الأبعاد السبعة لخدمات تحليل السلوك التطبيقي

كيف يؤدي القلق إلى مشكلات سلوكية لدى الأطفال ؟

 

ترجمة : أ. نوره الدوسري 

 (الأطفال الذين يبدون عدائيين غالبًا ما يعانون من قلق شديد)

القراءة السريعة:
الأعراض التي نربطها عادةً بالقلق تشمل التعلّق بالوالدين، وتجنّب المواقف، أو الخجل الشديد. ولكن المشكلات السلوكيه قد تكون أيضًا أحد أعراض القلق. ذلك لأن بعض الأطفال القلقين يشعرون بحاجة مُلحّة للهروب من المواقف التي تجعلهم غير مرتاحين. وقد يبدو هذا السلوك وكأنه غضب أو تحدٍ.

علامات تدل على أن الطفل الذي يُظهر سلوكًا عدوانيًا قد يكون قلقًا تشمل: نوبات الغضب، أو الانفجارات السلوكية، أو التشتت، أو الحركة الزائدة (مثل مغادرة مقعده أو حتى الركض خارج الغرفة)، أو الجدال مع الآخرين، أو طرح الكثير من الأسئلة.

قد يخطئ البالغون في تفسير سلوك الأطفال الذين يتصرفون بشكل سلبي ويظنون أنهم يتعمدون التصرف بتحدٍ. يشعر الآباء حينها بأنهم غير محترمين، وقد يُصابوا بالإرهاق أو الإحباط. وفي المدرسة، عندما يُحدث الأطفال اضطرابات في الصف أو لا يتبعون التعليمات، فإنهم يثيرون استياء المعلّمين. وبدلاً من تعلّم كيفية إدارة قلقهم، ينتهي بهم المطاف في مكتب المدير.

الأطفال القلقون الذين يتصرفون بعنف قد يتم تشخيصهم بشكل خاطئ باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) أو اضطراب سلوكي. لذلك، من المهم إجراء تقييم دقيق من قبل أخصائي في الصحة النفسية، مثل طبيب نفسي أو أخصائي نفسي أو أخصائي اجتماعي، لتحديد السبب الحقيقي للسلوك. ويمكن علاج القلق بنجاح كبير باستخدام العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، حيث يتعلم الأطفال استراتيجيات لتهدئة أنفسهم عند الشعور بالقلق، ويبدأ القلق بالتلاشي تدريجيًا. وفي بعض الأحيان، يُوصى باستخدام الأدوية أيضًا.

قصة “جيمس”
طفل يبلغ من العمر عشر سنوات يُدعى “جيمس” يفقد أعصابه في المدرسة. بعد أن أزعجه أحد زملائه، دفعه واندلع شجار بالأيدي. وعندما تدخل المعلم لفض النزاع، فقد جيمس السيطرة على نفسه، وبدأ في رمي الأوراق والكتب في أرجاء الفصل، ثم هرب خارج الغرفة. وفي النهاية تم احتجازه في مكتب نائب المدير، حيث حاول الطاقم تهدئته. لكن بدلاً من أن يهدأ، ركل جيمس نائب المدير في محاولة يائسة للهروب. فاضطر الموظفون إلى الاتصال بخدمة الطوارئ، وانتهى به الأمر في قسم الطوارئ بالمستشفى.

بالنسبة للمراقب غير المتخصص، يبدو جيمس كطفل لديه مشكلات خطيرة في السيطرة على الغضب. فهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها عن السيطرة. تطلب المدرسة من والديه اصطحابه للغداء يوميًا لأنه ممنوع من دخول الكافيتيريا.

 

القلق غير المُدرَك
لكن، ما الذي يحدث بالفعل؟ يوضح الدكتور “جيري بوبريك”، الأخصائي النفسي السريري الذي عالج العديد من الأطفال المشخّصين بالقلق واضطراب الوسواس القهري (OCD) في معهد عقل الطفل (Child Mind Institute):
“بعد إجراء تقييم شامل، تبيّن أن جيمس يعاني من قلق اجتماعي شديد للغاية. لا يمكنه تحمّل أي نوع من النقد، حتى ولو كان بناءً. يشعر جيمس برعب شديد من التعرض للإحراج، لذا عندما يقول له طفل آخر شيئًا يجعله غير مرتاح، لا يمتلك أي مهارات للتعامل مع الموقف، فينهار. إنها استجابة الهروب أو المواجهة (Fight or Flight).”

