ترجمة : أ. نوره الدوسري
تعليم الأطفال كيفية مواجهة “المتنمر في دماغهم”
بينما يمكن أن تساعد الأدوية الأطفال الذين يعانون من القلق، إلا أنها ليست الخيار الأول الذي يوصي به الخبراء للأطفال الذين يعانون من قلق خفيف إلى متوسط. النوع الأول من العلاج الموصى به هو العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، أما بالنسبة للأطفال الذين يعانون من قلق شديد، يُوصى بمزيج من العلاج السلوكي المعرفي والأدوية.
أساسيات العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يعتمد العلاج السلوكي المعرفي على فكرة أن أفكارنا وتصرفاتنا تؤثر على مشاعرنا. وبذلك، من خلال تعديل طريقة التفكير أو السلوكيات، يمكننا تغيير مشاعرنا.
لفهم كيفية عمل CBT، من المهم أولًا فهم كيفية عمل القلق. عندما يشعر الأطفال بالقلق، غالبًا ما يتعلمون تجنب المواقف أو الأشياء التي تثير قلقهم. في البداية، قد يشعر الطفل بالارتياح مؤقتًا عند التجنب، لكن مع مرور الوقت تصبح المخاوف أكثر قوة. يهدف CBT إلى مساعدة الأطفال على مواجهة مخاوفهم بدلًا من تجنبها، وهو ما يُعرف بـ العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة.
العلاج بالتعرض (Exposure Therapy)
الفكرة الأساسية في العلاج بالتعرض هي تعريض الطفل للمواقف التي تثير القلق بشكل تدريجي ومنظم، وفي بيئة آمنة. يبدأ الطفل بالمواجهة بأخف شكل ممكن من المثير للقلق، ويقدم الأخصائي الدعم حتى يقل مستوى القلق. تدريجيًا، يتعود الطفل على المثيرات ويصبح أكثر قدرة على مواجهتها.
يعمل الأخصائي مع الطفل لإنشاء قائمة بالمواقف أو الأشياء التي تثير القلق، ثم يتم تصنيف هذه المخاوف على مقياس من 1 إلى 10. بعد ذلك، يبدأ الطفل بالتعرض للمثيرات الأقل صعوبة، ويستمر الأخصائي في تقديم الدعم حتى يخف القلق، مما يمنح الطفل شعورًا بالسيطرة على مخاوفه.
مدة العلاج
عادةً ما يستمر العلاج للأطفال ذوي القلق المتوسط من 8 إلى 12 جلسة. بعض الأطفال يحققون تقدمًا أكبر إذا تم الجمع بين العلاج السلوكي المعرفي والأدوية لتقليل القلق في نفس الوقت، مما يعزز قدرة الطفل على المشاركة الفعالة في العلاج.
دور الأدوية
غالبًا ما يتم وصف الأدوية للأطفال المشخّصين بالقلق، كما هو الحال مع البالغين. الأدوية، عادة مضادات الاكتئاب، تساعد في تقليل مستوى القلق. لكن، العلاج السلوكي المعرفي يمنح الطفل أدوات عملية لإدارة القلق بنفسه، وهو ما لا توفره الأدوية وحدها. بهذا، يستطيع الطفل التعامل مع القلق في الحاضر والمستقبل بشكل أفضل.
كيف يعمل CBT؟
العلاج السلوكي المعرفي يقوم على تعديل التفكير المشوه والسلوكيات غير الوظيفية لتغيير المشاعر. بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا، يُركز الأخصائيون غالبًا أولًا على الجانب السلوكي من CBT، لأنه الأكثر فعالية مع هذه الفئة العمرية.
تجنب سلوكيات الهروب
القلق غير المعالج يميل إلى التفاقم مع الوقت، لأن الطفل يتعلم أن التجنب يقلل من القلق مؤقتًا، ما يجعل المخاوف أقوى على المدى الطويل. الهدف من CBT هو إلغاء سلوكيات التجنب، ومساعدة الطفل على مواجهة مخاوفه تدريجيًا.
التعرض ومنع الاستجابة
واحدة من أهم الاستراتيجيات في CBT للأطفال هي التعرض ومنع الاستجابة. يتم تعريض الطفل لمثيرات القلق بشكل تدريجي ومنظم، مع وجود بيئة آمنة ودعم مستمر من الأخصائي. مع التعود على كل مهيج، يخف القلق تدريجيًا، ويصبح الطفل قادرًا على مواجهة مثيرات أقوى لاحقًا.
