ترجمة : نوره الدوسري
تُعتبر زيارة الطبيب من التجارب الصعبة للعديد من الأطفال، حتى عندما تكون مجرد فحوصات روتينية بسيطة، فقد تتحول بسرعة إلى نوبات من القلق أو الغضب. ومع ذلك، يمكن للوالدين استخدام استراتيجيات مدروسة لتسهيل هذه الزيارات وجعلها أقل توترًا للطفل وللأسرة بأكملها. الهدف الرئيسي هو تجهيز الطفل نفسيًا ومعرفيًا لما سيحدث أثناء الموعد، مع بناء شعوره بالأمان والتحكم في الموقف، وهو ما يقلل من احتمالية حدوث نوبات الغضب أو الهلع.
التوضيح المسبق لما سيحدث
من أهم الخطوات التي يمكن للوالدين اتخاذها لتقليل قلق الطفل هي شرحه مسبقًا لكل ما سيحدث خلال الزيارة الطبية. يجب أن يكون الوصف واضحًا ومفصلًا، بحيث يعرف الطفل بالضبط ما سيحدث خطوة بخطوة. على سبيل المثال، يمكن القول: “سوف يقيس الطبيب طولك، ثم سوف يستخدم أداة للاستماع إلى قلبك، وبعدها سنرى ما إذا كنا بحاجة لفحص بسيط آخر.” الصراحة مهمة جدًا، لأن الأطفال الذين لا يتوقعون أخذ حقنة ثم يُعطون لها يكونون أكثر انزعاجًا من الأطفال الذين تم تحضيرهم مسبقًا لهذه الخطوة.
إضافة عناصر ممتعة للزيارة تساعد على جعل التجربة أكثر إيجابية. يمكن السماح للطفل باختيار لعبة أو كتاب مفضل للعب به في غرفة الانتظار، كما يمكن إعداد خطة لمكافأة صغيرة بعد انتهاء الموعد، مثل زيارة المكان المفضل للعب أو تناول وجبة خفيفة يحبها الطفل. هذه الخطوة البسيطة تمنح الطفل شعورًا بالتحكم وتجعله أكثر استعدادًا للتعاون أثناء الفحص.
إعطاء الطفل فرصة للتعبير عن مشاعره
من المهم منح الطفل الفرصة للتعبير عن مخاوفه وتساؤلاته، حتى لو استغرق الأمر وقتًا. يمكن للوالدين القول: “لنراجع كل شيء سيحدث غدًا، توقف عندما تصل إلى شيء يبدو مخيفًا وسنجد طريقة لجعله أقل رعبًا.” يجب على الوالدين ألا يقللوا من مشاعر الطفل أو يستخفوا بها، بل عليهم تأكيد أن الشعور بالخوف أو التوتر طبيعي تمامًا، حتى للبالغين.
عدم الإفراط في الوعد أو تقديم تطمينات غير الواقعية
عندما يركز الطفل على السؤال الكبير: “هل سأأخذ حقنة؟”، قد يكون من المغري طمأنته حتى لو لم يكن الوالد متأكدًا من عدم وجود حقنة. من الأفضل دائمًا الصراحة حول ما هو معروف وما هو غير معروف، على سبيل المثال: “لا أعرف بالضبط، لكن يمكننا سؤال الطبيب عند وصولنا.” الصراحة تبني الثقة بين الطفل والوالدين وتجنب شعور الطفل بالخيانة أو المفاجأة إذا تغيرت الأمور أثناء الزيارة.
