الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

العلاج بالقبول والالتزام (ACT)

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري

 

يُعد العلاج بالقبول والالتزام (ACT) نهجًا عمليًا وفعّالًا في العلاج النفسي، وينبع من أسس العلاج السلوكي التقليدي والعلاج السلوكي المعرفي. يهدف هذا النوع من العلاج إلى مساعدة العملاء على التوقف عن تجنب، أو إنكار الصراع مع مشاعرهم الداخلية، وبدلاً من ذلك، تقبل هذه المشاعر العميقة باعتبارها استجابات طبيعية لمواقف معينة، ولا ينبغي أن تمنعهم من المضي قدمًا في حياتهم. ومن خلال هذا الفهم، يبدأ العملاء في قبول صعوباتهم والالتزام بإجراء التغييرات اللازمة في سلوكهم، بغض النظر عن الظروف التي يمرون بها أو المشاعر التي يشعرون بها تجاه تلك الظروف.

تطور ACT في ثمانينيات القرن العشرين على يد عالم النفس ستيفن سي. هايز، أستاذ علم النفس في جامعة نيفادا. وقد نشأت الأفكار التي شكلت الأساس لهذا العلاج من تجربة هايز الشخصية، لا سيما تاريخه مع نوبات الهلع. وفي النهاية، قرر هايز أن يتوقف عن الهروب من نفسه وتجربته، وأن يقبل نفسه وتجارب حياته كما هي.

وكتب هايز في أحد مقالاته في مجلة Psychology Today:
“نحن كمجتمع يبدو أننا مكرسون لفكرة أن المشاعر الإنسانية ‘السلبية’ يجب إصلاحها أو إدارتها أو تغييرها، وليس اختبارها كجزء من حياة متكاملة. نحن نتعامل مع حياتنا الخاصة كأنها مشكلة يجب حلها، وكأننا قادرون على فرز تجاربنا لاختيار ما نحب ورمي البقية بعيدًا. القبول، والانتباه الذهني، والقيم هي أدوات نفسية أساسية مطلوبة لإحداث هذا التحول.”




متى يُستخدم العلاج بالقبول والالتزام؟

يمكن أن يساعد ACT في علاج مجموعة واسعة من الحالات النفسية والجسدية، وتشمل هذه:

  • اضطرابات القلق
  • الاكتئاب
  • اضطراب الوسواس القهري
  • الذهان
  • اضطرابات الأكل
  • اضطرابات تعاطي المواد
  • التوتر المرتبط بالعمل
  • الألم المزمن

 

ما الذي يمكن توقعه عند استخدام ACT؟

عند العمل مع الأخصائي النفسي، سيتعلم العميل الاستماع إلى حديث النفس الداخلي، أي الطريقة التي يتحدث بها مع نفسه حول الأحداث الصادمة أو العلاقات الإشكالية أو القيود الجسدية أو التحديات الأخرى. بعد ذلك، يمكن للعميل تحديد ما إذا كانت المشكلة تتطلب اتخاذ إجراء فوري وتغيير، أو ما إذا كان ينبغي قبولها كما هي أثناء تعلمه كيفية إجراء تغييرات سلوكية يمكن أن تحسن الوضع.

قد ينظر العميل مع الأخصائي إلى الأمور التي لم تنجح معه في الماضي، ويساعده الأخصائي على التوقف عن تكرار الأنماط الفكرية والسلوكية التي قد تسبب له مشاكل على المدى الطويل. وبمجرد مواجهة التحديات الحالية وقبولها، يلتزم العميل بالتوقف عن مقاومة الماضي ومشاعره، وبدلاً من ذلك، يبدأ بممارسة سلوكيات أكثر ثقة وتفاؤلًا، استنادًا إلى القيم والأهداف الشخصية.

الهدف الأساسي من ACT هو تطوير المرونة النفسية، والتي تشمل الانفتاح العاطفي والقدرة على تعديل الأفكار والسلوكيات لتتماشى مع القيم والأهداف الشخصية.

 

العمليات الأساسية الستة التي تعزز المرونة النفسية في ACT

  1. القبول (Acceptance):
    يتضمن القبول الاعتراف بالمدى الكامل للأفكار والمشاعر واحتضانها، بدلاً من محاولة تجنبها أو إنكارها أو تغييرها.

