychological Flexibility)، أي القدرة على التصرّف بما يتوافق مع القيم والأهداف المهمة للشخص، حتى في وجود قلق أو مشاعر مزعجة.

 

لماذا هو مهم للمراهقين؟

فترة المراهقة هي مرحلة تتسم بالتقلبات العاطفية والبحث عن الهوية. وغالبًا ما يواجه المراهقون ضغوطًا كبيرة سواء من الدراسة، أو العلاقات الاجتماعية، أو توقعات الأسرة.

عندما يصاب المراهق بالقلق، قد يلجأ إلى تجنب المواقف المخيفة (مثل رفض التحدث أمام الصف، أو الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية). هذا التجنّب قد يقلل القلق مؤقتًا، لكنه على المدى البعيد يعزز المخاوف ويؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس.

ACT يساعد المراهقين على:

  1. تقبّل القلق كجزء طبيعي من التجربة الإنسانية.

  2. فصل أنفسهم عن الأفكار المخيفة بدل الاندماج معها.

  3. التركيز على القيم المهمة مثل الشجاعة، الصداقة، أو التعلّم.

  4. اتخاذ خطوات عملية نحو حياة أكثر ثراءً، حتى مع وجود مشاعر صعبة.

المكونات الأساسية لـ ACT

يرتكز العلاج بالقبول والالتزام على ست عمليات علاجية رئيسية، يمكن تبسيطها للمراهقين كالآتي:

  1. القبول (Acceptance): الانفتاح على المشاعر والأفكار المزعجة بدلاً من إنكارها أو مقاومتها.
    مثال: أن يتعلم المراهق أن يقول “أشعر بالتوتر” دون محاولة إخفائه أو كره نفسه بسببه.

  2. التحرر المعرفي (Cognitive Defusion): النظر إلى الأفكار على أنها مجرد كلمات أو صور ذهنية وليست حقائق مطلقة.
    مثال: تعليم المراهق أن يقول: “لدي فكرة أنني سأفشل”، بدلاً من “أنا سأفشل”.

  3. الوعي باللحظة الحاضرة (Present Moment Awareness): التركيز على الآن وهنا من خلال تمارين اليقظة الذهنية.
    مثال: تدريب المراهق على ملاحظة تنفّسه أو الأصوات من حوله عندما يزداد قلقه.

  4. الذات كمنظور (Self-as-Context): إدراك أن الشخص أكبر من مجرد أفكاره أو مشاعره.
    مثال: “أنا لست قلقي، أنا أراه فقط وأستطيع أن أختار كيف أتصرف”.

  5. القيم (Values): تحديد ما هو مهم حقًا في حياة المراهق.
    مثال: قيمة “الشجاعة” قد تدفع المراهق إلى المشاركة في الصف رغم الخوف.

  6. الالتزام بالفعل (Committed Action): اتخاذ خطوات عملية نحو القيم.
    مثال: أن يقرر المراهق التدرّب على إلقاء كلمة قصيرة أمام أصدقائه، خطوة بخطوة.

 

نموذج DNAV: نسخة خاصة بالمراهقين

لأن ACT في الأصل طُوّر للبالغين، قام الباحثون بتطوير نسخة تناسب اليافعين تُسمى DNAV، وهو اختصار لأربع شخصيات رمزية:

  • Discoverer (المستكشف): يمثل الفضول والتجربة والتعلم من المحاولات.

  • Noticer (الملاحظ): يمثل الانتباه للحظة الراهنة وللجسد والمشاعر.

  • Advisor (المستشار): يمثل الصوت الداخلي أو الأفكار، ويتعلم المراهق ألا يطيعها بشكل أعمى.

  • Values (القيم): هي ما يحدد الاتجاه والمعنى في الحياة.

باستخدام هذه الرموز، يصبح من السهل على المراهق أن يفهم العملية العلاجية ويتفاعل معها بطريقة ممتعة وقريبة لعالمه.

 

ماذا تقول الأبحاث؟

رغم أن الأدلة على ACT للمراهقين ما زالت في مراحلها الأولى مقارنةً بـ CBT، إلا أن النتائج مشجعة.