التمييز عن العلاج بالكلام التقليدي
العلاج بالتعرض يختلف عن العلاج بالكلام التقليدي، حيث يحاول الأخصائي اكتشاف جذور القلق وتغيير السلوك من خلال النقاش. في العلاج بالتعرض، الهدف الأساسي هو تغيير السلوك مباشرة لإزالة الخوف.
تطبيق العلاج في أنواع مختلفة من القلق
العلاج بالتعرض فعال لمجموعة متنوعة من اضطرابات القلق، بما في ذلك:
- القلق الانفصالي
- الفوبيا
- الوسواس القهري (OCD)
- القلق الاجتماعي
“المتنمر في الدماغ”
لتسهيل فهم القلق لدى الأطفال، يتم تعليمهم اعتبار القلق شيئًا منفصلًا عن شخصيتهم. إحدى الطرق هي تجسيده على شكل “متنمر في الدماغ” وتشجيع الأطفال على إعطاء المتنمر اسمًا والتحدث معه. بعض الأسماء التي استخدمها الأطفال هي: الساحرة، السيد المتسلط، تشاكي، الجوكر، وغيرها. الهدف هو تعليم الطفل كيفية التحكم في القلق بدلاً من السماح له بالتحكم في حياته.
فهم تأثير القلق
من المهم أن يفهم الطفل كيف يؤثر القلق على حياته اليومية، مثل صعوبة النوم في سريره، أو زيارة الأصدقاء، أو تناول الطعام مع العائلة، وكيف يشعر نتيجة لذلك. هذا الفهم يخلق ثقة بين الطفل والأخصائي، وهو أمر ضروري قبل مواجهة المخاوف.
خطوات العلاج بالتعرض
- تحديد المثيرات: إنشاء قائمة بالمواقف التي تثير القلق وترتيبها حسب صعوبة التعامل معها (مقياس من 1 إلى 10).
- التعرض التدريجي: البدء بالمواقف الأقل صعوبة، مع تقديم الدعم حتى يخف القلق.
- زيادة التحدي تدريجيًا: الانتقال إلى مواقف أكثر صعوبة بعد اكتساب الطفل القدرة على التحكم بمستوى قلقه.
مثال: طفل يخاف من التلوث قد يُطلب منه لمس مقبض الباب بإصبعه، ثم فتح الباب، ثم القيام بأنشطة تدريجية أكثر تحديًا.
العلاج المكثف للأطفال ذوي القلق الشديد
بالنسبة للأطفال الذين يعانون من قلق شديد، مثل عدم القدرة على مغادرة الغرفة أو الحاجة لغسل اليدين بشكل متكرر، قد تتطلب الجلسات عدة مرات أسبوعيًا ولساعات طويلة. تشمل التعرضات القيام بأنشطة واقعية خارج المكتب، مثل ركوب الحافلة، مصافحة الغرباء، أو أكل الطعام دون غسل اليدين.
الواجب المنزلي ومشاركة الوالدين
بعد جلسات التعرض، يُكلف الأطفال بممارسة ما تعلموه في المنزل، مع دعم الوالدين لتشجيع الطفل على مواجهة القلق وعدم الحماية الزائدة، مما يعزز مهارات التكيف والتحكم الذاتي.
نتائج العلاج
يعد العلاج بالتعرض مجهدًا لكل من الطفل والوالدين، لكن مع انخفاض الخوف، يعود الطفل لممارسة الأنشطة التي يحبها، وتستعيد الأسرة طفلها بثقة، وهو شعور مجزي للغاية.
مدة العلاج
عادةً ما يستمر العلاج للأطفال ذوي القلق من الخفيف إلى المتوسط من 8 إلى 12 جلسة. الأطفال الذين يتلقون الأدوية لتقليل القلق غالبًا ما يحرزون تقدمًا أسرع.
الخلاصة
العلاج السلوكي المعرفي، وبشكل خاص العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة، هو الوسيلة الأكثر فعالية للأطفال الذين يعانون من اضطرابات القلق. يهدف العلاج إلى تعليم الأطفال مواجهة مخاوفهم تدريجيًا، تعزيز الشعور بالتحكم الذاتي، وتقليل الاعتماد على التجنب أو السلوكيات الطقسية. مشاركة الوالدين والدعم الأسري المستمر هما عنصران أساسيان لنجاح العلاج.
المرجع :
Behavioral Treatment for Kids With Anxiety :
https://childmind.org/article/behavioral-treatment-kids-anxiety/





