ترجمة: أ. نوره الدوسري
لماذا يُطوّر الأطفال المشخّصون باضطرابات التعلّم الاكتئاب غالباً، ولماذا يحتاجون إلى دعم عاطفي أيضاً
ملخص سريع
تُظهر الأبحاث أنّ الأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم معرضون بشكل أكبر للإصابة بالاكتئاب مقارنة بغيرهم من الأطفال — وأن هذا الخطر يزداد مع تقدّمهم في العمر.
ينبع الاكتئاب من مشاعر العجز وانخفاض قيمة الذات. وتلعب التحديات التي يواجهها الأطفال في المدرسة دوراً كبيراً في كيفية شعورهم تجاه أنفسهم، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. وتشمل هذه التحديات صعوبة الأعمال المدرسية المتزايدة مع تقدّمهم في المراحل الدراسية، بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية.
عندما يبلغ الأطفال عمر 8 أو 9 سنوات، يبدأون بمقارنة أنفسهم بأصدقائهم وأقرانهم. وقد يشعر الأطفال المشخّصون باضطرابات التعلّم بالحرج من صعوباتهم التعليمية ويرغبون في إخفائها. بعضهم قد يُظهر سلوكيات اندفاعية أو عدوانية، بينما ينسحب آخرون — ومن بينهم الكثير من الفتيات — من المدرسة أو من الأصدقاء، الأمر الذي يجعل من الصعب على الأهل والمعلمين معرفة أنّ لديهم اضطراباً في التعلّم من الأساس.
التعامل مع اضطرابات التعلّم غير المشخّصة قد يجعل الأطفال يشعرون بالقلق والاكتئاب. وهذه الحالات النفسية بدورها تؤثر على الدماغ، مما يجعل من الصعب التذكر أو التركيز. وبما أنّ القلق أو الاكتئاب يعيق عملية التعلّم، بدأت المدارس بتعليم مهارات التعلّم الاجتماعي والعاطفي (SEL) للأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم لمساعدتهم في التعامل مع مشاعرهم الصعبة. فالدعم التعليمي وحده غير كافٍ لضمان نجاحهم.
لكن رغم أن مهارات التعلّم الاجتماعي والعاطفي فعّالة، فإنّ الأطفال الذين يُظهرون علامات الاكتئاب — مثل التعب المستمر، أو الحزن الواضح، أو فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها عادة — يجب أن تتم إحالتهم إلى مختصين طبيين لتلقي العلاج.
صعوبات التعلّم تتجاوز حدود المدرسة
عادةً ما نفكر في اضطرابات التعلّم على أنها تؤثر فقط على الأداء المدرسي، لكن الصعوبات في مهارات مثل القراءة، والكتابة، والرياضيات، واللغة تؤثر في جميع جوانب الحياة اليومية، وليس فقط التحصيل الأكاديمي. نحن نستخدم هذه المهارات باستمرار — عند قراءة اللافتات في الشوارع، أو عدّ النقود، أو لعب الألعاب، أو متابعة المحادثات مع الأصدقاء.
إنّ النضال مع مهارات تبدو سهلة للآخرين، سواء داخل الصف الدراسي أو خارجه، قد يترك أثراً عاطفياً سلبياً منذ سن مبكرة. وتُظهر الأبحاث أنّ الأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، ويزداد هذا الخطر مع دخولهم مرحلة المراهقة.
تقول الدكتورة لورا فيليبس، أخصائية علم النفس العصبي:
“يقضي الأطفال معظم ساعات يقظتهم في المدرسة. وعندما يمضي الطفل ثماني ساعات يومياً في بيئة مليئة بالتحديات بالنسبة له، فإن ذلك يترك أثراً كبيراً على مفهومه لذاته — أي فكرته عن هويته كشخص — وعلى قدرته في الشعور بالنجاح.”
المدرسة وتقدير الذات
قد يظهر الاكتئاب بطرق مختلفة لدى الأطفال، مثل:
- الظهور بمظهر الحزين أو سريع الانفعال.
- صعوبة النوم.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانوا يستمتعون بها سابقاً.
- التعب المستمر.
- زيادة أو فقدان كبير في الوزن.
لكن جذوره الأساسية تعود إلى مشاعر العجز وانخفاض قيمة الذات. وتُظهر الدراسات أنّ البيئة المدرسية قد تُسهم في تغذية هذه المشاعر لدى الأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم.