تُبرز قصة جيمس أمرًا قد لا يدركه الآباء والمعلمون، وهو أن السلوك التخريبي غالبًا ما يكون ناتجًا عن قلق غير مُدرَك. فالطفل الذي يبدو عنيفًا أو عدائيًا قد يكون في الواقع يستجيب للقلق، وقد لا يكون قادرًا، بحسب عمره، على التعبير عن قلقه بشكل واضح أو حتى التعرف عليه داخليًا.

تقول الدكتورة “رايتشل بوسمان”، الأخصائية النفسية:
“خصوصًا في الأطفال الأصغر سنًا، قد نلاحظ سلوكيات مثل الجمود أو التعلّق الشديد بالوالدين، لكننا قد نرى أيضًا نوبات غضب وانهيارات تامة.”

 

القلق: المُتقمّص المتعدد الأوجه
يظهر القلق بأشكال متنوعة ومفاجئة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى كونه استجابة فسيولوجية للتهديدات في البيئة. هذه الاستجابة تهدف إلى تعزيز قدرة الجسم على مواجهة الخطر أو الهروب منه. لذلك، بينما يُظهر بعض الأطفال قلقهم بالانسحاب من المواقف أو الأشياء التي تثير مخاوفهم، يُظهر آخرون حاجة مُلحّة للهروب من الموقف غير المريح. هذا السلوك، والذي قد يكون من الصعب السيطرة عليه، غالبًا ما يُساء تفسيره على أنه غضب أو عدوانية.

تشرح الدكتورة “لورا برايغر”، مديرة خدمة الطوارئ النفسية للأطفال في مستشفى ماساتشوستس العام:
“القلق من بين التشخيصات التي تتنكر جيدًا، فهو يمكن أن يظهر بأشكال متعددة. خصوصًا عند الأطفال الذين قد لا يمتلكون الكلمات للتعبير عن مشاعرهم، أو لأن لا أحد يستمع لهم، قد يظهر القلق لديهم على شكل خلل سلوكي.”

الأعراض الأكثر شيوعًا للقلق لدى الأطفال تشمل صعوبة النوم بمفردهم، أو الانفصال عن الوالدين، أو تجنّب أنشطة معينة. تقول الدكتورة برايغر، المشاركة في تأليف كتاب “الانتحار بواسطة بطانية الأمان وقصص أخرى من خدمة الطوارئ النفسية للأطفال”، إن هذه الأعراض يسهل التعرف عليها. لكن في حالات أخرى، قد يكون القلق خفيًا.

وتضيف:
“عندما يكون الشكوى الرئيسية من نوبات الغضب أو الاضطراب في المدرسة، أو من الطفل الذي يرمي نفسه أرضًا في مركز تجاري، يكون من الصعب معرفة السبب الحقيقي. لكن ليس من النادر أن ينتهي الأمر بتشخيص اضطراب قلق عميق عندما يُعرض هؤلاء الأطفال على أقسام الطوارئ.”

 

المشكلات السلوكية في المدرسة
ليس من غير المألوف أن يُظهر الأطفال الذين يعانون من قلق غير مُشخّص سلوكًا تخريبيًا في المدرسة، حيث تُشكّل المتطلبات والتوقعات ضغوطًا لا يمكنهم التعامل معها. وقد يكون من المربك للمعلمين وموظفي المدرسة تفسير هذا السلوك، لأنه يبدو وكأنه يحدث فجأة.

ترى الدكتورة “نانسي رابابورت”، أستاذة في كلية الطب بجامعة هارفارد والمتخصصة في رعاية الصحة النفسية في البيئات المدرسية، أن القلق أحد أسباب السلوك التخريبي الذي يصعّب من مهمة التدريس داخل الصفوف.

وتوضح:
“المشكلة أن الأطفال القلقين عندما يتصرفون بشكل تخريبي، فإنهم يبعدون عنهم البالغين الذين يحتاجونهم ليشعروا بالأمان. وبدلاً من تعلّم كيفية التعامل مع قلقهم، يقضون نصف يومهم في مكتب المدير.”

وتضيف الدكتورة رابابورت أن الكثير من السلوك التخريبي في المدرسة يرجع إلى الصدمة النفسية في المنزل.
الأطفال الذين يعانون، والذين لا يشعرون بالأمان في المنزل، قد يتصرفون وكأنهم ‘إرهابيون’ في المدرسة، مستخدمين سلوكًا مخيفًا للغاية.” وتؤكد أن أكثر الأطفال عرضة للخطر هم أولئك الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ومرّوا بتجارب صادمة.
“هؤلاء الأطفال في حالة تأهّب دائم، ويفتقرون إلى مهارات التنظيم التنفيذي، ويُسيئون تفسير الإشارات، ويدخلون في وضع القتال.”