  2. التباعد المعرفي (Cognitive Defusion):
    يهدف هذا الجانب إلى خلق مسافة بين الفرد وأفكاره ومشاعره المؤلمة، وتغيير طريقة التفاعل معها، مما يقلل من تأثيرها الضار. تشمل تقنيات التباعد المعرفي ملاحظة الفكر بدون حكم، ووضع علامة على الاستجابة التلقائية التي تظهر.

  3. الوجود في الحاضر (Being Present):
    يتضمن هذا الجانب الانتباه الكامل للحظة الحالية، وملاحظة الأفكار والمشاعر بدون إصدار أحكام أو محاولة تغييرها. تجربة الأحداث بوضوح ومباشرة تساعد في تعزيز التغيير السلوكي.

  4. الذات كسياق (Self as Context):
    يشير هذا المفهوم إلى أن الشخص أكبر من أفكاره ومشاعره وتجارب حياته، وهو يساعد على توسيع مفهوم الهوية والنظر إلى الذات من منظور أوسع.

  5. القيم (Values):
    تتمثل القيم في اختيار المبادئ الشخصية في مجالات مختلفة والسعي للعيش وفقًا لهذه المبادئ. يركز هذا الجانب على اتخاذ قرارات مستندة إلى القيم، بدلاً من التصرف بدافع تجنب المعاناة أو تلبية توقعات الآخرين فقط.

  6. العمل الملتزم (Committed Action):
    يتضمن اتخاذ خطوات عملية لإحداث تغييرات تتماشى مع القيم الشخصية وتؤدي إلى تحسين الحياة. وقد يشمل ذلك تحديد الأهداف، والتعرض للمواقف أو الأفكار الصعبة، وتطوير المهارات اللازمة لتحقيق التغيير الإيجابي.

كيف يعمل العلاج بالقبول والالتزام؟

تقوم النظرية الأساسية وراء ACT على أن محاولة التحكم في المشاعر المؤلمة أو التجارب النفسية غالبًا ما تكون غير مجدية، وأن كبت هذه المشاعر يؤدي في النهاية إلى مزيد من الضيق النفسي. يتبنى العلاج فكرة وجود بدائل فعالة لمحاولة تغيير طريقة التفكير، مثل ممارسة السلوك الواعي، والانتباه إلى القيم الشخصية، والالتزام بالعمل وفق هذه القيم.

عند اتخاذ خطوات لتغيير السلوك مع قبول التجارب النفسية في الوقت نفسه، يمكن للعميل تعديل مواقفه وحالاته العاطفية تدريجيًا. هذا التوازن بين القبول والعمل يعزز قدرة الشخص على مواجهة التحديات بفعالية أكبر.

 

ما الذي يجب البحث عنه في أخصائي ACT؟

ينبغي البحث عن أخصائي نفسي، أو أخصائي اجتماعي، أو مستشار مهني، أو أي مختص بالصحة النفسية يحمل ترخيصًا وخبرة في مجال العلاج بالقبول والالتزام. لا يوجد شهادة رسمية محددة لممارسي ACT، ولكن المهارات تُكتسب من خلال الإشراف المهني، وورش العمل، وبرامج التدريب المختلفة. إلى جانب المؤهلات، من المهم إيجاد أخصائي يشعر العميل بالراحة في التعامل معه، لأنه سيعمل معه على مواجهة مشاعره والتزاماته الشخصية.

 

الخلاصة

العلاج بالقبول والالتزام (ACT) يُعد أسلوبًا مبتكرًا وفعّالًا في العلاج النفسي، ويعتمد على قبول التجارب النفسية وتعلم التعامل مع المشاعر والأفكار المؤلمة بطريقة بنّاءة، مع الالتزام بالسلوكيات المستندة إلى القيم والأهداف الشخصية. من خلال تطوير المرونة النفسية، يمكن للعملاء التعامل مع القلق والاكتئاب والاضطرابات الأخرى بشكل أفضل، وتحقيق تحسينات ملحوظة في حياتهم اليومية. إن ACT لا يركز على التخلص من المشاعر السلبية، بل على تقبلها والعمل على التغيير الإيجابي في السلوك، مما يجعله أحد أكثر الأساليب فعالية وديمومة في علم النفس الحديث.

 

المرجع : 

Acceptance and Commitment Therapy : 

https://www.psychologytoday.com/us/therapy-types/acceptance-and-commitment-therapy