إنّ الطفل الذي لم يتم تشخيصه بعد يكون معرضاً بشكل أكبر للاكتئاب لأنه لا يفهم سبب معاناته مع مهام ينجزها الآخرون بسهولة. والإحباط المتكرر والفشل يجعلان الطفل يشعر بأن هناك خطباً ما في داخله. وقد يكون التشخيص مريحاً لأنه يمنحه تفسيراً ودعماً، لكن النجاح سيبقى تحدياً مستمراً، كما أن التشخيص ليس “عصا سحرية” لحل المشكلات العاطفية فوراً.
تشير هيلين أومانسكي، أخصائية العمل الاجتماعي السريري:
“الأمر لا يتحسن دائماً على الفور بعد التشخيص. سوف يتحسن مع الوقت، لكن الأطفال الذين يتلقون تشخيصاً جديداً يحتاجون إلى فترة للتأقلم مع نظام الدعم الخاص بهم، وتطوير الثقة في المهارات التي كانوا يفتقدونها.”
إذا كان لديكم شكوك حول إصابة الطفل بالاكتئاب، فيجب مراجعة مختص طبي. لكن في الوقت ذاته، يستطيع الأهل والمعلمون تقديم دعم مهم أيضاً.
تحديات أكاديمية متصاعدة
تتغير متطلبات المدرسة مع تقدم الطفل في العمر، وهناك نقطة تحول صعبة بشكل خاص على الأطفال الذين لديهم صعوبات في القراءة واللغة. تقول الدكتورة فيليبس:
“من الروضة وحتى الصف الثاني يتعلم الأطفال كيفية القراءة. لكن ابتداءً من الصف الثالث، يتحول التركيز إلى القراءة من أجل التعلّم.”
بمعنى آخر، تصبح القراءة جزءاً أساسياً من جميع المواد. فالطفل الذي كان يعاني من ضعف في مادة اللغة، لكنه يفتخر بمهاراته في الرياضيات، سيواجه فجأة مشكلات مع مسائل الرياضيات النصية. وهذا يفقده الثقة في المهارة التي كانت تشكّل مصدر اعتزازه بنفسه.
ومع تقدم المراحل، سيستمر الأطفال في مواجهة تحديات غير متوقعة، مما قد يكون مثبطاً للعزيمة. تقول فيليبس:
“تأثير اضطراب التعلّم يصبح أوسع نطاقاً كلما تقدم الطفل في المراحل الدراسية.”
هنا يكون دور الأهل في إدراك حجم الإحباط الذي يشعر به الطفل والاعتراف به. فنحن غالباً نميل إلى مواجهة السلبية بكلمات تشجيع مثل “أنت ذكي جداً!”، لكن هذا قد يجعل الطفل يشعر بأنه غير مفهوم. إذا قال الطفل “أشعر أني غبي لأنني لم أستطع حل مسألة”، فمن الأفضل الاعتراف بمشاعره بالقول: “أتفهم كم هو محبط أن تواجه هذه المسألة.”
المقارنة بالأقران
مع بلوغ عمر 8 أو 9 سنوات، يبدأ الأطفال في النظر إلى أنفسهم في سياق مقارنة مع أقرانهم. وهنا يتحول الأمر من مجرد شعور بالإحباط إلى التساؤل عن سبب سهولة الأشياء على الآخرين وصعوبتها عليهم. وقد يشعرون بأنهم يعملون بضعف الجهد، وهذا قد يبدو لهم غير عادل.
كما يصبح الأطفال أكثر وعياً بذاتهم في هذه المرحلة، وربما يشعرون أنّ نقاط ضعفهم مكشوفة أمام الآخرين. فقد يتجنّبون المشاركة في الصف أو يلعبون وحدهم في الاستراحة. ومع تراكم التجارب السلبية مثل الفشل في حل مسألة أو التعرض للتوبيخ، يمكن أن ينتقل الطفل من التفكير “أنا أشعر أني غبي” إلى “لن يحبني أحد”.
الأطفال الذين لديهم صعوبات تعلّم قد يواجهون أيضاً تحديات اجتماعية، مثل متابعة مجريات المحادثة أو اختيار الكلمات المناسبة للرد. ومع تكرار التجارب السلبية، قد يتجنّبون التفاعل الاجتماعي تماماً.
في المقابل، قد يلجأ بعض الأطفال إلى جذب الانتباه من خلال التصرفات المبالغ فيها أو التمرد، كوسيلة لتعويض مشاعر النقص. ورغم أن هذا قد يعطيهم شعوراً مؤقتاً بالثقة، إلا أنّه لا يعالج التحدي الأساسي.
صعوبة ملاحظة الفتيات
معدلات اضطرابات التعلّم متقاربة بين الجنسين، لكن الأولاد يُشخّصون بنسبة أعلى بسبب سلوكياتهم المزعجة التي تُلفت الانتباه. أما الفتيات فيميلن إلى الانسحاب والجلوس بصمت، مما يجعل اكتشاف حالتهن أصعب.