 

تزويد الأطفال بأدوات لمواجهة القلق
عندما يتمكن المعلّم من بناء علاقة مع الطفل، وفهم ما يحدث معه، وما الذي يثير سلوكه، يمكنه حينها تزويده بأدوات تساعده في التعامل مع القلق ومنع الانهيارات السلوكية. في كتابها “رمز السلوك: دليل عملي لفهم وتعليم أصعب الطلاب”, تقدم الدكتورة رابابورت استراتيجيات يمكن تعليمها للأطفال لمساعدتهم على تهدئة أنفسهم، بدءًا من تمارين التنفس وحتى تقنيات تشتيت الانتباه.

تقول:
“عندما يفهم المعلّم أن السلوك العدواني ناتج عن القلق، بدلاً من أن يفترض أن الطفل يتعمّد إزعاجه، فإن ذلك يغيّر طريقة تعامله معه. عندها، يمكن للمعلّم التعاون مع الطفل ومع الأخصائي النفسي في المدرسة لوضع استراتيجيات لمنع هذه المواقف.”

وتعترف بأن هذه العملية قد تكون مرهقة وتتطلب جهدًا إضافيًا من المعلم، لكنها تشير إلى أن التعامل مع تداعيات نوبة انهيار للطفل نفسه يتطلب جهدًا أكبر.

 

عندما يُخطئ الناس بين القلق وADHD
القلق أيضًا يسبب الكثير من الأعراض في المدرسة، والتي يُساء تفسيرها على أنها اضطراب فرط الحركة أو سلوك عدائي.

تشرح الدكتورة بوسمان:
“أحيانًا أرى طفلًا يعاني من صعوبات في المدرسة: لا ينتبه، يترك مقعده باستمرار، يطرح الكثير من الأسئلة، يذهب إلى الحمام بشكل متكرر، ويتدخل في شؤون الآخرين.”
“هذا السلوك يُزعج زملاءه ويُحبط المعلم، الذي يتساءل: لماذا يطرح كل هذه الأسئلة؟ ولماذا هو مهووس بما يفعله الآخرون؟ هل يتبع القواعد؟”

غالبًا ما يفترض الناس أن هذا الطفل يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من النوع غير المنتبه، ولكن الحقيقة أن السبب الشائع هو القلق. فالأطفال المشخّصين بالوسواس القهري، على سبيل المثال، لا يطرحون كل هذه الأسئلة لأنهم لا يستمعون، بل لأنهم بحاجة ماسة إلى الطمأنينة.

 

كيفية التعرّف على القلق
تضيف الدكتورة بوسمان:
“من المحتمل أن القلق الذي يبدو كسلوك تخريبي، أو القلق المترافق مع سلوكيات تخريبية، يحدث أكثر مما نعتقد. فالأطفال معقدون، وقد تتداخل الأعراض لديهم بين عدة فئات تشخيصية، ولذلك نحتاج إلى تقييم تشخيصي شامل ودقيق.”

وتؤكد أن التقييم الجيد يجب أن يستند إلى بيانات من مصادر متعددة، وليس فقط من الوالدين.
“نحن نرغب في التحدث إلى المعلمين وأشخاص آخرين في حياة الطفل، لأن بعض الأطفال يتصرفون بالطريقة نفسها في المنزل والمدرسة، بينما البعض الآخر يكون وكأنه طفلان مختلفان.”

كما أن التقييم يجب أن يشمل استخدام مقاييس تقييم تمتد على طيف واسع من السلوكيات، وليس فقط السلوك الظاهر، حتى لا يتم تفويت أشياء مهمة.

وتشير أيضًا إلى أن الطفل الذي يعاني من قلق شديد ويواجه صعوبات في المدرسة قد يكون لديه مشكلات في الانتباه أو التعلم، ولكن يجب معالجة القلق أولًا قبل تقييمه في تلك الجوانب.

وتضرب مثالًا بمراهق يعاني من الوسواس القهري ويؤدي أداءً سيئًا في المدرسة:
“إنه يقضي ثلاث إلى أربع ساعات يوميًا في أداء الطقوس القهرية، ويواجه أفكارًا تطفلية باستمرار — لذلك علينا معالجة القلق أولًا والسيطرة عليه، قبل أن نسأل: كيف يتعلم هذا الطفل؟”



المرجع :

How Anxiety Leads to Problem Behavior: 

https://childmind.org/article/how-anxiety-leads-to-disruptive-behavior/