  • أظهرت دراسات حالة أن المراهقين الذين تلقوا ACT تحسّنت لديهم القدرة على التكيف وقلّت أعراض القلق.
  • في تجارب معشاة مضبوطة، تبين أن ACT فعّال بقدر فعالية CBT تقريبًا، حيث انخفضت أعراض القلق لدى ثلث المراهقين إلى درجة لم يعودوا يستوفون معايير التشخيص.
  • دراسات أخرى أظهرت تحسنًا في جودة الحياة، والمشاركة الاجتماعية، وحتى في المرونة النفسية، وهي الهدف الأساسي لـ ACT.

 

كيف يُستخدم ACT مع المراهقين؟

إليكم خطوات عملية مبسطة يمكن أن يطبقها الأخصائيون، ويمكن للأهالي الاستفادة من فهمها:

  1. بناء علاقة داعمة: يبدأ العلاج بتوفير بيئة آمنة يشعر فيها المراهق أنه مفهوم وغير محكوم عليه.
  2. توضيح مفهوم القلق: يشرح الأخصائي للمراهق أن القلق شعور طبيعي، لكنه يصبح مشكلة عندما يمنعه من فعل ما يهمه.
  3. استخدام الاستعارات والقصص: مثل تشبيه الأفكار بالغيوم التي تمر في السماء، أو المشاعر بالأمواج التي يمكن ركوبها بدلاً من مقاومتها.
  4. تدريب على تمارين اليقظة: مثل تمارين التنفس العميق، أو “التركيز على خمس حواس” لمساعدة المراهق على العودة للحاضر.
  5. تحديد القيم الشخصية: من خلال أسئلة مثل: “ما الذي يجعلك فخورًا بنفسك؟” أو “ما نوع الصديق الذي تحب أن تكونه؟”.
  6. خطوات صغيرة نحو القيم: وضع أهداف تدريجية مرتبطة بالقيم، مثل إلقاء كلمة قصيرة أمام شخص واحد، ثم أمام مجموعة صغيرة، وهكذا.
  7. تعزيز الالتزام: متابعة التقدّم والاحتفال بالإنجازات، حتى وإن كانت بسيطة.

 

مميزات ACT مقارنة بـ CBT

  • يركز ACT على المرونة النفسية وليس فقط على تغيير الأفكار السلبية.
  • يستخدم لغة رمزية وقصصًا تجعل العلاج أكثر قربًا من عالم المراهقين.
  • يساعد على بناء علاقة إيجابية مع المشاعر بدلاً من محاولة التخلص منها بأي ثمن.
  • يمكن دمجه بسهولة في المدارس أو عبر جلسات العلاج عن بُعد .

 

تحديات وحدود

رغم هذه المميزات، لا تزال هناك تحديات:

  • معظم الدراسات صغيرة الحجم وتحتاج إلى تكرار أكبر.
  • ليس واضحًا بعد أي المكونات من ACT أكثر فائدة لكل نوع من القلق.
  • هناك حاجة لمزيد من التنوع الثقافي في العينات، لأن معظم الأبحاث أُجريت في بيئات محددة.



خاتمة

العلاج بالقبول والالتزام (ACT) يمثل أداة علاجية واعدة لمساعدة المراهقين على التعامل مع القلق بطريقة مختلفة: ليس عبر القضاء على الخوف، بل عبر المضي قدمًا رغم وجوده. من خلال تعزيز القبول، اليقظة الذهنية، والانطلاق من القيم الشخصية، يساعد ACT المراهقين على بناء حياة أكثر معنى وثراءً.

ورغم أن الأبحاث ما زالت في بدايتها، إلا أن النتائج المبكرة مشجعة، خاصة عند استخدام النموذج التطويري DNAV. لذا، من المفيد أن يطلع الأخصائيون والأهالي على هذا النهج كخيار إضافي إلى جانب العلاجات التقليدية، بما يمنح المراهقين فرصة أكبر لتجاوز القلق والانطلاق نحو مستقبل أفضل.



المرجع : 

 

Acceptance and Commitment Therapy for Adolescent Anxiety:

https://link.springer.com/article/10.1007/s40501-024-00335-8