التحكم في قلق الوالدين
يجب على الوالدين الانتباه لقلقهم الشخصي، لأنه يمكن أن ينتقل بسهولة إلى الطفل. من الطبيعي أن يشعر الوالدان بالقلق عند مرافقة الطفل المريض، ولكن من المهم إدارة هذا القلق بطريقة مناسبة. يمكن للوالدين التحدث إلى الطبيب بشكل منفصل أثناء تسجيل الطفل، بحيث لا يرى الطفل التوتر في وجه والديه فيظل هادئًا. هذا يسمح أيضًا للوالدين بإعطاء الطبيب معلومات مفيدة حول ما نجح وما لم ينجح سابقًا مع الطفل، مثل: “لقد أحب أن يكون مساعدك في الزيارة السابقة، هل يمكننا تكرار ذلك؟” أو: “يبدو أنه لم يستمتع بحمل السماعة الطبية، هل يمكن تجربة شيء مختلف هذه المرة؟”
التحضير النفسي للطفل
معرفة الطفل بما سيحدث تساعده على تقليل الخوف غير الواقعي. غالبًا ما يتخيل الأطفال الذين يشعرون بالقلق أن الأمور ستكون أسوأ مما هي عليه في الواقع. يمكن للوالدين أن يوضحوا للطفل أن زيارة الطبيب لا تعني بالضرورة مرضًا خطيرًا، بل هي خطوة للحفاظ على صحته. من خلال هذا التوضيح، يمكن للطفل إدارة توقعاته بشكل أفضل وتقليل القلق المرتبط بالزيارة.
استخدام وسائل الإلهاء
خلال الانتظار في العيادة، من الطبيعي أن يواجه الأطفال بعض الوقت الطويل في الغرفة، والذي قد يزيد من شعورهم بالقلق. يمكن للوالدين استخدام ألعاب أو كتب مفضلة للطفل لتشتيت انتباهه والحفاظ على هدوئه. لا يجب الاكتفاء بما توفره العيادة من ألعاب أو مجلات قديمة، بل يُفضل السماح للطفل باختيار ما يجعله مستمتعًا ويشغل وقته بطريقة إيجابية.
التعامل مع الحقن والفحوص المؤلمة
عند الحديث عن الحقن أو الإجراءات التي قد تكون غير مريحة، يجب على الوالدين التعامل معها بصراحة وعقلانية. يمكن قول: “لا أحد يحب الحقن، لكنها مهمة للحفاظ على صحتنا، لذلك علينا أخذها أحيانًا.” من المهم عدم تأجيل الحقن لأن ذلك قد يزيد من قلق الطفل في المستقبل. يمكن أيضًا التحقق مع العيادة إذا كان من الممكن إجراء الحقنة في بداية الزيارة لتقليل التوتر المتراكم. بعد الانتهاء من الإجراء، يجب تقديم التشجيع والثناء للطفل، مثل: “أنا فخور بك، كنت خائفًا ولكنك تعاملت مع الأمر بشجاعة!”
التحقق من القلق المستمر
معظم الأطفال يتجاوزون خوفهم بعد الانتهاء من الزيارة، ولكن إذا كان القلق مستمرًا أو شديدًا، فقد يكون مؤشرًا على مشكلة أكبر. بعض العلامات التي تستدعي الانتباه تشمل: القلق المفرط قبل أسابيع أو أشهر من الموعد، الانشغال المستمر بالفحص أو الصحة بعد انتهاء الزيارة، أو تأثير القلق على القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية. في هذه الحالات، قد يكون من المفيد تقييم الطفل من قبل مختص نفسي لتقديم الدعم المناسب.
الخلاصة
على الرغم من أن زيارة الطبيب قد لا تصبح تجربة يحبها الطفل أبدًا، إلا أنها جزء ضروري من الحفاظ على الصحة العامة. يمكن للوالدين تسهيل هذه التجربة من خلال التحضير المسبق، التوضيح الصريح لما سيحدث، الاستماع لمخاوف الطفل، إدارة قلقهم الشخصي، واستخدام استراتيجيات الإلهاء والمكافآت. هذه الخطوات تساعد الطفل على تطوير مهارات التعامل مع القلق، مما يجعل الزيارات المستقبلية أقل توترًا وأكثر قدرة على التعاون والهدوء.
باستخدام هذه الاستراتيجيات، يمكن للأسرة بأكملها تحويل تجربة زيارة الطبيب من مصدر للتوتر والخوف إلى فرصة لبناء الثقة والقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بشكل هادئ وفعّال.
المرجع :
Helping Kids Who Are Scared of Going to the Doctor
https://childmind.org/article/help-kids-scared-of-going-to-the-doctor/ف