توضح فيليبس:
“الفتيات غالباً يجلسن بهدوء في مؤخرة الصف ويحاولن أن يختفين، مما يؤخر التشخيص.”
وبالتالي، قد تكون أول العلامات الملحوظة لاضطراب التعلّم هي القلق أو الاكتئاب. تقول فيليبس:
“قد يصبن بقلق شديد أو إحباط أكاديمي متزايد. أحياناً يكون القلق أو الاكتئاب هو ما يجلبهن إلى العيادة للمرة الأولى.”
الحلقة المفرغة: كيف يؤثر الاكتئاب على التعلّم
يؤثر الاكتئاب بشكل مباشر على الوظائف المعرفية، مما يزيد من حدة صعوبات التعلّم. وتشير الأبحاث إلى أنّ الاكتئاب قد يؤدي إلى:
- إبطاء معالجة المعلومات.
- إضعاف عملية ترسيخ المعلومات في الذاكرة طويلة المدى.
- صعوبة التركيز والانتباه.
- اضطراب النوم، مما يضر الدماغ.
إنها حلقة مفرغة: صعوبات التعلّم تؤدي إلى الاكتئاب، والاكتئاب يزيد من صعوبة التعلّم.
بيئة الصف والشعور بالأمان
طريقة تفاعل الطفل مع بيئة المدرسة تؤثر على تعلمه وعلى نظرته لذاته. ويُعد هذا الأمر أكثر أهمية بالنسبة للأطفال السود أو الأطفال من أصول عرقية مختلفة، خاصة في المدارس ذات الأغلبية البيضاء. تقول فيليبس:
“إذا كان هناك اختلاف في لون البشرة بين الأطفال ومعلميهم، فقد يدخلون الصف وهم يعانون من توتر زائد يحتاجون إلى التغلب عليه قبل أن يتمكنوا من المشاركة بشكل كامل.”
إذا كانت المدرسة مكاناً يثير القلق أصلاً، فسيكون من الصعب على الطفل مواجهة التحديات التعليمية. وربما يطور خوفاً من الذهاب إلى المدرسة. لذلك، يجب أن يدرك المعلمون أنّ المدرسة ليست بيئة محايدة، وأن العوامل الثقافية والعرقية والاجتماعية تلعب دوراً في شعور الطفل بالأمان.
الجمع بين الدعم الأكاديمي والعاطفي
بدأت المدارس تدرك أهمية الدمج بين الدعم الأكاديمي والدعم العاطفي للأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم. فحين يشعر الأطفال بالهزيمة من تحدياتهم ويرفضون التعلّم لأنه يضر بشعورهم تجاه أنفسهم، فإن الدعم الأكاديمي وحده لا يكفي.
تُستخدم الآن تقنيات التعلّم الاجتماعي والعاطفي (SEL) لمساعدة الأطفال على فهم العواطف التي تقود سلوكياتهم — سواء كان ذلك في صورة اندفاع، أو رغبة في الاختفاء، أو تجنّب المهام الصعبة.
يمكن تعليم الأطفال استراتيجيات لإدارة المشاعر المرتبطة بالتعلّم. على سبيل المثال، الأطفال الذين لديهم صعوبات في الرياضيات غالباً ما يشعرون بالقلق عند مواجهة مسائل رياضية، ويبدؤون بالتحدث مع أنفسهم سلبياً:
“أنا سيء جداً في الرياضيات. سأفشل في هذا الاختبار. أنا غبي ولن أدخل الجامعة.”
هذا الحديث السلبي يستهلك الذاكرة العاملة ويعيق حل المشكلات. تقول فيليبس:
“يمكن للأطفال كسر هذه الدائرة بحيلة بسيطة، وهي ترديد خطوات المسألة بصوت مرتفع أثناء الحل. عندها لا يستطيعون الانخراط في الحديث السلبي مع الذات، وبالتالي تُحرر الذاكرة العاملة لحل المسألة.”
إن القدرة على ابتكار استراتيجيات إبداعية كهذه قد تكون “السلاح السري” لدى الأطفال المشخّصين باضطرابات التعلّم. لكن في حال ظهرت علامات الاكتئاب، من الضروري اللجوء إلى علاج متخصص. إنّ فهم العلاقة المتشابكة بين التحديات التعليمية والعاطفية يساعد الأهل على توفير الدعم المناسب لأطفالهم.
المرجع :
Learning Disabilities and Depression :
https://childmind.org/article/learning-disabilities-and-depression/





